تبدو منطقة السيدة زينب كأي جزء من هذا الوطن تحمل وجهين.... الأول معلن، والآخر غير معلن.. أحدهم للفرجة والعرض للمنجزات و"الذكرى".

تبدو منطقة السيدة زينب كأي جزء من هذا الوطن تحمل وجهين.... الأول معلن، والآخر غير معلن..

أحدهم للفرجة والعرض للمنجزات و"الذكرى".

التي هي لا شيء بالقياس لكونها خدمات يفترض توفرها لسكان هذا الوطن...

والآخر مخفى في طيات غير المصرح به..

في دمشق التي تستعد لدخول عام الثقافة العربية ، ومن منطقة السيدة زينب التي تحمل بعداً سياحياً مضافاً لبعدها الديني ترى التناقضات بوجهها الفج معاً تحت سقف واحد..

الكاميرا الخفية

سوريا الغد زارت المنطقة التي ينتشر على طريقها مقالب القمامة والنفايات وأحدها إلى جوار مستشفى الإمام الخميني، جنباً إلى جنب مع البدو..لنقدم بمفردة حضارية ابتكار سوري حصري ..البداوة والحداثة بشكلها الأعوج..

البدو في خيمهم باتوا جزءاً لا يتجزأ منها ويعرفها بعضهم بكونها حارة مأهولة كباق حارات العاصمة ..

رغم اختلافها عنهم بمفاصل صغيرة، تحمل دلالات عميقة...أبرزها الأطفال المشردين الذين امتهنوا وعوائلهم مهنة البحث بين القمامة والنبش والشحادة..

والمنطقة على سوء تخديمها وما تحتويه من روائح عطرة، استطاعت أن تستقطب العديد من المهاجرين، الذين ما إن اقتربنا منهم حتى شرعوا يمارسوا مهنتهم "الشحادة" معنا..

بعضهم ظن أن زميلتنا سنا الشامي طبيبة واقترب منها ليشكي وجعه على امل أن تعالجه ..

آخر طلب 25 ل. س لأنه" مانو آكل من مبارح"..وهؤلاء أنفسهم ينفوا أي صلة لهم بالمنطقة..مؤكدين أنهم "من يم حلب"..في مؤشر بسيط لتزايد الهجرة وفشل عملية التنمية، ومحاولات استقطاب هؤلاء وتوطينهم أو على الأقل متابعة أطفالهم الذين امتهنت الشحادة طفولتهم..

أحدهم كان سكران لم يقتنع أننا صحافة، وأصر على أننا من برنامج الكاميرا الخفية..طالباً وبإلحاح من الزميلة فداء سلوم تصويره..وهو يترنح!

دمشق في الألفية الثالثة

البؤس لم يكن بعيداً بمكان عن هذا العالم، أو حتى مقتصراً عليه..

فـ" الذيابية والحسينية والمجدلية" مناطق تنفرد بقصصها الخاصة وهمومها الصغيرة الخدمية التي تشكل معاناة لسكانها..

بعضهم يتندر على الوضع تحت عنوان " يحدث في دمشق في الألفية الثالثة" أو في 2007 ..

منطقة تحمل عمقاً تاريخياً ودينياً ولا يوجد فيها شوارع مزفتة أو ماء أو صرف صحي!

فالكلمات لا تصف الحفر والجور المنتشرة على شكل منخفضات ومرتفعات تلخص طرقات المناطق الثلاث البعيدة عن الأوتوستراد الرئيس لمنطقة السيدة زينب..

لسبب بسيط جداً يختصر بعدم وجود شبكة الصرف الصحي "الأمر الذي يضطر الأهالي إلى حفر جور فنية..

الجور الفنية وفق مصطلحهم الدارج تسمى بئر "بير"..

للوهلة الأولى ستظن أنها آبار مياه عذبة..لنكتشف من شكاوى الأهالي أنها جور صرف صحي، لم تكتف بنشر جملة من الأمراض يعددها السكان" بين الجدري أو اليرقان أو حتى القرص من البعوض"

إضافة إلى "انتشار الكلاب الشاردة الموبؤة وما تحمله من أمراض، كمرض الـ(الكلب) الذي يكلف علاجه الحكومة حوالي 30ألف ل.س مدفوعاً بالعملة الصعبة .

البحث عن المعلومة

سوريا الغد قصدت مديرية صحة ريف دمشق، التي طلبت في زيارتنا الأولى موافقة الوزير، بعد الحصول عليها طلبوا منا الذهاب إلى" دائرة الرعاية الصحية" التي بدورها حولتنا إلى" دائرة الأمراض المزمنة" لتعيد إرسالنا إلى مركز السيدة زينب ".

علماً أن المناطق الثلاث "الحسينية المجلية البحدلية "لا تمتلك مستوصفاًُ صحياً" الأمر الذي يدفع سكانها لتغيير اسمها من البحدلية إلى البهدلية " من البهدلة"..

يفسر ذلك تنقلهم الطويل للوصول إلى أقرب مستوصف و الذي بدوره يبعد عنهم مسافة 10 كم .

ولكن رئيس البلدية نفى ذلك قائلاَ "المسافة لا تكاد تتجاوز ال2كم" .

وبالعودة للصرف الصحي لا تتوقف تبعاته على الأمراض وإنما تمتد إلى حصد أطفالهم، كسقوط أحد الأطفال في الحفر الفنية، ما خلق العديد من المشاكل فيما بينهم جراء هذا الوضع..

المفارقة أن الذيابية تلتهم وتجلد نفسها في مفارقة لا تتعدى إطار "فشة خلق"..

