اذا ما امعنا النظر في كل الوسائل التي تهتم بوضعنا داخل نظرية التلقي من حيث الحياد – التفاعل - الانفعال او المراكمة – ابتداءً من النكتة انتهاءً بالسينما نجد انها تقوم بتقديم خبرة انفعالية غير معاشة سابقا من خلال التخييل وقد يساهم هذا التخيل في خفض او رفع قدرتنا على ممارسة هذه الانفعالات عل شكل نشاط سلوكي مرهون بلحظة حدوثه وانتهائه غير المسؤول مع الحفاظ على الفروق الفردية في ممارسة هذا النشاط او ذاك فقد يكون ملتبسا بباعث تراكمي يفرزه اللاوعي, او تجريبياً من فرط الاهتمام والتأثر أو سلوكاً رادعاً يتميز بسمات اخلاقية واستنتاجية فكرية ملحقة بمنهجية اخلاقية دينية او ادبية .

ويمكن القول ان هذه الوسائل تبحث جيدا في امكانية تحقيق هذا التخيل بشكل يقارب الى حد بعيد رغباتنا الدفينة غير القابلة للتحقيق سلوكيا فتعمل على محاكاة البطولة والشجاعة وصناعة الخوارق والقدرة عل الخروج من الازمات – الانتقام –التسمك بالامل ..... الخ وقد تصل المحاكاة الى ملامسة رغباتنا وانفعالاتنا الاكثر عمقا والمقيدة بالتحريم الاجتماعي والاخلاقي أو حتى الامني وهنا تكون المفاجأة كبيرة وبالمقابل يصبح الاعتقاد والثقة بهذه الوسائل أكثر انتشاراً و ملائمة لكسر الرقابة والتحرر من مستوى الحياة اليومية , ويظهر هذا الامر في افلام مثل ( جيمس بوند) وأعمال (ميل غيبسون) في شرطة لوس انجلوس, اما النساء فيبدين تحفزاً اكبراً اتجاه الكوميديا الاجتماعية – والاعمال الدرامية المنزلية وليس هناك اسراف ان قلنا أن نجاح او فشل هذه الاعمال يعتمد بدرجة كبيرة في قدرة هذه الاعمال على محاكاة رغباتنا ولمس مخاوفنا لكن الاهم في ذلك هو المرحلة التي تلي الاستثارة الانفعالية فإذا اعتبرنا أن الاثار الناتجة عن الاستثارة الانفعالية تبقى حكراً على نتائج السلوك المرتقب فالخلاف هنا يرتبط بامرين , ودعونا هنا نأخذ ميزة انفعالية واحدة كي نحصر القصد من الاستثارة الانفعالية(( كالعنف)), الامر الاول ينتهي بالقول أن التعرض للعنف الخيالي يخفض من احتمالات ظهور العنف العضلي كسلوك عدواني في الحياة والامرالثاني يناقض القول ان العنف الموجود في وسائل الترفيه الفنية والاعلامية يعمل على زيادة السلوك العدواني في المجتمع.

التطهير الذي يروج له الامر الاول ممكن الحدوث, اذ يبدو ان معالجة ازماتنا الذاتية وانفعالتنا من خلال شخص اخر في فضاء خيالي يقوم بمواجهتها والتخلص منها امر قائم ومجرب خاصةً في الاعمال التراجيدية لكنه يشترط وجود قاعدة أو شريحة واعية تتسم بالذكاء الابداعي والخبرة في ممارسة احلام اليقظة وهي وحدها من تجعل من التطهير نتيجة ثابتة ثبات المحيط الحيوي الاجتماعي لشريحة ما : اقترنت سمات الخيال عندها بمستوى ذكائها .

اما الاثر المعاكس للتطهير الذي يظهر في نسق تصعيدي عبر مرحلتي التلقي والسلوك قد لا يشير الى العدوانية بقدر اشارات العنف الظاهرة عليه ويتخذ هذا العنف اما شكلاً عميقاً يمارسه الشخص على ذاته كمتعة الشعور بالالم والمعاناة أكثر ما يظهر هذا, في طبيعة العلاقات العاطفية : ( الحب العذري – الارث الرومنسي في الادب العربي والسينما المصرية التي تقصي الجنس عن هذه العلاقات , وهذا ما يحدث فجوة واسعة بعد حصوله بين الطرفين اذ تسقط بعدها الهالة القدسية التي تحيط بهما ) أو يكون هذا العنف موجها, كالجنوح نحو الشهرة بصرف النظر عن الطريقة ( اختطاف النجوم والشخصيات السياسية البارزة او جرائم القتل التسلسلية التي تتقصد وجود عبرة ما او رسالة وعظية من القتل كما في فيلم Seven ( براد بيت).

ويشترك مفهوم البطل في هذه الثنائية بطريقة حاسمة اذ تحدد مزايا البطل نوع التقليد وحجم الاستثارة الانفعالية وقابلية انتقالها الى مرحلة السلوك كما يشكل البطل هنا عامل رمزيا يستدرك الرغبات الشائعة لدى الناس في الطموح والانجاز وقهر الاعداء ومن جانب اخر يستجيب الى احتياج المجتمع الى رجال افذاذ يتمّون عملية القيادة والعدل والسلام , ولعل ارتباط البطولة بالرجال يؤكد على انها تخيلات ذكورية تعكس ظلالها على الانثى التي افتقدت هذه المكانة عبر مرحلة تاريخية خاصة بالتطور الانتاجي ووسائله , فظهر هذا البطل على حصان ابيض مشرق

مخلصاً الانثى من الكفاح والكدح الحياتي فيظل الجانب العنيف أو العدواني في هذا البطل مخبؤاً في الطرف الاخر من الصراع ونوعيته ودلالة خوض هذا الصراع مع العدو وصولاً الى الغاية أو النتيجة .

وعلى هذا يكون هاجس البطولة هو الدافع الضمني للعنف فالساعي الى البطولة يفترض نفسه دائماً في الطرف الايجابي ولا ينظر الى مبررات طرف الصراع المقابل, وكأن هناك حياتين وعالمين متضادين من الابطال والاعداء لكل منهما مبرراته ودوافعه .

بالنتيجة يبقى العنف اللابس بثوب الصراع هو هاجس البطولة الخفي , وما نشاهده اليوم من افلام كرتونية أو سينمائية يقودنا الى تفسير واحد ان مفهوم البطل انتقل من مرحلته الذكورية الى مرحلة انثوية عبر التوجه الشيّق والمثير والمرعب للدراما , كل ما نراه اليوم من افلام يحقق هذا الاعتقاد ( ملائكة تشارلي , المرأة الخارقة , بافي , كاجني وليسي, غزاة القبور , الساحرات , المرأة الهرة , بات مان الانثى , فلة حلم كل فتاة عربية ) هل هو تثقيف للعنف عل صعيد انثوي أم انه

التاريخ يعيد انتاج نفسه ليعود كما كان

(( الرب انثى ))