يذهب العرب إلى أنابوليس بلا أوهام. تساورهم شكوك عميقة تبررها التجارب السابقة. يرفقون توقعاتهم بقدر غير قليل من التحفظ بفعل السلوك الإسرائيلي. يعرفون أن المشهد الحالي مختلف عما كان عليه عشية انعقاد مؤتمر مدريد. مختلف دولياً واقليمياً وعربياً أيضاً. يعرفون أن ايهود أولمرت ليس اسحق رابين. لا ينتمي إلى جيل الجنرالات المؤسسين. الجنرالات الذين عادوا بانتصارات تعطيهم حق تقديم تنازلات مع طمأنة المؤسسة العسكرية والأمنية. اسم أولمرت مرتبط في الشق العسكري من النزاع بفشله في العدوان الذي استهدف لبنان.

يذهب العرب بلا أوهام. يعرفون أن إسرائيل تريد التفاوض من دون أن تكون جاهزة لدفع ثمن الحل. ويدركون أن المفاوض الإسرائيلي سيطالب السلطة الفلسطينية بما لا تستطيع تقديمه. وأن المفاوض الإسرائيلي قد يعود الى التلاعب بتسابق المسارات لخلط أوراق اللعبة. يعرفون أن حكومة أولمرت لا تملك تفويضاً طازجاً وواسعاً. وان مناخات الانتخابات الأميركية قد انطلقت. وان حكومة إسرائيل قد تفضل تقديم الهدايا للإدارة الأميركية الجديدة لتتولى هذه بدورها تقديم الضمانات.

يعرف العرب أن اللاعبين المباشرين الثلاثة في أنابوليس هم في وضع لا يحسدون عليه. أولمرت نجا من ملف التقصير في الحرب لكنه اصيب بجروح. ومحمود عباس يذهب الى المؤتمر فيما تقيم غزة في ظل «جمهورية حماس» التي تتعامل مع أنابوليس بلهجة إيرانية. وجورج بوش الذي يتعين عليه ان يخوض يومياً، علاوة على حروبه في الخارج، حرباً ضد الغالبية الديموقراطية في الكونغرس.

ويعرف العرب أيضاً أنهم الطرف الأضعف في معادلة الإقليم. إسرائيل تزعم استعادة قدرتها على الردع بعد تآكلها في الحرب على لبنان. تقدم الغارة على هدف في سورية كدليل يدعم ادعاءاتها. القوة الإيرانية الصاعدة نجحت في التذكير بقدرتها على تهديد أمن النفط وأمن اسرائيل معاً. حجزت لنفسها أوراقاً داخل الأرض العربية تمتد من بغداد إلى غزة مروراً ببيروت. تركيا نجحت في تقديم نفسها قوة استقرار في الاقليم. تنقل الرسائل بين سورية وإسرائيل وتلعب دور الترجمان جامعة بين جيش علماني وحكومة تسترشد بإسلام معتدل من دون أن تتخلى عن القبعة الأطلسية.

الظلم الإسرائيلي والانحياز الأميركي والضعف العربي عناصر وفرت أرضية خصبة لإنجاب المتشددين الذين ينفجرون بعواصم بلدانهم وبعيداً عن خط الاشتباك العربي - الإسرائيلي. العناصر نفسها مكّنت إيران ما بعد الثورة من انتزاع ما يشبه حق التحدث باسم الفلسطينيين أو جزء منهم. صار «يوم القدس» مناسبة إيرانية بامتياز. انتزعت إيران لنفسها حق ممارسة الفيتو على الخيارات الفلسطينية والعربية في إدارة النزاع أو السعي لإنهائه.

في هذه الحال العربية لم يعد الانتظار أفضل مستشار. صار الانتظار مرادفاً لمزيد من التآكل والتطرف وزعزعة الاستقرار.

اعتقد العرب أن التحرك أفضل من الانتظار. أقل خطورة على رغم الطبيعة الشائكة للنزاع والطبيعة العدوانية للكيان الإسرائيلي ونهج حكوماته. قاعدة هذا التحرك العربي الجماعي مبادرة السلام العربية بمعنى اعتماد خيار التفاوض بحثاً عن السلام الشامل والعادل. في المشاركة العربية في أنابوليس نوع من استعادة العرب ملفاً يعود اليهم اصلاً ويعني حقوقهم ووجودهم وأمنهم واستقرارهم.

مشاركة سورية في المؤتمر خطوة بالغة الدلالات. إنها رسالة تفيد أن سورية وعلى رغم شكوكها لن تتأخر في الحضور إذا توافرت الجدية اللازمة. وتفيد ايضاً أن سورية وعلى رغم علاقاتها العميقة مع إيران قادرة على اتخاذ أي قرار ترى فيه مصلحة وطنية لها سواء تعلق الأمر بخرق جدار العزلة أم التقدم لاستعادة الجولان عبر التفاوض مع ما يمكن ان يقتضيه ذلك. وتفيد الرسالة ايضاً أن سورية ربما تكون مستعدة إذا توافر الموقف الأميركي المتوازن لتقديم الدليل على قدرتها على التحول من قوة عرقلة في الاقليم الى قوة مساعدة على انضاج الحلول عراقياً ولبنانياً وفلسطينياً. وهنا يمكن فهم قلق إيران وبعض المنظمات التي تشاطرها قراءتها لأبعاد النزاع وسبل انهائه. طبعاً مع الالتفات هنا الى خطورة توقع انقلابات كبيرة أو سريعة في الحسابات والمواقف والتحالفات.

إنه موعد بلا أوهام. كل تنازل في غياب السلام الحقيقي والشامل سيعتبر تفريطاً بالثوابت. لا الإسرائيلي يبدو جاهزاً لتنازلات كبرى ولا العرب في وارد تقديم هدايا من هذا النوع. ولعل أهم ما يمكن ان يقدمه اللقاء هو ان يكون مجرد بداية لإيقاظ قرار التفاوض مع التذكير بضوابط البحث عن السلام الشامل وتهدئة جبهة مشتعلة في هذا الشرق الأوسط الغني بالحرائق المضطرمة والخلايا النائمة والمواعيد المضروبة مع نزاعات جديدة.

إنه موعد بلا أوهام. بعض المشاهد فيه غير مسبوق. لنجاحه نتائج وأثمان. لفشله دوي لن يتأخر.