تتخطى زيارة الملك عبدالله الثاني إلى دمشق ، من حيث توقيتها ودلالتها والبيان الختامي الصادر في ختامها ، البعد الثنائي في العلاقة الأردنية السورية ، إلى الأبعاد الإقليمية المتصلة بالمشهدين الفلسطيني واللبناني وكذلك الأزمة العراقية ونفترض أن "أنابوليس" كانت في قلب محادثات الزعيمين... فالأردن حريص على انعقاد الاجتماع الدولي ، وعلى نجاحه ، وعلى مشاركة جميع الأطراف فيه ، ابتداء بالأطراف ذات الصلة المباشرة بهذا الصراع...وسوريا معنية بتحسين شروط مشاركتها في "أنابوليس" وتفكيك أطواق العزلة الدولية والإقليمية التي التفت حولها ، وبهذا المعنى ، فقد وفرت القمة مخرجا من بين عدة مخارج تعمل السياسة السورية على فتحها و"تسليكها".

من وجهة النظر الأردنية ، تعد مشاركة سوريا في أنابوليس مهمة بذاتها ، لكنها مهمة أيضا إذ تزيل الحرج عن مشاركة الآخرين ، خصوصا دول الخليج ، فجلوس هؤلاء على مائدة أنابوليس سيكون صعبا عليهم في غياب الوفد السوري ومقاطعة دمشق.

ومن وجهة النظر السورية ، فإن مشاركة سوريا في أنابوليس هي خير برهان على قدرة دمشق على اتخاذ مواقف مستقلة عن طهران - التي تعارض المؤتمر وتدعو لمقاطعته - وخير دلالة على حرص سوريا على تبديد الانطباع الإقليمي والدولي ، بأنها باتت جزءا من محور إيراني - إقليمي ، أو أنها أصبحت دمية في خدمة الأطماع الإقليمية لطهران.

القمة الأردنية - السورية ، اندرجت في سياق انفراجي بالنسبة لدمشق ، فسوريا تلقت مؤشرات كافية عن استعداد أمريكي للبحث في "تخريجة" لمأزق جدول أعمال أنابوليس ، بحيث "يدرج الجولان فيه ولا يدرج" ، وواشنطن في هذا السياق تنسق مع باريس وموسكو لإقناع سوريا بالمشاركة والتفاهم معها حول المخرج و"التخريجة" ، وتتردد أنباء عن "خطاب تاريخي" سيلقيه الرئيس جورج بوش في المؤتمر ، يكون بديلا للوثيقة المتعذرة أو المستحيلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وفيه سيرسم ملامح الحل النهائي ويجيب عن أسئلة الدولة والحدود والقدس والأمن والسيادة ، وفيه سيشير أيضا ، إلى سوريا والجولان وربما مزارع شبعا.

وفي السياق الانفراجي ذاته ، لا يمكن التقليل من شأن التوجه الأمريكي الجديد حيال لبنان ، واتصال بكوندوليزا رايس بنبيه بري - صديق سوريا وحليفها - ودعوتها لانتخاب رئيس توافقي يرض به جميع اللبنانيين ، بعد أقل من أسبوعين من سخريتها من "رئيس التسوية" ودعوتها لانتخاب رئيس من 14 آذار ، يعمل على فك ارتباط لبنان بسوريا واللبنانيين بحزب الله.

وفي السياق الانفراجي أيضا ، يأتي تلويح إسرائيل بتحريك المسار السوري ، واعتماد "القناة التركية" لتبادل الرسائل مع دمشق ، وتنشيط خبراء التفاوض مع الجانب السوري واستدعائهم لمكاتب رئيس الوزراء ووزري الخارجية والدفاع ، في مؤشر على احتمال عودة المياه إلى قنوات التفاوض السوري الإسرائيلي.

والخلاصة ، أن القمة السورية الأردنية ، بقدر ما تعكس توجها إقليمية ودوليا لفصل سوريا عن إيران وفك أطواق العزلة عن دمشق ، بقدر ما تؤسس أيضا لمقاربة جديدة في العلاقات الأردنية السورية ، تصبح معها الملفات الثنائية العالقة ، مجرد تفاصيل تحال للموظفين والخبراء.

مصادر
الدستور (الأردن)