فالأهالي يقتصوا من بعضهم أمام كل مشكلة من هذا النوع ..وأمام إهمال وصمت البلدية..قام بعضهم بتمديد شبكة للصرف الصحي في حاراتهم.

وفي ذلك الجميع متساوون، فليست الطرقات وحدها السيئة أمام عدم وجود أي شيء يدعى "البلدية" في أحيائهم غير المخدمة، والتي وفقاً للأهالي "زفتت الشارع الذي يقطن فيه رئيس البلدية الأسبق مرتين..علماً أن الشارع المجاور تماماً لشارع رئيس البلدية الأسبق المزفت مرتين" غير مزفت ولا مرة"، أي لا يحمل حتى بقايا الزفت"!

الفضل لنجاد!

إذن يحصر الاهالي الخدمات بتوفر الوساطات، إضافة لارتباطها بالمناسبات كزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد " التي أسفرت عن تزفيت الطريق الرئيس للمنطقة ودهنه بالعلامات الصفراء بظرف 24ساعة ..

أما مكبات القمامة وضعوا لها حلاً سوريا بامتياز اقتصر على بناء جدار يحجبها عن نظر الوفد الدبلوماسي الرفيع..متناسين الأرصفة المحفرة التي اكتفوا بتنظيفها..

والغريب أن أحد السكان أكد لنا أن الرئيس الأسد سبق وأن صرف منذ سبع سنوات منحة تقدر بـ20 مليون ل س، لتحسين طرقات المنطقة من صرف صحي وتزفيت شوارع..

إلا أن واقع التنفيذ عكس بعداً آخر يخالف ولحد كبير الهدف من هذه المنحة..

10 ليرات للبيدون الواحد .........

المياه هي مشكلة أخرى يعانيها سكان المنطقة الذين يشتروا المياه بسعر 10 ل س للـ"بيدون الواحد".. من موتورات " الطرطيرة" التي كاد أحدها أن يقتل سكان منزل محمد جبارة "أبو عبدو"، بانقلابه أثناء تنقله في الحي وهو يحمل 20برميل من الماء بسبب المطبات الطبيعية من حفر بفعل الأمطار وآبار (الصرف الصحي).

والماء هو مشكلة أخرى تضاف لسلسلة المشاكل السابقة، فالأهالي يشترون المياه ما يزيدهم فقراً، علماً أن أسعار المنازل في المنطقة لا تقل عن مليون ل س للشراء و8 آلاف للآجار ..

لذلك يقصر اهتمامات البلدية " أحمد العليان وفضية فلاح وأمينة حوتو" على "هدم الغرف المخالفة، و حتى الرشاوى لمنع الهدم أو قبض الأموال من الأهالي لقاء خدمات لم تتحقق أبداَ ، ويقدرون المبالغ بين 10 آلاف ل.س وأكثر"...

وإحداها "دفعت لإصلاح سوء تخديم البلدية بوضعها عمود كهرباء ملاصق للأبنية ، الأمر الذي اضطر صاحب المنزل لدفع مبلغ 10 آلاف ل.س لنقله من مكانه دون فائدة ترجى من البلدية" .

المدرسة تعاني أيضاً ...

مدرسة الذيابية هي جزء من هذا الواقع..

وهي عبارة عن بيت عربي مستأجر من وزارة التربية بأجر شهري يقدر بـ 20 ألف.

وتتألف من 13 غرفة منها اثنتان للإدارة، تستوعب طلاب المنطقة من الحلقة الأولى والثانية، على الرغم من كل مساوئها التي تعددها المدرسة س. ج..

وتبدأ من "انعدام التهوية والإضاءة وعدم وجود باحة..إلى استيعابها لأربعة طلاب في المقعد الواحد ، وحوالي 35 إلى 57 طالب في الصف الواحد" وفق الأنموذج التعليمي السوري التربوي "بامتياز".

وتعاني من انقطاع الكهرباء الذي يعني توقف التدريس بانتظار عودتها..

والأهم بانتظار وزارة التربية لحل المشاكل الموجودة كونها المسؤول الأول عن المدرسة على حد قول رئيس البلدية " المدرسة من مسؤولية وزارة التربية ".............

من الشعب و إلى الشعب أما الوساطة ؟؟

أحد المواطنين الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم أكد لسوريا الغد " أن التخديم مشروط بالوساطة، كمدير الكهرباء الذي أجبره على تركيب ساعة كهرباء تجارية لمحل الحلاقة الذي يعمل فيه".

ولكنه وبالمقابل وكما أكد لنا المواطن نفسه.." فإنه ( مدير الكهرباء) لم يستطع دفع أخاه الذي يملك محلين من عشر سنوات لتركيب ساعة كهرباء تجارية".

و وفقاً للأهالي، تم إطلاع أحد أعضاء مجلس الشعب على مشاكل المنطقة منذ ستة شهور..وحتى الآن لم يحرك ساكناً..

بينما أكد رئيس البلدية "طه الطحش" "عدم معاناة المنطقة من أي مشكلة فيما يتعلق بالمياه أو حتى في مقالب النفايات "القمامة ترحل بالجرارات "...

منوهاَ إلى "وجود بعض المشاكل في الصرف الصحي و الشوارع ناجمة عن كونها منطقة مخالفات"، ولفت إلى "أنهم يعملون على حلها ولديهم العديد من الخطط" ..

ليبقى السؤال معلقاً متى ترى النور هذه... الخطط؟..

مصادر
سورية الغد (دمشق)