الحزبيــــــــــــون الســــــــــــوريون الجـــــــــــــــدد.. دماء شابـّة، وشريان مفتوح!

عندما التقيته ورفيقه نسيم كان مهيار لا زال يتحسر باشتياق على أيام الملتقى الذي جمعنا ومن أصبحوا بعدها أصدقاء لنا في دير مار موسى الحبشي منذ شهور في ندوة طرحت (التلاقي الثقافي وشبيبة الغد) عنوانا عريضا لها، والذي أكثر ما عنى مهيار منها في حينه هو تلك (الجَمعة) نفسها، والتي بإمكان المرء أن يخرج من مسامرات صحبتها بزاد لا يقل ثراء وأهمية عمّا يمكن له أن يستخلصه من ملاحظات محاضراتها.

وكان لافتا يومها استغرابنا المتبادل مع عدد من الحضور عن سبب غياب شباب مثقف حزبي عن المشاركة في أعمال اللقاء، والذي لم يكن في متن دعوته أو برنامجه أو مكان انعقاده ما يحول دون ذلك.

وقد جرنا هذا سريعا –إضافة لما دار من مناقشات شبابية في الندوات- إلى الحديث عن بؤس العمل العام لدى الشباب، واستنكافهم عن الإدلاء بدلوهم سياسيا واجتماعيا في الراهن والحياتي اليومي بما يخصهم ومحيطهم.

"أنا شخصيا لا أستطيع أن أتخيل شبابا مثلنا يعيشون ما نعيشه في مثل هذه الأيام وهم بعيدون عن الانتماء إلى أي حزب".

ويفسر مهيار وجهة نظره تلك بأن الشباب "ما لم يكونوا في إطار تنظيم معين فإنه من العسير عليهم أن يفهموا ما الذي يدور في هذا العالم، ناهيك عن اتكالية مفرطة لدى بعضهم تضعهم في دائرة الانفعال لا الفعل، والحزب من هذا المنطلق هو حاجة تلبي هذا الغرض بالذات".

سيقسم مهيار الطاير البالغ من العمر 29 عاما قسم الانتساب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأيام القليلة المقبلة وسينضم بذلك إلى قائمة الرفاق الذين يتطلع قدما إلى العامل معهم.

"اخترت الانخراط في صفوف الحزب القومي السوري الاجتماعي بالذات لأنه أكثر حزب أقنعني من بين الأحزاب الموجودة، وجعلني أحس انه من الممكن أن يوفر لي الحماية مستقبلا"

وهل سبق لك أن قمت بجردة لأفكار وتوجهات جميع الأحزاب السورية اليوم قبل إقدامك على هذه الخطوة مع هذا الحزب بالذات؟

"أنا على اطلاع على حزب البعث، وقد تعرفت على الحزب القومي السوري بالصدفة، فصرت أقرأ له كثيرا، أما ماهية الفرق الذي وجدته شخصيا بين البعث و القومي السوري على الرغم من أنّه لا خلاف بينهما لجهة علمانيّة كل منهما؛ فهو باختصار أنني رأيت أن (وحدة الإقليم) التي يقول بها القومي السوري أقرب من الوحدة العربية الشاملة"

ويبدو مهيار الذي يدير أعمالا حرة كما يصفها راضيا عن أفقه الجديد، يقول " لقد كانت حياتي من قبل محدودة في نطاق عملي فحسب، لكن و بمجرد دخولي إلى الحزب السوري صرت أملك صفة جديدة اكبر، من خلال اللقاءات والاجتماعات التي كنت أشارك فيها حيث أصبح لي ضمن جماعـتي صوت ما، خاصة وأنه يتساوى جميع الأفراد لدينا مع بعضهم داخل الحزب، أمّا المشاركة الفاعلة بالنسبة لي شخصيا فمؤجلة لحين أدائي للقسم".

