لا يفوت نائب رئيس الوزراء ووزير التهديدات الاستراتيجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان أي مناسبة دون تذكير سامعيه أن مواقف حزب " اسرائيل بيتنا " اليميني المتطرف الذي يرأسه باتت تمثل مركز الإجماع " الوطني " في إسرائيل. ولا يخفي ليبرمان شعوره بالإرتياح لأن المزيد من الأحزاب والحركات السياسية في إسرائيل باتت تتبنى موقف حزبه الداعي الى تطبيق فكرة تبادل الأراضي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، والتي بموجبها يفترض أن توافق القيادة الفلسطينية على أن تقوم إسرائيل بضم التجمعات الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، مقابل ضم بعض التجمعات السكانية في إسرائيل التي يقطنها فلسطينيون الى الدولة الفلسطينية. ليبرمان أوضح بشكل واضح أن اسرائيل من خلال طرح هذه الفكرة تحقق هدفين استراتيجيين، وهما: التخلص من الثقل الديموغرافي للفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي نفس الوقت تنتزع موافقة القيادة الفلسطينية على ضم التجمعات الإستيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل. وكما أوضح ليبرمان، فأن ما يقترح ليس خطة سلام، بل خطة أمن، فهو معني باقامة الدولة الفلسطينية بشرط أن تساهم في حل مشكلة إسرائيل الديموغرافية، حيث أنه يخشى أن تتحول إسرائيل الى دولة " ثنائية القومية " في حال ظلت الزيادة الطبيعية للفلسطينيين داخل إسرائيل على وتيرتها العالية حالياً. المزيد من الأحزاب والقوى السياسية باتت متحمسة لفكرة تبادل الأراضي، سواءاً كانت محسوبة على اليمين أو على اليسار. فإفرايم سنيه، من قادة حزب العمل ونائب وزير الدفاع الاسرائيلي السابق يرى أن تبادل الأراضي هو الحل الأمثل لضمان " بقاء إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية ". وحتى وزيرة الخارجية الإسرائيلي تسيفي ألمحت في اكثر من مناسبة الى تحمسها للفكرة.

كيف ولدت الفكرة؟

وولدت فكرة تبادل الأراضي اثناء مؤتمر " كامب ديفيد " الثاني أواخر العام 1999، حيث اقترح الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في حينه أن يتم ابقاء التجمعات الاستيطانية اليهودية تحت السيادة الاسرائيلية مقابل ضم جزء من أراضي منطقة " حلوسه " الإسرائيلية والخالية من السكان لقطاع غزة. لكن هذا الاقتراح رفض من قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وعشية التوجه لمؤتمر أنابوليس زادت وتيرة الحديث عن فكرة تبادل الأراضي، بحيث أصبحت عنصراً أساسياً من كل المقترحات التي تقدمت بها المسؤولون الإسرائيليون، لكن أحداً في إسرائيل لم يعد يقترح أن يتم تسليم الفلسطينيين منطقة " حلوسه "، ولا يعرضون إلا بعض المناطق التي يقطنها الفلسطينيون في إسرائل لمقايضتها بالتجمعات الاستيطانية. وتلقى الفكرة تأييداً عارماً في أوساط الباحثين والنخب العسكرية داخل في تل ابيب. البرفسور جدعون بيغر، استاذ الجغرافيا في جامعة تل أبيب يقول أن فكرة تبادل الأراضي وحدها القادرة على ضمان الأغلبية اليهودية وفي نفس الوقت زيادة مساحة الاستيطان اليهودي. بيرغير يقول أن تبادل الأراضي بين اسرائيل والدولة الفلسطينية يعني أن تتخلص إسرائيل من 200 الف فلسطيني يعيشون داخلها.

التخلص من رائد صلاح

لكن الذي يدقق في خارطة المناطق التي تبدي اسرائيل استعداداً للتنازل عنها للسلطة الفلسطينية مقابل التجمعات الاستيطانية، يلحظ أنها تشمل مدينة " أم الفحم " ومجموعة من البلدات والقرى التي تحيط بها، وهذه المدينة تعتبر معقل الحركة الإسلامية في إسرائيل بقيادة الشيخ رائد صلاح، وهي الحركة التي أجمعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على أنها تشكل مصدر " خطر إستراتيجي " على إسرائيل، على اعتبار أنها حركة دينية مسيسة، والأكثر تشدداً في رفض "الدولة اليهودية" والدعوة إلى مقاطعة "مؤسساتها السياسية"، وفي الدفاع عن المسجد الأقصى، ودعم فلسطينيي الضفة والقطاع في نضالهم ضد الاحتلال.

من ناحية ثانية، فأن فكرة تبادل الأراضي تنسجم تماماً مع مطالبة إسرائيل للسلطة الفلسطينية بضرورة الإعتراف بها كدولة يهودية. وكما قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود براك، فأن هذا الإعتراف يعني أن السلطة الفلسطينية تقر بأن حل الصراع يجب أن يضمن بقاء اليهود كأغلبية داخل إسرائيل، وهذا يلزم السلطة بالتنازل عن تنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين للمناطق التي هجروا منها، الى جانب ضرورة تقليص الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل نفسها.

موقف السلطة يثير الشبهات

لكن إزاء الحماس الذي يبديه المسؤولون والنخب في إسرائيل لفكرة تبادل الأراضي، فما هو موقف السلطة الفلسطينية؟ الموقف الفلسطيني ضبابياً وأحياناً متناقضاً بشأن هذه القضية. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض أحمد قريع أعلنا أنهما يرفضان فكرة تبادل الأراضي. لكن المسؤولين الإسرائيليين الذين يجرون اتصالات مع ممثلي السلطة يؤكدون أن السلطة أبدت موافقة مبدأية على الفكرة. وكشفت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي بتاريخ 22-11-2007 النقاب أنه خلال المباحثات التي اجراها الوفدان الفلسطيني والإسرائيلية عشية الذهاب لمؤتمر " أنابوليس "، تم الاتفاق على أن فكرة تبادل الأراضي بين الجانبين يجب أن تكون جزءاً من الحل الدائم للصراع. واضافت القناة أن التفاهم بين الجانبين بشأن الدولة الفلسطينية، تضمن فقرة تنص على " تقام دولة فلسطينية غير مسلحة، وتكون حدودها كما تحددها خرائط سنة 1967، ويجري الاتفاق على حدودها بدقة بناء على الاحتياجات الأمنية والتطورات الديموغرافية والمستلزمات الإنسانية، مما سيفتح الباب أمام تبادل للأراضي بنسبة 1:1 مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية بيد إسرائيل".

