علينا توقع "فجوة" لكنها هذه المرة في النظرة إلى التعليم، فالمقارنة التي يمكن أن ننظر إليها بين التعليم الخاص والعام ربما توصلنا إلى ذهول في التشابه أكثر من الافتراق، فصحيح أن المؤسسات التربوية الخاصة التي ظهرت منذ عدة سنوات حاولت استيفاء بعض الشروط، لكننا على ما يبدو مازلنا نقف عند عتبة واحدة في مسألة "سياسات التعليم".

حجم الإنفاق على مؤسسات التعليم الخاص أوجد مدارس "فارهة" إن صح التعليم، لكنه في المقابل فصل هذه المؤسسة عن محيطها الجغرافي، بينما كانت عملية الفصل الثانية مختصة بالطالب الذي وجد نفسه أمام "ثلاث لغات" ومنهجين تعليميين.... فهل يحق لنا أن نسأل عن هذه السياسة الجديدة في التعليم؟!

ربما يعتقد البعض أن فجوة العلم يمكن ردمها بكم المعلومات أو باستيراد مناهج أجنبية مجربة، لكن هذه الفجوة مرتبطة أكثر بأساليب التعليم وربما بنحضير الكادر، وهي في النهاية إذا لم تخضع لاستراتيجية موحدة فإنها ستصبح نوعا من المعراف المتناثرة التي يمكن تحصيلها من شبكة الإنترنيت وليس من "المدرسة".

أزمة المدرسة هي أنها انفصلت عن المهمة التي أرادها الرواد منذ "طاهر الجزائري" الذي أنشأ أول مدرسة نظامية في سورية، وفي تلك الحقبة (أواخر القرن التاسع عشر) كان هناك الكتاب، لكن والي دمشق "مدحت باشا" كان يقوم بإصلاحات واضحة من أجل "تحديث الدولة" وفق مفهوم "الإصلاحات العثمانية"... المدارس بعد ذلك خضعت لاعتبار التقليات السياسية التي مرت على سورية، ولكن الدور الذي قامت به حتى مرحلة الاستقلال كان يخضع أيضا لاعتبارات بناء الدولة وفق مفهوم "الانتداب".

بالطبع كان هناك مفهوم "المدرسة الوطنية" التي لعبت بعد الاستقلال دورا أوضح في مواجهة المراحل الصعبة، وربما كان يكفي إضراب "التجهيز الأولى" لإسقاط الحكومة، وحتى في المراحل المتقدمة منذ عام 1963 فإن المدرسة شكل استراتيجية بالنسبة لسورية، فمجانية التعليم لم تكن إجراء من فراغ.

ربما علينا تذكر أول صيحة خرجت بعد أن فاجئ الاتحاد السوفياتي السابق الولايات المتحدة بإرسال قمره الصناعية إلى الفضاء كانت "الأمة في خطر"... وفي نهاية هذا التحذير وصلت السياسات الأمريكية إلى أن السبب هو في "نظام التعليم". صيحة "الأمة في خطر" طورت علما أساسيا مرتبطا بتأهيل "المعلمين" أو البيدغوجيا.

بالطبع فإن دولة مثل الولايات المتحدة كانت تدرك أن بناءها القومي ظهر على أساس المدرسة التي أعادت صياغة شخصية المجتمع القادم من جهات الأرض الأربع. لكن التعليم بهذا المفهوم لم يقتصر يوما على دولة محددة، لأننا ندرك أيضا أننا ومنذ بداية "النهضة" أصبحت المدرسة مرجعية معرفية للمجتمع وليس فقط نقطة التقاء لتجميع المعارف.