وعن الطريقة التي انعكس فيها قرار مهيار اختيار الحياة الحزبية على نظرة المحيطين به نحوه، يجيب مبتسما "حسنا، نتيجة قلة الوعي والمعرفة بالحزب السوري القومي، والأفكار السائدة عنه -بعض الناس على اعتقادهم القديم بأنّ الحزب لا يزال ملاحقا- أقد وجد ممانعة وخوفا من قبل المقربين مني لدى معرفتهم بنيتي الانضمام إلى الحزب، لكني اعتقد أن عدم موافقة المحيطين بي على خياري بالتحزب يمكن له أن يزول شيئا فشيا، طالما أنني أحاول تعريف هؤلاء الناس من حولي أقاربا وأصدقاء على الحزب أكثر، وعندها ستزول هذه النظرة السلبية، على كل ثمة بوادر إيجابية على ما أقول تتمثل بأن شبابا من أصدقائي بدؤوا يطرحون الأسئلة علي حول هذا الموضوع ولو بدافع الفضول أحيانا، بل إن بعضهم طلب إلي أن أصطحبهم معي إلى اجتماعات (المواطنين) للتعرف على الحزب أكثر"

نسيم سارة يصغر مهيار بحوالي الأربع سنوات، لكنه سبق صديقه (المواطن) إلى (الرفاقية) داخل الحزب السوري القومي منذ فترة ويملك تجربة أكبر على هذا الصعيد.

وعن العلاقة بين السن والعمل الحزبي المنظم يؤكد نسيم بثقة ألا شرطا لازما بين الاثنين "فالزعيم أنطون سعادة كان لا يزال في 15 من عمره عندما بدأ يكتب مقالات في جريدة والده،

و كان ثمة قراء ينتظرون هذه المقالة، وبالتالي فالفرصة متاحة أمام كل الشباب لعمل شيء ما طالما أنهم يؤمنون بأنهم قادرون على ذلك"

وعن علاقته بمحازبي التيارات السورية الأخرى يقول نسيم "في الفترة الأولى كان من الصعب عليك كمحازب للسوري القومي أن تقدم نفسك للآخرين بصفتك الحزبية كون الحزب كان ضمن الأحزاب المحظورة، وكانت النظرة العامة في حينه سلبية تجاهنا من قبل هؤلاء الآخرين.

الآن تغير الوضع، وصار بإمكاني أن أجاهر مثلا باعتقادي أن الحزب السوري هو بالنسبة لي يمثل الأمل، ويتاح لي مجال أوسع اليوم للحوار مع أشخاص ذوي انتماءات أخرى، من حزب البعث من الشيوعي من حزب الوحدويين الاشتراكيين ....، وبالتالي نمكن اليوم من تبادل الأفكار حول أحزاب كل منا"

ماذا عن شباب سوريين آخرين ذوي خيارات سياسية معارضة؟

"ليس هناك اختلاط معهم بقدر ما هو اطلاع عام على الأفكار، ولكن ليس هناك حوار بالمعنى الشامل للكلمة، على الرغم من أنني لا أعتبر أن لقاء تم صدفة مثلا مع شخص قد يتبين لي أنه معارض يوجب عليّ أن أنال عليه إذنا من قيادتي لمتابعة الجلوس معه.

وفي رأيي هناك نوعان من هؤلاء الناس، أشخاص معارضون من أجل المعارضة ذاتها،

وآخرون لديهم شيء لخدمة هذه البلد لكن ما كان عليهم في رأيي أن يضعوا أنفسهم في خانة المعارضة، أو أن يسموا أنفسهم بهذا الاسم"

لدى نسيم عمله الخاص كمساعد مهندس والذي لا يتعارض من حيث المبدأ مع وضعه الحزبي، وإن كان نسيم لا ينكر أن متابعته للشأن المتعلق بالحزب رتب علي حياته أعباء إضافية، وحرمه مثلا من أيام العطل والإجازات، التي كان هامشها أوسع فيما مضى.

وعن مدى فعاليته ضمن دوائره المحيطة على أرض الواقع كمناصر وحزبي لديه توجه سياسي معين، يعتقد نسيم أن من الحكمة أخذ الأمور في سياقاتها الموضوعية، وعدم المزايدة في الطروحات على طريقة بعضهم: "أنا كحزبي سوري قومي اجتماعي لن أنزل بالطبع إلى الجامعة وأبدأ بتوزيع جريدة الحزب، أو ألقي بالمنشورات ذات اليمين وذات اليسار، لأنني أعرف أن هذا شيء مخالف للقانون، وأنا أعمل تحت سقف هذا القانون. بيد أنني حر في الحديث إلى أي شخص خارج الجامعة -حتى وإن كان جامعيا- ولي أن أجلس معه في المقهى أو في البيت، أو في مقر الحزب ولا عوائق بيني وبين ذلك، فكوني حزبيا لا يعني أن أخالف القانون، إذ لكل شيء مكان وأوان".

وهل تتيح لك القيادات الأكبر سنا داخل الحزب فرصة التعبير واتخاذ القرار، بما هو أوسع من المتاح لك في الخارج؟

ومع أن سؤالي لم يرق لنسيم تماما لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد لي أنّ "القيادات في داخل الحزب فيها من القدامى وفيها من الشباب"، مستطردا "لا يمكنني كشاب حزبي القول أنه بمجرد أن يصبح أحدهم داخل الحزب بعمر 50 سنة مثلا يجب أن نرمي به خارجا، لأنك عمليا لا تستطيع الاستغناء عن هؤلاء الناس، خاصة عندما تكون في طور و ضع الخطط والبرامج على الورق، أما وقت التنفيذ فالعنصر الأكبر الذي ستحتاجه حينها هو العنصر الشاب. علما أن أي قرار يتخذ داخل الحزب يناقش مع الجميع، ولا علاقة بين إبداء الرأي وعامل السن أو العمر، كأن تكون مشاركة من عمره 16 بـ10% من القرار و من عمره 30 بـ30% القرار....!"

ويتدخل مهيار هنا ليقول "نحن كشباب لا يمكننا أن نتجاهل القيادات الكبيرة لأنها تظل خبرة في النهاية، لكن من الملاحظ فعلا أن الحركة لديهم بطيئة، فعلى سبيل المثال وجدت أن دور بعض القادة في تنظيم احتفال 16 تشرين ذكرى انطلاق الحزب كان أقل فاعلية من دور أصدقائي الشباب الذين عملوا على تحريك ذلك الاجتماع. القيادات القديمة تبقى كي نستفيد من تجاربها الأولى و صراعاتها حتى، خاصة في الفترة التي لم يكن فيها الحزب داخل الجبهة الوطنية التقدمية"

مستقبلا، لا يستبعد نسيم فيما يقول أن ينفض جزء من الحزبيين الشباب عن أحزابهم لا للاستقالة من الحياة السياسية برمتها أو للالتحاق بأحزاب منافسة، وإنما لتأسيس أحزابهم الخاصة، وعليه فقد نسمع يوما بحزب يعود تاريخ تأسيسه إلى الـ(2008) ويكون أكبر الأعضاء سنا في لجنته المركزية في عمر لا يتجاوز 33!

وذلك يظل أفضل من وجهة نظر نسيم من أن ينعزل الشباب نهائيا عن الحياة الحزبية، فنصل إلى يوم "لا نجد فيه قيادة للمجتمع".

أما بالنسبة إلى مهيار وإن كان يشاطر نسيما مخاوفه المستقبلية، غير أنه أكثر انشغالا بما هو فيه اليوم ويقول: "الفكرة التي تشغلني عندما أتحدث عن نفسي كحزبي، هي....

هل سيكون لهذا الحزب الذي انتميت إليه دور في هذا المجتمع؟

هل سيكون لدينا قرار أو قدرة على التغيير في هذه البلد؟

وهل هناك من سيحمينا إذا شرعنا في ذلك التغيير حقا؟".