حسب مصادر فرنسية مطلعة فإن الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان ليس محترف مفاوضات صعبة، لكنه يحتل أيضا مرتبة متقدمة في سلم المقربين للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فهو يأتي إلى دمشق وبيروت دون "عواصف إعلامية" فهو إن صح تسميته من "رجال الظل" لكنه رأيه يظهر دائما في خلفية تصريحا الرئيس الفرنسي.

هذا هو كلود غيان الذي يزور سورية للمرة الثانية في ظل الأزمة اللبنانية، ولكن هذه الزيارة أعقبها اتصال هاتفي من ساركوزي للرئيس الأسد، فهل الاتفاق في لبنان أصبح في مرحلة الولادة الحرجة؟!

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن المبادرة الفرنسية التي بدأت بـ"مباركة" أوروبية وأمريكية لها أيضا حدودها في الخارطة الإقليمية، ورغم أن فرنسا رتبت لها جيدا، فجعلت دخولها إلى دمشق من بوابة "الأزمة اللبنانية" لكن قراءة التجربة في لبنان توضح أن هناك عوامل تنفجر فجأة، أو أن تداخل المصالح يصل إلى نقطة تنفجر فيها الأوضاع بشكل كامل، لكن الواضح أن إرسال كلود غيان إلى سورية هو مؤشر على:

 أن المبادرة الفرنسية من بدايتها عبر زيارة جان كلود كوسران كان تعرف أن هناك أطراف متعددة يجب التعامل معها، وعدم الاكتفاء بالاستراتيجية الأمريكية التي وصلت لذروة الصدام في مرحلة حرب تموز.

 تعمل المبادرة الفرنسية على الاستفادة من المجال السياسي الذي تريده الولايات المتحدة للتوافق حول مؤتمر أنابوليس وتجيير هذه "الليونة" إن صح التعبير لتطرق أبوابا ترفض الولايات المتحدة طرقها عادة مثل دمشق وطهران وأطراف المعارضة اللبنانية.

 المباردة الفرنسية لا تعتبر أن اللاعب الأمريكي أصبح في المرتبة الثانية، لكنها في المقابل تسهل مهمته من خلال الموضوع اللبناني من أجل الدخول إلى مؤتمر أنابوليس، فأزمات المنطقة متراكبة، ولا يمكن النظر إليها بشكل متفرق، فكل ما حدث هو تداعيات للاستراتيجية الأمريكية.

المهم أن العلاقات الفرنسية – السورية لم تعد إلى سابق عهدها، لكنها تبدو اليوم أن عند حدود التفاهمات المتعلقة بالأزمات، فحتى لو لم تصل المبادرة الفرنسية إلى حلول نهائية إلا أن ذهابها دمشق لم يعد معضلة رغم الموقف الأمريكي من السياسة السورية، ويبدو أن الإليزية يتعامل مع هذا الموضوع على أساس مواجهة الأزمة التي خلفتها سياسة "الكسر الديبلوماسي" التي نجمت عن احتلال العراق، حيث سبقها انقسام دولي حاد، ثم مجاراة للواقع الذي خلفته الحرب، وفي النهاية كانت كل دول المنطقة خاضعة لـ"قانون طوارئ أمريكي" يحمل معه عقوبات سريعة، دون أي تفكير بأن الديبلوماسية هي غاية الحروب.

بين سورية وفرنسا اليوم تداول واضح إن لم نقل تفاهما إقليميا حول لبنان، ولكن في نفس الوقت فإن مثل هذا الحوار ليس بعيدا عن "أنابوليس" لأن الحوار مع دمشق متعدد الأطراف ومتشابك في القضايا، ولكن المهم اليوم أن "الحوار السياسي" يغلب على لهجة "الوعيد" و "التهديد" التي حملها يوما وزير الخارجية الفرنسي "برنار كوشنير"، وكان سبقه إليها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس.