على هامش الملف الذي أفتتحته (سوريا الغد) حول الحياة السياسية السورية وهو ملف يفتح الابواب على مجمع هائل من الأسئلة حيث تعيش هذه الحياة ازمات تعريفية ليس لأدواتها فقط بل لمعناها ولمحايثتها لمنتجات الزمن الفكرية او السياسية، ويعاني مفهوم الحزب مثلا من أزمة تعريف على المستويين المعرفي والثقافي ليس بالمقارنة مع الاصل المستورد فقط والذي تطور ليصبح كيانا مختلف الملامح تبعا لتطور الحياة الفكرية والسياسية والحقوقية لبلدان المنشأ التي أوجدت الحزب كرد على تقليدية الحياة السياسية ( خصوصا بعلاقتها مع الكنيسة ) بما يعني تجديد وتنشيط وبث الروح في هذه الحياة على حساب بنى ماضية عليها أن تسقط أتساقا مع المنجز الحضاري والمدني وعلى هذا الكثير من الامثلة .

ولكن وعلى الصعيد المحلي والتي تم استيراد فكرة الحزب والاحزاب والتنافس السياسي لحساب تجديد البنية الاجتماعية اولا ومن ثم نفث الروح في الحياة السياسية ، أي ما يمكن تسميته صناعة الانسان الجديد ( وهي تسمية ضرورية شرط أن تفعل ) لنرى أن البنية التي أحتاجت الى تعديل تغلبت على فكرت الحزب التي استوردناها لضرورتها ( كما نستورد كل شيىء ) ففي حين أن الحزب بصورته الأصلية وجد للأفتراق عن حالة التحكم بالسياسة من البنى المتقادمة من اقطاع او قبيلة او دين او حتى بروليتاريا ، لتظهر الفروقات واضحة بين الجمعية والنقابة والرابطة القبلية او الرابطة الاقتصاادية او حتى الرياضية ، والحزب ... يندغم هذا التعريف عبر انحرافات اللغة والترجمة والفهم للدور التجديدي الذي يجب ان تحمله كل واحدة منها .

اذا ما هو الحزب في هذا الزمن ؟ هل هناك تعريف يفارق النقابة مثلا او النادي الرياضي ؟؟!!

لقد بقيت الاحزاب كما تأسست في ثلاثينيات أو اربعينيات القرن الماضي على حالها ( بغض النظر عن الاسباب والاعذار ) ولكن الشق الاول التحضيري لوجود الحزب كفكرة مجتمعية او الانسان الجديد توقفت في عنق الرحم لتتحول الاحزاب الى حالة انتظار الولادة ، فلا حزب قبل وجود الانسان الجديد القادر على تحمل مسؤليات الديموقراطية ( منسوبة الى ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي ) والانسان الجديد عالق في (.....) أمه والزمن يمر .

اليوم لو أحببنا أن نستورد فكرة الحزب من جديد وليكن حزب الخضر مثلا فسوف نواجه هوة سحيقة تردعنا لأن علينا تأسيس حياة انتاجية قادرة على التنافس في عالم اليوم ومرة أخرى سوف نعلق في منتصف الطريق بين النوايا والآمال وبين الواقع والراهن .

أن الذهاب الى الغيبيات والماورائيات لم يأت من عدم ، هو علاقتنا المعطوبة بالزمن وربما الرؤية أيضا .