كل شعوب العالم تأكل الطعام بشهية، إلاّ الشعب الفرنسي فهو يأكل الطعام بشهوة! في الموروث العربي تكمن ذروة المتعة في ثالوث: الماء والخضرة والوجه

كل شعوب العالم تأكل الطعام بشهية، إلاّ الشعب الفرنسي فهو يأكل الطعام بشهوة!

في الموروث العربي تكمن ذروة المتعة في ثالوث: الماء والخضرة والوجه الحسن. في الموروث الفرنسي تكمن المتعة في ثالوث: الجبن والنبيذ والخبز الفرنسي. وبالطبع لا يقل الفرنسي عن العربي شغفاً بالوجه الحسن!

فرنسا البلد الوحيد الذي استطاع أن يحظى بامتيازات الاشتراكية والرأسمالية في آن، فهو «يعمل» وفق النظام الاشتراكي، و «يلهو» وفق النظام الرأسمالي.

ولذا يمكن وصف فرنسا بأنها أصدق دولة في عدم الانحياز، إذ هي بلد رأسماكي!

فالشعب الفرنسي - أو معظمه - تخلّى عن كل ما يتعلق بالدين أو بالتديّن، إلا في شعيرة دينية واحدة بقي ملتزماً بها أمام ربه، متبتلاً متعبداً بها من دون تكاسل، تلك الشعيرة هي «الإجازات الدينية»!

ففرنسا تعطل عن العمل يوم 8 نيسان (إبريل)، عيد قيامة المسيح، ويوم 17 أيار (مايو)، عيد صعود المسيح، ويوم 15 آب (أغسطس)، عيد رفع العذراء للسماء، ويوم 1 تشرين الثاني (نوفمبر)، عيد كل القديسين، ويوم 25 كانون الاول (ديسمبر)، عيد ميلاد المسيح. هم يؤمنون بميلاد وصعود وقيامة المسيح، لكن ليس بالضرورة أنهم يؤمنون بالمسيح نفسه!

لا يمكن تحديد مصدر عدوى البيروقراطية العربية إلا بعد التعامل مع إدارة فرنسية، حيث الشغف بالأوراق والنماذج وصور النماذج والأختام والمواعيد الممتدة لإنجاز عمل صغير.

لماذا هذا كله؟! سائر الشعوب أيضاً لديها قائمتها المميزة لها من الطبائع!

لأن فرنسا بلد الآداب والفنون والرومانسية والجمال، وهذه الصفات لا يمكن أن تجتمع في مكان واحد مع الانجاز والحسم والواقعية والصرامة... الموجودة في بلد مثل ألمانيا بالمقابل!

السؤال الآن: هل سيغير ساركوزي فرنسا؟ هل سينقلها من شبه الاشتراكية إلى عزم الرأسمالية؟ هل سيحولها من بلد الفنون والرشاقة إلى بلد المال والسمنة؟ هل سيرسمل أطفالها ويحيّد شيوخها؟

فرنسا تعاني اقتصاديا كما تعاني كثير من دول أوروبا من فلتان اليورو. بالمقابل فإن الحد الأدنى للأجور لم يعد كافياً لمواجهة الغلاء الذي يجعل معظم الفرنسيين غير قادرين على إكمال الشهر بالراتب حتى نهايته!

هل يصبح هذا الضعف والاحتياج المعيشي هو المنفذ الذي يدخل منه ساركوزي نحو تغيير الشعب الفرنسي ورسملة فرنسا؟

يتكئ ساركوزي في أحلامه تلك على مرجعية حلمية كبرى هي «الحلم الأميركي». ففي زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أعلن في خطابه أمام الكونغرس أنه يريد دخول قلب أميركا! وأضاف عبارة، وصفها المحللون الفرنسيون بأنها انقلاب في العلاقة التاريخية المتزنة مع أميركا منذ ديغول، كما لا يمكن تصور سماعها من جاك شيراك: «يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على فرنسا».

إشكالية العلاقة الحديثة بين أوروبا وأميركا يوجزها جان بريكمون، الأستاذ في جامعة لوفان ببلجيكا، بالقول: «المشكلة الأساسية في زمننا هذا، في أوروبا، هي تأقلمنا مع تراجعنا، ليس التراجع الخيالي نسبة إلى الولايات المتحدة، بل التراجع الحقيقي نسبة إلى دول الجنوب. وتحاول الطبقة الاميركية الحاكمة الحفاظ على هيمنتها بالقوة، لكن فشلها يزيد من تفاقم أزمة الإمبراطورية، في حين لا يزال يخيّل لليمين الأوروبي أن تقليد الولايات المتحدة قد يكون الحل لمشاكلنا. ويتجاهل اليسار الراديكالي عموماً مسألة التداعي هذه، ويدافع في الواقع، في ما وراء خطابيته، عن سياسات اشتراكية كلاسيكية، جعلت العولمة من تطبيقها مسألة صعبة». («لوموند ديبلوماتيك» - آب / أغسطس 2007).

الذين يتخوفون من هذا الانكباب الفرنسي على أميركا، لا يزعجهم الفعل فحسب، بل يزعجهم توقيته، وأبطاله الذين يؤدون الأدوار الرئيسة فيه!

هل ستقبل فرنسا الموعودة بإضرابات متوالية تُحركها النقابات الاشتراكية، بحلول رأسمالية يستعيرها ساركوزي من الحلم الأميركي؟ أم أن كوابيس حرب العراق التي لوّثت الحلم الأميركي ستمنع فرنسا الاشتراكية من الترسمل، وربما التأمرك؟

سنستمع إلى الرأي الفرنسي «المعتّق»، بعد انقضائه من وجبة الجبن والخبز والنبيذ!

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)