رهف مهنا

ينشر بالتعاون مع أبيض وأسود
28/11/2007

لا يخفى على أحد أن المرحلة السياسية الحالية تمر باحتمال كبير في تشكيل نظام حزبي جديد يمكن أن ينظم عمل الأحزاب ويعطيها دورها الفعال على أرض الواقع، ولكن مع ذلك يبقى لدى أغلب الأشخاص فكرة الخوف من الانتماء إلى حزب ما أو اعتناق مفاهيم هذا الحزب أو ذاك ، إضافة إلى الخوف من تبعات هذا الانتماء ، ذلك الخوف الذي يأتي من غياب التشريع لتعمل الأحزاب بحرية، لذلك على النظام الحزبي الجديد أن يأتي بقانون يتيح للأحزاب حرية العمل الحزبي وتبعد عن الجميع الخوف من هذا الالتزام .

"سوريا الغد" استطلعت بعض الآراء عند الناس حول إمكانية الانتماء إلى الأحزاب في المرحلة القادمة والأسباب التي تمنع هذا الانتماء.

نبيل طبيب الأطفال والمتزوج منذ خمس سنوات والذي أبعدته حياته المهنية عن الانتساب إلى أي حزب يعتقد أن تجربة جميع شعوب الأرض أكدت أن التعددية هي أساس النهوض وأن الرأي الصواب هو القادر على صناعة الحضارة ، وهذا الرأي لا يمكن أن يقود المجتمع إلا من خلال الحياة الديمقراطية التي تمتلك التعددية الحزبية وأكدت التجارب المقابلة ( الديكتاتورية ) أنها هي السبب الأساسي في التخلف والتراجع وسيادة النظريات الدينية لكن التعددية السياسية ليست بحاجة إلى قرار سياسي فقط بل هي بحاجة إلى مرحلة انقلابية فكرية، فأنا لا أستطيع أن أشكل عدد من الأحزاب في يوم وليلة بل أنا بحاجة إلى تعزيز مفهوم التعددية وصياغة الحزب عند الجماهير.

ويضيف : في المجتمعات المحلية في سورية أم غيرها من الشعوب هي بحاجة إلى التعددية الحزبية لكنها غير واعية لتطبيقها بشكل أمثل.

وفيما يخص الانتماء إلى حزب في المرحلة المقبلة يقول نبيل : بالنسبة لي إذا كان هناك تعددية في المرحلة الراهنة لن أنتمي إلى أي حزب لأني لست واثق بالمفاهيم التي ستطرح وبالوعي السياسي الراهن فمن المؤسف أن تجاربنا تعتمد على الأرضيات الخارجية فأنا لا أريد يساراً اشتراكي ولا يمين غربي ولا ليبرالية أوربية ولا تجربة آسيوية ، أريد شيئاً وليد الثقافة المحلية وهذا من الصعب أن نجده ضمن مجتمعات عانت من الديكتاتورية مئات السنين.

ولكن في حال مضى على حزب معين فترة وأقنعني بصيغة النظرية القائم عليها وبأن نظريته هي خلاص اجتماعي واقتصادي من الممكن أن أنضم إليها.

أما عن الأحزاب الدينية فيشير : أنا ضد أي وجود لها لأنها قائمة على نظريات وضعها الإنسان في مرحلة تاريخية سابقة، إضافة إلى أن الحزب الديني غالباً ما يقوم بنشاطات لا اجتماعية أي أن باستطاعته أن يحلل ويحرم وفق الشريعة ومن الممكن أن يخرج عن المنطق.

وإن المنظمات الدينية الراهنة هي إحدى نتائج الثقافات القديمة فلو شهدت المنطقة تعددية سياسية لما رأينا امتداد كبير في الأحزاب الدينية لكن المضايقات تؤدي إلى التمسك بالنظرية الدينية والعودة إلى الشرائع وهذا يأتي نتيجة للفقر والعلاقات الاجتماعية وغياب المثقف.

بالنسبة لعماد مخبري الأسنان فالأمر مختلف عن نبيل فإن الأمر لا يتوقف عند عدم الثقة ولكن أيضا مفهوم الحياة تغير وطريقة عيش التنظيم قد تبدل بشكل كبير ، فقد ارتبطت الأحزاب في الوقت الحاضر بالحياة المعاصرة ، ويقول عماد في هذا الأمر: الانتساب في أي حزب في المرحلة الحالية هو نوع من الالتزام بهذا الحزب فلا يكفي أن يكون لدي ورقة انتساب لهذا الحزب أو ذاك بل لابد أن يكون لدي نشاط معه وآراء فيه ويكون هناك تبادل بيني وبين الحزب.

