تُرانا نغرد خارج السرب؟ ربما.. لا أدري ولكن الذي أدريه جيداً ، وأومن به أعمق الايمان وأشده ، هو ان لقاء القائدين: الاردني والسوري ، حينما يُصنف في خانة الحدث الاعلامي غير المتوقع او.. العمل السياسي المفاجىء ، فان ذلك دليل ساطع فاقع على ان الامور بين البلدين ، ليست على الشكل والنهج اللذين كان يُفترض ان يكونا عليه،،

بلاد الشام هي.. الجناح الغربي للهلال السوري العربي الخصيب ، وهو.. بكل دوله واقاليمه ومكوناته الانسانية ، يشكّل ، كما يقرر العلم والتاريخ والجغرافيا ، وحدة حياة ووحدة مصير ووحدة مصلحة،،

لهذا ، كان القصد الاستعماري الصهيوني الاول والأهم: بعد جلاء العثمانيين ، بنهاية الحرب العالمية الاولى ، هو تمزيق هذه الوحدة وتفتيت هذا الواقع الاجتماعي - السياسي - الامني - الثقافي - الاقتصادي عبر معاهدة سايكس - بيكو ، من اجل ان يبقى كل جزء من اجزاء الوطن المجزّأة في حالة عجز دائم بفعل فقدانه مقوّمات العافية والقوة والوضع الطبيعي المتمثل بدورة حياته الواحدة،،

ان الشام.. اقصد بلاد الشام ، هي.. ارض واحدة وشعب واحد وحياة واحدة وذات مصلحة واحدة.. ولهذا كان ولم يزل ، هدف الوحدة بين اجزائها ، احد الاهداف السامية لكل عربي غيور مخلص،

وبالمناسبة.. فان احد قادة الثورة العربية الكبرى وهو الامير عبدالله بن الحسين ، عندما جاء الى معان ، جاء تحت عنوان «.. نائب ملك سورية».. وملك سورية آنذاك كان الملك فيصل بن الحسين وقد اطاح الفرنسيون بقيادة الجنرال غورو بالمملكة السورية العربية في دمشق عام 1920 ، وكان البيان الاول للامير عبدالله في معان موجهاً الى «.. بني سورية»،،

حتى.. بعدما نجح التحالف الاستعماري الصهيوني في فرض التجزئة ، ظل الامير (الملك فيما بعد) مصراً إصراراً على وجوب تحقيق الوحدة بين بلاد الشام ، لانها.. ليس في نظره فحسب بل في نظر كل احرار العرب ، الضمان الوحيد لمستقبل البلاد والعباد. بل انه بعد ان اصبحت الامارة مملكة ظل يردد ويحذّر ، كما جاء في مذكراته انه «.. اذا كانت الوحدة امراً جيداً بالنسبة للبلاد العربية الاخرى ، فانها بالنسبة للاردن ، مسألة حياة او موت»،،

وللأسى والاسف ، فان التآمر الاستعماري - اليهودي ، فضلاً عن بعض الاطراف العربية ، عملت بضراوة على إفشال دعوة الملك الاردني عبدالله الأول الى الوحدة،،

الكلام هنا.. في هذا الموضوع ، طويل.. متشعب يوجع القلب والعقل ، لان فيه من عجائب المواقف وغرائب الاجتهادات الاستعمارية والعربية ، ما لا يجعل نتائج وتداعيات تلك المواقف والاجتهادات.. الاّ.. الى ما يوصل الى هذه النهايات التي تعاين وتعاني منها شعوبنا واوضاعنا في ايامنا الكالحة الراهنة،،

ما نريد ان نخلص اليه ، هو ان زيارة الملك الى دمشق ، امس الاول ، هي ليست خطوة ايجابية في الاتجاه الاصح فحسب ، ولكن.. يُفترض ان يكون مثل هذا اللقاء ، امراً عادياً مألوفاً لا يستحق ان يسمى حدثاً غريباً او مفاجئاً او.. مستهجناً،،

العلاقات بين الاردن والجمهورية السورية ولبنان وفلسطين هي أبعد وأعمق وأكثر دقة وتركيباً من مجرد اعتبارها علاقات بين دول عربية،

إنها.. شاء من شاء ورفض من رفض علاقات بينية أقرب الى ان تكون علاقات داخلية بين مواطني وطن واحد وشعب واحد ، وهل ثمة أبلغ من دليل على ذلك من انعكاسات كارثة الامة في فلسطين المغتصبة على سائر اجزاء الوطن المقسّم؟،،

ان كل شأن اردني او لبناني او فلسطيني او شامي هو.. في صميم الصميم من شؤون اجزاء الوطن الاخرى.

هذا هو.. الواقع الاجتماعي الواحد الذي لا يمكن إخضاعه لرغبات افراد او جماعات ، انه.. الواقع الطبيعي،،

كل الغيارى الاحرار المخلصين يقدّرون للملك خطوته هذه ، ويتمنون على القيادتين ، ان تصبح مثل هذه اللقاءات ، أمرا عادياً مألوفاً ، وليس غريباً او مفاجئاً او.. حدثاً لافتاً للنظر،،

مصادر
الدستور (الأردن)