"دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008" تحت هذا العنوان بدأ مشروع إعادة تأهيل البنية التحتية للشارع المستقيم في باب شرقي . كان الهدف من هذا المشروع هو تجميل الشارع و تحسين الخدمات فيه . لكن النتيجة كانت انهيار بعض بيوت و محال الشارع الذي يعود عمر بعضها لآلاف السنين .

وعلى الرغم من ضيق الوقت المتبقي لبدأ الاحتفالية فإن الوضع لم يتغير كثيرا فالحفر العميق مازال مستمراً و” الباغر” الذي كان أحد الأسباب الرئيسة للانهيار و السبب في انفجار قسطل المياه الرئيسي مازال يغرز أظافره مدمراً قساطل المياه من جديد في حي القشلة .

أما سكان الحي فمعاناتهم قائمة و ذكريات يوم الانهيارأو اليوم الأسود كما أسماه البعض لا تفارق مخيلتهم و تؤرق مستقبلهم .

البداية

يوم الإعصار .......هكذا أسمت صاحبة أحد المنازل المهدمة , فصورة هذا الحادث لم تفارقها لحظة واحدة ، فهي تذكر هذا اليوم المشؤوم بكل تفاصيله ، حيث قالت "لسوريا الغد " عند زيارتنا للموقع : " لن أنسى هذا المشهد ما حييت, ففي الساعة الحادية عشر من صباح يوم الثلاثاء 30102007 حدث "الإعصار" أي الانهيار ... يومها كنت أقف عند المغسلة التي لا تبعد سوى مترين فقط عن موقع الانهيار و إذا بي أسمع صوت دوي قوي. في البداية اعتقدت أن السقف انهار ،وثم التفت إلى الخلف لأرى باب المنزل الخشبي الثقيل ،و ساعة الكهرباء، و جدار المدخل ،و البلاط كلها تتطاير و الماء يتدفق قويا با تجاه المنزل كما يحدث في الإعصار تماماً."

و كأفلام السينما تماماً تكمل وصفها :" لقد كان العمال يحفرون على عمق 8 أمتاروإذ بشفرات الباغر الكبيرة تضرب القسطل الرئيسي للمياه فتدفقت دون توقف لمدة تقارب الساعة ونصف. و بعدها

لم نر سوى العمال يركضون لطمر الحفرة بكل ما فيها من أنقاض متطايرة، ثم نزل رجال الإطفاء و المسعفون و الشرطة إلى باحة المنزل بالحبال كما يحدث في الأفلام تماماً،و بعد حوالي النصف ساعة أصبحت الباحة مملؤءة برجال الشرطة و المهندسين و المسؤولين والمحققين و غيرهم ."

ودائماً السكان يكونون هم الخاسرون الأكبر من أي تغيير أو تصليح تقوم به الحكومة، فميشيل صاحب الخمارة كان الأكثر تضرراً من هذا الإنهيار، فقد كان شاهداً على دمار خمارته بأم عينيه حيث كان واقفاً للصدفة مقابل محله يسلم على الجيران حين سمع صوت قوي فالتفت فشاهد المحل بكل ما فيه يهوي إلى الحفرة التي خلفها الدمار والتي كانت بعمق 8 أمتار وعلى حد قوله لسوريا الغد عند مقابلته كانت الخمارة مليئة بزجاجات الكحول بكافة أنواعها إضافة إلى هبوط السقيفة التي كانت أيضاً مليئة بالبضاعة ، هذا طبعاً عدا مبلغ من المال كان متواجد في المحل ساعة الحادث .

ولدى سؤاله عن تقدير للمبلغ الذي تتضرر أكد أن المبلغ يتجاوز 350 ألف ليرة سورية وقد طلبها من المهندس المسؤول ولا يدر إذا كانوا سيعوضه أم لا .

والجدير بالذكر على حسب ما علمنا أن ميشيل يعاني من الكثير من المشاكل المادية وهو بأمس الحاجة لعمله فأبنته مصابة بالسكري وعليه أن يقدم لها أبرة أنسولين كل يوم .

وهذا يؤكد أن ميشيل شخص بحاجة للمساعدة ولكن من يأبه لكل يأبه لكل ذلك ؟

الإهمال و غياب الدراسة

يؤكد أهالي حي شارع "المستقيم" وهو الشارع الذي مر به القديس بولس الرسول حسب ما ورد في الكتاب المقدس بعدم وجود دراسة جيدة لمشروع التأهيل ، حيث عرض على شركة أجنبية لكنها رفضته، بعد أن تبين لها من خلال الدراسة أن التربة غير صالحة للعمل عليها. إضافة إلى إهمال المسؤولين الشكاوى المتكررة التي قدمت من قبلهم و التحفظات الكثيرة التي أبداها بعض مهندسي اللجان التي شكلت من قبل محافظ دمشق لدراسة المشروع .

و من جهته اتفق المهندس الدكتور يسار عابدين رئيس لجنة تقييم الدراسات المقدمة من قبل مديرية دمشق القديمة لمحور مدحت باشا لأعمال الترميم و التأهيل مع السكان على أن سبب الانهيار هو الحفر العميق .

موضحاً بأنه لم يتم وضع دراسة إنشائية تفصح عن الحالة الفيزيائية للأبنية في وضعها الراهن ومحذراً من تصدع أبنية دمشق القديمة بالكامل مع احتمال تهدم بعضهاإذا ما تم الحفر بأعماق بسيطة أو كبيرة .

إنذار بالإخلاء و خوف سابق من الانهيار

مع أن المسؤولين في المحافظة أشاروا إلى أنهم ملتزمون بشكل كامل بالتعويض على المتضررين و إصلاح الأعطال إلا انهم أكدوا" لسوريا الغد "عبر مكتبهم الصحفي بأن المحافظة كانت أنذرت السكان قبل الانهيار بإخلاء المنازل و المحل و هذا ما نفاه السكان الذين أكدوا أن المحافظة لم توجه لهم أي إنذار إنما حذرتهم بعد وقوع الحادث من الاقتراب من الجزء المتضرر .

وأشار أحد سكان الحي إلى أن مجموعة من الأهالي كانوا قد ذهبوا سابقاً إلى مدير المشروع و أخبروه بوجود بعض التشققات في جدران المنازل و بأنهم أحسوا بهزات أرضية خفيفة إلا أن المدير طمأنهم و أكد لهم بأن كل شيء على مايرام مما استدعاهم إلى توجيه كتاب لمديرية دمشق القديمة بتاريخ 25102007 يطالبون فيه بتخصيص لجنة لدراسة مشروع التأهيل مرة أخرى خوفاً من انهيار البيوت إلا أن المديرية لم تستجب لهم إلا بعد وقوع الحادث ,حيث أرسلت بتاريخ 2102007 لجنة لدراسة الوضع. و التي بدورها أوصت بدعم البيوت المنهارة بجدار استنادي و صب ا لفراغ المحدث تحت البيوت نتيجة الحفر العميق كما أوصت بالحفر اليدوي بدلاً من استخدام الآليات الضخمة كون الأرض أصبحت متزعزعة و التربة التحتية لا تحتمل المزيد ، ولكن رغم كل هذه الإنذارات والشكاوي لم تلقى صدى بل نفذت المحافظة ماتريد دون أي تسمع لأحد.

ولكن الذي يسأله السكان وما يؤزق عيشهم هو مستقبل هذه المنطقة، فقد قال صاحب المنزل المهدم "نحن نخاف من المستقبل كثيراً فإذا لم يقوموا بالعمل بشكل دقيق سيتهدم البيت لا محالة ذلك لأن الأرض لن تحتمل كثيراً."

إضافة إلى إمكانية حدوث المزيد من الانهيارات خاصة و أن أساسات المنازل الذي يعود بناء بعضها للألف التاسع عشر كانت بالأصل مشبعة بالمياه و الآن و بعد أن تشبعت مرة أخرى أصبح احتمال انهيارها أكبر في حال عدم تنفيذ التوصيات بشكل جيد.

ولم تكن البيوت والسكان هي الخاسر الوحيد بل كان للآثار نصيب من ذلك ، فكالعادة دائماً تكون الشام العاصمة المأهولة والأقدم في التاريخ مليئة بالآثار التي طمرت لأسباب كثيرة تحت الأرض ، وفي كل حفر تقوم به الجهات يكشف عن آثار تاريخية تعود لآلاف السنين.

وفي هذه المرة أيضاً كشف الحفرعن أعمدة أثرية جانب باب شرقي ولكن للأسف أهملت لفترة طويلة ثم نقلت إلى قلعة دمشق دون أن توثق أو يعرف مصيرها.

كلمة

لابد من الإشارة إلى أنه و مع تقديرنا لهذه الاحتفالية و ضرورة نجاحها فإن تأهيل المدينة القديمة وتجميلها يجب أن لا ينتظر حدثاً كحدث الاحتفالية بل يجب أن يكون من ضمن مخطط مدروس و معد بشكل علمي للحفاظ على المدينة القديمة و ترميمها لتغدو معه أكثر ألقاً و بهاء .