التعليق الوحيد الذي يصادفنا في قضايا الشباب اليوم أننا نعيش الموجة الثالث، بينما الأحزاب ربما كانت وليدة الموجة الأولى بفكرها، فهذه الموجة وفق ما يشرحه منظري "العولمة" كانت مع الثورة الصناعية التي أدت عمليا لبلورة فكرة المؤسسات السياسية عموما، وكانت مسؤولة ايضا عن تجسيد "القومية" في أشكال الإنتاج والدولة.

وعندما نشأت الأحزاب في سورية أوائل القرن العشرين استندت بشكل مباشر إلى هذه الظاهرة واستفادت من كل التطور الاجتماعي في أوروبا تحديدا لصياغة الحياة السياسية من جديد، والانتقال من مراحل "الخلافة" إلى "الدولة". لكن التطور السريع ربما تجاوز الكثير من الأشكال حتى ولو بقيت الأفكار، والمواجهة التي يمكن تلمسها اليوم في الفجوة ما بين الأجيال توضح أن الشباب اليوم لا يملكون "خيارات" جديدة فقط بل هم موجودون في وسط "الموجة الثالثة" ومتفاعلون معها بشكل أو بآخر، لذلك فإن عمليات التجديد في الأحزاب كانت أبطئ من "طاقة" الشباب أو من محاولتهم الامساك بخياراتهم الخاصة.

عمليا شهدت الأحزاب السورية انشقاقات مختلفة، كانت في معظمها تحدث في ظل ظروف سياسية صعبة، وتعبر في أحيان أخرى عن حالة من تململ نتيجة "الآليات الحزبية" القديمة، في المقابل فإن أي انشقاق لم يكن يحمل نظرة جديدة لطبيعة الأحزاب في ظل التحولات الثقافية محليا وعالميا، حيث كان من المفترض أن تؤدي التغيرات الإقليمية والعالمية إلى تعامل فكري جديد مع مفهوم "الحزب" أو "الشأن العام" إضافة لإعادة قراءة الآليات التي يمكن تطبيقها تجاه الأجيال الشابة.

ما يحدث اليوم هو أن "الفجوة" بين الأجيال، والتي لها ما يبررها، لا يتم الاعتراف به عمليا أي أنها:

 موجودة عند الحديث عن "أزمات الأحزاب"، لكنها غائبة في نوعية الأحزاب الموجودة، فالتجارب الحزبية إن صح التعبير هي امتداد مستقر لمراحل التأسيس دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك "عالم جديد" لا نستطيع اغفاله يلاحق الشباب أينما ذهبوا.

 حتى اللحظة فإن الأحزاب السياسية تحاول تطويع برامجها وفق ما تراه من خيارات مفتوحة أمام الجيل الشاب، وهي تركز على التعامل مع تفاصيل الحياة الاقتصادية أو المعيشية، أما الأحزاب الموجودة ضمن "الجبهة" فهي تستفيد من قدرتها على "التعبير السياسي" أو القيام بنشاط "جماهيري" لجذب التيار الشاب. وفي الحالتين فإن نشاط الشباب يستمر دون تجاوز "الفجوة" بين الأجيال.

 الاعتراف بوجود "الفجوة" هو امر جديد لم يكن واردا قبل سنوات، وهو يظهر في التركيز على مسألة الدماء الجديدة، لكن الملاحظ ان "التبدل الديمغرافي" غائب تماما. فهناك حديث من الأحزاب خارج الجبهة عن "أحزمة الفقر"، في المقابل فإن هذه "الأحزمة" لا تلعب أي دور فاعل في الشأن العام، سواء بالنسبة لأحزاب الجبهة، أو لمن هو خارجها. هذه الصورة لا تتم دراستها بشكل واضح، فرغم الاعتراف بوجود "فجوة" إلا أن الثقافة الحزبية ماتزال وليدة "وسط المدن" فهي مع كل الازدياد السكاني في محيط المدينة تنطلق من وسطها لتعبر عن الجيل المخضرم في أحسن الأحوال، أو الأوائل" الذين كان نشاطهم منذ الخمسينات داخل النخب الثقافية بالدرجة الأولى.

 الأحزاب التي "انشقت" وأرادت أن تخاطب الشباب، واعترفت بالفجوة، بقيت في مساحة "الشكل السياسي التقليدي"، فهي تبحث أولا عن حلول "لتداول السلطة" أو "المشاركة بها" وعليها يتم بناء باقي الاستراتيجيات السياسية. ومما لا شك فيه أن هناك "خطابا جديدا" من هذه القوى" لكنه يملك نفس المفردات لأي حزب سياسي تقليدي. فالتغيرات داخل المجتمع ربما لم يلحظها البعض في رسم الاستراتيجيات، سواء في مسألة اتساع دور "الدولة" بحيث أصبح من الصعب التعامل مع أية شرائح دون الأخذ بعين الاعتبار هذا الدور.

أخيرا فإن الكثير من المسائل الفكرية المستجدة ماتزال في حالتها الأولى، لأن أي تبدل مرجو نحو خطاب قادر على ردم "الفجوة" لا يمكن أن يتأسس من الفراغ، فهناك حاجة لقرارة هذه الفجوة من خلال ميول الشباب والتحولات السكانية التي أدت في النهاية لأن تصبح الأحزاب عموما تمثل جيلا محددا فقط.

مصادر
سورية الغد (دمشق)