فلسطينيو 48: من يقايضنا بالمستوطنين ؟

ماذا عن رأي قادة الفلسطينيين داخل إسرائيل بشأن فكرة تبادل الأراضي التي سيكونون هم ضحاياها الأساسيين. عضو الكنيست الإسرائيلي عن التجمع العربي الدكتور جمال زحالقة يعتير أن إصرار المسؤولين الإسرائيليين على طرح هذه الفكرة يأتي بهدف إضعاف الأقلية الفلسطينية في إسرائيل والقضاء على دورها السياسي وتهميش تأثيرها على دائرة صنع القرار في تل ابيب. " لا يمكننا أن نقبل هذه الصفقة مطلقاً، هل يمكننا أن نقبل مقايضة مدينة القدس بمدينة أم الفحم "، قال ل " ويكلي ". واضاف أنه إذا كانوا مصرين على هذه الفكرة فلتكن على أساسي العودة الى حدود العام 1947، والتي تعني أن تنسحب إسرائيل من مساحات شاسعة في منطقة الجليل والمثلث وضمها للدولة الفلسطينية. وديع عوواده، كبير محرري موقع " عرب 48 " الذي يهتم بتغطية التطورات لدى الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل، يقول أنه يرفض مبدأ المساواة بينه كمواطن فلسطيني يعيش داخل اسرائيل وبين المستوطنين. " نحن أصحاب الأرض، نحن ولدنا على ارضنا وترعرنا عليها، أن مجرد طرح هذا الطلب يدلل على عنصرية إسرائيل، فهي مستعدة لنزع المواطنة عنا كعرب لمجرد أن تضفي شرعية على ضم المستوطنين الغاصبين "، قال ل " ويكلي ". ويشير العووادة الى نقطة بالغة الأهمية وهي أن اسرائيل تقترح فقط نقل الأراضي التي يتواجد عليها المواطنون الفلسطينيون، دون نقل الأراضي الزراعية التي يملكونها، أو الأراضي التي سبق لسلطات الاحتلال أن قامت بمصادرتها. ويتساءل العواوده " وماذا عن الأواصر الاجتماعية بين الناس هنا، فعندما يريدون الحاق مدينة أم الفحم بالدولة الفلسطينية، فكيف سيتم التواصل بين المواطنين في هذه المدينة واقاربهم في المدن والتجمعات السكانية الاخرى الذين ظلوا في اسرائيل ".

عبد الحكم مفيد، الأكاديمي والباحث الفلسطيني الذي يقطن مدينة " أم الفحم " يقول أنه من حيث المبدأ لا يعارض أن يعيش تحت حكم الدولة الفلسطينية أو أي حكم عربي، لكنه ينوه في المقابل الى أن الإسرائيليين يريدون التخلص من الثقل الديموغرافي الذي تشكله الأقلية الفلسطينية. " منذ أن شرعت الحركة الصهيونية في تنفيذ مشروعها الإستيطاني، احتكمت الى قاعدة تقول أنه يتوجب الإستيلاء على أكبر من مساحة من الأرض وعلى أقل عدد من العرب، وهذه القاعدة التي تدفع القيادة الإسرائيلية لطرح فكرة تبادل الأراضي "، قال ل " ويكلي ".

و لا خلاف بين مفيد والعوواده وزحالقة على أن السلطة الفلسطينية مسؤولة الى حد كبير عن جرأة اسرائيل على طرح هذه الفكرة التي يصفونها ب " العنصرية ". " رغم تطمينات أبو مازن بشأن رفض الفكرة، إلا أنني اسمع أصواتاً اخرى داخل السلطة تؤيد الفكرة "، قال زحالقة. أما عوواده ومفيد فيريان أن السلطة الفلسطينية تعتبر " شريك كامل " لإسرائيل في محاولاتها التنكر للحقوق الفلسطينية.

اعتراف اسرائيلي

شالوم ديختر، مدير عام جمعية " سيكوي "، وهي جمعية تعنى بالحوار بين اليهود والفلسطينيين داخل إسرائيل يعتبر إن فكرة تبادل الاراضي وتضمينها في حل الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل ستعمل على تدمير العلاقة بين إسرائيل والأقلية الفلسطينية التي تعيش داخلها. " هذا سيؤدي الى تحويل حلم السلام السياسي الى كابوس مدني ". ويحذر ديختر من أن مجرد بأنه لا حاجة لانتهاج المساواة الكاملة في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. ويضيف " مجرد اصرار المسؤولين الإسرائيليين على اطلاق افكار من هذا القبيل، للتخلص من المواطنين الفلسطينيين بسبب انتمائهم العرقي، يطرح الشك بشأن مدى فهم المسؤولين وراسمي الخطط السياسية في إسرائيل لجوهر مفهوم المواطنة، كحجر اساس انساني للدولة ".

قصارى القول إسرائيل تريد توظيف الدولة الفلسطينية العتيدة في حال قيامها في تنفيذ " ترانسفير ديموغرافي و جغرافي "، يتم خلاله التخلص من أكبر عدد من فلسطينيي 48.