يمكن اعتبارها متابعة لقراءة واقع الأحزاب السورية، وفي نفس الوقت استقراء لشريحة خاصة من الشباب الذين امتلكوا تجربة سياسية ما، ورغم أن طبيعة هذا الملف تحمل جمعا للآراء، لكنها أيضا تحاول إيجاد رابط ما بين الحياة السياسية وواقع الشريحة الشابة.

واختيار الشباب ضمن هذا الملف تعبير عن عما يمكن تسميته بـ"الفجوة" بين الأجيال في مجال العمل العام، ورغم أن بعض الآراء تتجه نحو الحديث عن "الظروف السياسية" كي تفس هذه الفجوة، لكن القراءة في العمق توضح أمرين أساسيين:

الأول أن معدل النمو السكاني منذ الستينات وحتى اليوم خلق تحولات في البنية العمرية، فعدد سكان سورية ازداد من نحو 4.5 ملايين نسمة عام 1960 إلى 6.3 ملايين نسمة عام 1970 و 9 ملايين نسمة عام 1981 و 13.8 مليون نسمة، ووفق آخر الإحصائيات فإنه وصل اليوم لحدود 18 مليون. هذه الزيادة أدت لانخفاض نسبة الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر وذلك لصالح السكان في سن العمل من (من 15 إلى 64 عاما). عمليا فإن تضخم الشريحة الشابة لم يكن بنفس حجم تطور "المؤسسات السياسية". حيث يشكل اليافعين والشباب من (10 إلى 24 عاماً) ما يقارب 37.1% من مجموع السكان.

الشريحة الشابة ونتيجة الازدياد السكاني وانتشار التعليم انفصلت عن مفهوم "النخبة" الذي جعل الشباب رواد العمل السياسي والعام في الخمسينات والستينات، ونسب الشباب الذين يدخلون كل عام إلى سوق العمل بدلت أيضا من نوعية الاهتمام الذي يشغل هذه الشريحة التي بدأت تفكر "بمستقبلها" المهني بشكل مبكر.

عمليا فإن "الظروف الاقتصادية" لعبت دورا لا يمكن تجاهله في مسألة انخراط الشباب في "العمل العام"، وهذه الظروف حولت "أنظار الشباب" نحو مؤسسات أخرى ربما لا تكون سياسية، لكنها تملك حيوية أكثر من "المنظمات" التي حافظت على هيكليتها وآلياتها، وربما أشخاصها، منذ تأسيسها وحتى الآن.

الثاني هو أن الظرف السياسي الذي يتحدث عنه الجميع هو "مركب" وربما لا يرتبط مباشرة بنوعية التشريع السياسي فقط، فالظرف "ثقافي" إن صح التعبير بدأ بالتأثير على مجمل المجتمع منذ أواسط الستينات، وتحديدا بعد هزيمة 1967، وبامكاننا رصد عدد من التحولات منذ هذا التاريخ التي قادت باتجاه "الردة" على مرحلة "النهضة العربية" إن صح التعبير.

بالطبع هناك مبررات سهلة وحقيقية يمكن عبرها تفسير واقع الشباب اليوم، لكن حلولها لا يمكن أن تقف عند حدود تحميل المسؤولية للظرف السياسي، لأننا أمام واقع اجتماعي أثرت فيه مجموعة من العوامل المتداخلة، ومنذ عقد التسعينات لم يعد باستطاعتنا الحديث عن ظرف داخلي فقط، فهناك تحول دولي أدى لانهيار الاتحاد السوفياتي الذي شكل مخزونا فكريا للكثير من التيارات والحركات السياسية. في نفس الوقت فإن عصر الاتصالات جعل التحدي الفكري أمام الشباب أكثر صعوبة، فلم يعد هناك نموذجات تقليديان يمكن الاختيار بينهم، بل نحن أمام اختلاط واضح في المفاهيم والأفكار وحتى الخيارات.

في بداية الألفية الثالثة يبدو المشهد أمام الشباب مختلف تماما عما شهدته أجيال الاستقلال، أو المد العروبي، أو حتى التيار الماركسي، فالشباب ليسوا "نخبا" يقع على عاتقهم مهمة "التغير الاجتماعي" بل هم المجتمع نفسه بكل تفاصيله، ومن الصعب تفكيك "الصراع" الذي يخوضونه، فهم انتقلوا من "موقع الريادة" كونهم نخبا أكاديمية "انطلقت" مع انتشار التعليم العالي، إلى "مصادر بشرية" تحتاج إلى خطط تنموية بعد أن أصبحوا يشكلون غالبية المجتمع.

دخول الشباب مجددا إلى "الشأن العام" كما يبدو في مجمل الآراء التي استقرءتها سورية الغد يحتاج إلى توسيع مفهوم "الشأن العام" ليشمل "الثقافة" الاجتماعية بشكل كامل. وربما يحتاج أيضا إلى معرفة "دورهم" الجديد كونهم "مصادر بشرية" بحاجة لمؤسسات قادرة على تفعيل إمكانياتهم.