ويتابع عماد " بالنسبة لي فأنا لم يكن لدي انتماء حزبي لأنه لم يكن هناك إعلام حزبي أي لم يكن لكل حزب برنامجه الحزبي لكي يعرفنا عنه وأي أمر لا يعرفه الناس يخاف منه ويبتعد عنه، والخوف هنا بمعنى الجهل.

أما عن المرحلة القادمة يؤكد عماد أن الالتزام بأي نظام حزبي قد أصبح بحاجة إلى تفرغ ووقت بحيث تسمح طبيعة عمل الإنسان إلى ذلك وهذا الأمر الغير متوفر في عمله الحالي .

ولكن عماد لم يستعبد تماماً خلال حديث الرغبة في الانتماء إلى حزب معين ولو بالأفكار فقط حيث قال : إذا سمعنا في الوقت الحالي بحزب وبنظام ينظم هذا الحزب وعلمنا ببرنامجه الحزبي ووجدت أنه يلامس أفكاري لا يمكن أن أعتبر نفسي منتسباً بل متعاطف معه لأن أفكاره تعجبني ، ولكن بشرط أن يكون هذا الحزب علماني وغير تابع لدين معين وأن يراعي مصلحة البلد ويهتم بها ، حيث لا يمكننا أن ننكر أن تنظيم الأحزاب سيلعب دوراً في المرحلة القادمة ولن يبقى هناك هيمنة من طرف حزب واحد فقط .

بالنسبة لعماد أمر الالتزام يتعلق بارتباط الحزب بالحياة العملية المعاصرة فلم تعد الفكرة الحزبية أمر مفصول عن الحياة التي نعيشها بل تتماشى معها وتعبر عنها ولكن هناك من يرى أن بضرورة التطابق بين النظرية التي يتبعها أي حزب والتطبيق العملي لها في الحياة وهذا الأمر يشجع المنتسب على رؤية تطبيق ما يؤمن به ، هذا ما أكده حسام صديق عماد وشريكه في نفس العمل وصديق طفولة حيث قال: كنت عضو سابق في حزب البعث وكنت من أشد المعجبين بمبادئه ولكن طريقة تطبيقه التي أعتبرها سيئة أدت إلى تغير موقفي منه مما أدى في النهاية إلى انقطاعي تماماً عن اجتماعاته ونشاطاته.

وعن المرحلة القادمة يقول حسام : نظرياً يمكن أن تنظم الأحزاب ولكن على أرض الواقع أظن أن التجربة لن تنجح لأن الأحزاب لن تستطيع أن تأخذ دورها الفاعل إلا إلا بإعطائها الشرعية المناسبة لها لتؤدي دورها.

ربما الحديث عن الملاحقة أمر سهل يمكن لأي منا أن يتحدث عنه ولكن أن تعيشه ويكون الشخص الملاحق هو أقرب الناس إليك ذلك الأمر الصعب حيث لا يكون الموضوع هنا مجرد حديث أو قصة بل أمر آخر تماماً ، لذلك حينها يمكن لأي موقف تتخذه أن يكون بسيطاً ربما البعض يكافح وينخرط لكي ينتقم والبعض الآخر يعيش حياته خائفاً وبعيداً عن أي شيء يذكره بالماضي.

ذلك ما عاشته سلوى التي لم تكن من أعضاء أي حزب يوماً ولم تخض تجربة التحزب في أي مكان ، كان لها في والدها الذي كان عضواً في حزب قديم وملاحق لفترة طويلة ومسجون لعدة سنوات تجربة مرة ، ولذلك هي عانت ورأت بأم عينها كيف يكون العذاب في حياة العائلة التي يعاني معيلها من المضايقات الدائمة بحيث يحرم الأطفال لفترة طويلة من حنانه وعطفه ، لذلك سلوى ووفقاً لتجربتها تعتبر بأن دخولها إلى أي حزب الآن بعد أصبحت في الخامسة والعشرين من عمرها أمراً صعباً ومستحيلاً ،حيث تقول : "حتى ولو نظمت الأحزاب وكان لها الترخيص وحرية النشاط السياسي أنا سأبقى بعيدة عن كل ذلك لأني عانيت كثيراً ولن أحاول أن أكرر ما عاناه أبي أو ما عانته أسرتي ، ثم أنا ليس لدي هذه الميول الحزبية أو السياسية أفضل أن أبقى في الحياد وأكون بذلك قد سلمت من أي متاعب بحيث أعيش حياتي بهناء وأمان".

التجربة الحزبية المرة لأحد أفراد الأسرة تشكل عاملا أساسياً في اتخاذ موقف إيجابي أو سلبي ولكن هناك من لم يعاني من هذه التجربة إلا بعيداً جداً عن حياته وأسرته ويرغب في البقاء محايداً باحثاً عن خلاصه الشخصي مهتماً بمستقبله غير عابئاً بأمر المجتمع أو خلاصه ، ففادي طبيب الأسنان الذي لم يشارك يوماً في أي نشاط حزبي ولكنه قد رأى تجربة الحزب في السنوات الماضية في حياة بعض أقاربه أي أعمامه وأخواله الذين كان لهم نشاط حزبي كبير ورأى كم عانوا وكم لوحقوا، حتى أنه يذكر في فترة من الفترات عندما أخذ أكثر شباب قريته الذين كان لهم تلك النشاطات السياسية وإلى الآن ما يزال بعض منهم لا يعرف عن أخبارهم شيء وبعضهم عاد وتابع حياته الطبيعية.

ويضيف فادي " أن الفترة الماضية كان لحزب البعث هيمنة واضحة على جميع الأحزاب وربما رأى بعض الأشخاص أن ذلك أفضل أن يكون هناك حزب واحد ينظم كل العملية السياسية، ولكن أنا برأي أن الحزب ما دام مهيمن فلن يكون هناك تجربة حزبية ناجحة وأنا شخصياً لا أثق بأي حزب إضافة إلى عدم جدوى التحزب لأن الأحزاب لم تثبت وجودها على الأرض ولم تسعى لتحسن الحياة العامة.

ويشير فادي بأنه حتى ولو نظمت الأحزاب فهو سيبقى بعيد ، حيث يقول: الآن أنا طبيب ولدي حياتي ومهنتي ومستقبلي وأنا لست مستعد أن أضع ثقتي وحياتي في تجربة يمكن أن تنجح أو تفشل ، ويمكن أن يأتني من ورائها الكثير من الهموم والمشاكل كما في السابق لذلك أفضل البقاء بعيداً ".

عندما تخبو الرغبة بالانتماء السياسي وتظهر النواحي السلبية للأحزاب على الصعيد الاجتماعي والسياسي والحياتي تطفو على السطح التحركات إلى تشكيل أحزاب اجتماعية والبدء بممارسات تخص العمل الإنساني أو الديني أو الخيري كبديل للعمل السياسي أو الحزبي ، وفي تجربة نسرين المتخرجة من كلية الصيدلية والمتدربة في إحدى الصيدليات والتي هي بدورها ولصغر سنها وتجربتها بعيدة عن النشاطات الحزبية أو السياسية أيضاً، ولكنها تقول في هذا المجال : برأي وحسب إطلاعي البسيط إن تجربة سورية في الأحزاب جديدة ونحن كجيل جديد ليس لدينا الثقافة الحزبية أو الوعي السياسي لمبادئ كل حزب ، ففي الماضي كنت منتمية لحزب البعث وكانت تعجبني مبادئه ولكن فيما بعد تركت الحزب لأني لم أعد متفرغة إضافة إلى انتسابي إلى جمعيات ومنظمات أهلية ، وفي هذا المجال يمكنني أن أقول أن تجربتنا في المجال الأهلي أيضاً جديدة ولكن ما يميزها عن المجال السياسي هي أن مفهومها الأساسي التطوع والخدمة وليس مفهوم عقائدي كالحزب السياسي وذلك يريح الإنسان ويعطيه مجال أكبر للخدمة والانتماء إلى مفهوم هذه المنظمة أو تلك الجمعية بعيداً عن الخوف مما قد يجر علي إيماني بأفكارهم من متاعب.

فيما يخص المستقبل أكدت نسرين : في المرحلة الراهنة إذا نظمت الأحزاب لا أظن أنني سأنتسب إلى أي منها ولكن بعد فترة يمكن أن تكون مدتها مثلاً الخمس سنوات أو أكثر وبعد أن نرى تجربة هذه الأحزاب على أرض الواقع وإذا أعجبني مبادئ حزب من الأحزاب يمكن أن أنتسب وبكل بساطة إلى أحد منهم ولكن ليس الآن أبداً.

في النهاية :

الفكرة الحزبية والانتماء الحزبي في المستقبل مرتبطة بشكل كبير بآلية العمل التي ستنتهجها هذه الأحزاب إذا نظمت والمساحات التي سوف تعطى لها والدور الذي ستقوم به في الحياة العملية ، وعلى هذا الأساس تتحدد كيفية الانتماء أو الالتزام.