الانقسام في الساحة الفلسطينية يزيد القلق إزاء المستقبل الغامض وكيفية التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الاروبي التي تسير في فلكها من دون اخذ خطوة تعبر عن مواقفها بحرية والتحلل من التبعية للولايات المتحدة.

السلطة الفلسطينية الممثلة بالرئيس عباس وفريقه مؤمنة بجدية الأخيرة في التقدم على المسار السياسي والتوصل لحل مع حلول نهاية العام القادم ومستمرة باتخاذ إجراءات لتعميق الأزمة. والطرف الأخر من السلطة حركة "حماس" لاتزال على مواقفها ومستمرة بتعميق الأزمة من خلال الخطوات التي ترسخ من تعميقها وتعزز من الفصل السياسي والجغرافي بين جناحي الوطن، وعلى الرغم من القلق الداخلي، ومن القادم الخارجي لطريقة الحل والجدية المزعومة والتصلب في المواقف فان ذلك لا يحتاج لمراجعة في المواقف من طرفي الصراع فقط في كيفية التعامل الداخلي مع النتائج التي خرج بها الرئيس عباس وفريقه من إجتماع أنابوليس، ورد فعل حماس على ما يجري في الساحة الداخلية والخارج. بل يحتاج خطوات عملية على الأرض تقرب من عودة اللحمة للفلسطينيين.

ما يجري في الساحة الفلسطينية لم يعد يحتمل الانكفاء بانتظار الحدث، ما جرى من سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة العسكرية وما سبق ذلك من موجة اقتتال داخلي استمرت عاماً ونصف العام، وطرفا الصراع ظلا ينتظران الحدث، والنتائج كانت ولا تزال كارثية على القضية الفلسطينية. الرئيس عباس لم يساهم بشكل جدي بإنهاء الاقتتال على رغم التوصل الى اتفاق مكة، وحركة حماس قامت بخطوة ولم تقم بإجراء تقييم جدي لما سيترتب على تلك الخطوة الخطيرة التي أقدمت عليها، وباقي الفصائل الفلسطينية الوطنية والاسلامية لعبت دوراً لم يكن بمستوى الحدث واستمرت أيضا في الانتظار ولعبت دوراً محدوداً وذلك حسب امكاناتها وقوتها.

على اثر انتهاء إجتماع أنابوليس ونتائجه المتواضعة للفلسطينيين، وصدور تصريحات ايجابية من الرئيس عباس حول حركة حماس أشاعت الأمل بعودة الحوار بين الطرفين، فإن على حماس اخذ تصريحات عباس على محمل الجد والتفكر باتخاذ خطوات فورية وجدية بالتراجع خطوة للوراء تقرب من إمكان التوصل لإنهاء الصراع والجلوس على طاولة الحوار.

فالحوار لا يمكن له النجاح من دون اتخاذ خطوات جدية والتراجع لمصلحة الوطن، وإنهاء القطيعة بين حركتي فتح وحماس التي لا تستطيع السير وحيدة من دون شركاء رئيسيين، ولا يحتمل الوضع الفلسطيني أكثر من ذلك، وذلك يأتي ضمن جدلية التحرك السياسي، والبعد عن الإقصاء السياسي.

واضح ان الفلسطينين لا يملكون سوى الانكفاء والانتظار، والسؤال هنا: هل المصلحة الوطنية قائمة من خلال حال الانقسام والمستقبل الغامض للقضية الفلسطينية؟!

سؤال مشروع أمام الفلسطينيين ما داموا يعيشون التناقضات والتجاذبات الدولية والإقليمية، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وربما يكون القاسم المشترك هو العنوان العريض الذي يحتاج بالفعل لإعادة تفكير. الفلسطينيون مجمعون على أهمية الحوار الوطني الشامل ليس في هذه المرحلة العصيبة فقط، بل يتعداه في مضمونه الشامل ولا يمكن ان يكون الحوار معلقا في الهواء حسب أهواء حركتي فتح وحماس من دون الأخذ في الاعتبار فصائل فلسطينية فاعلة على الرغم عدم حصولها على نسبة تمثيل كبيرة في المجلس التشريعي. فهل يمكن ان يكون الحوار من دون البحث في المشروع الوطني ومستقبل القضية الفلسطينية؟! وهل يكون الحوار شاملاً والبحث في المشروع السياسي وجدية الأطراف الدولية، خاصة الرئيس الأمريكي، والترتيبات السياسية المفترضة؟

الحوار الوطني مطلب فلسطيني مُلح وحتى الان لم يتم البحث في التحرك الجدي فيه، فقد قامت بعض الأطراف الفلسطينية بالتقدم بمبادرات من اجل الانطلاق بحوار وطني لجسر الهوة بين طرفي الصراع حركتي فتح وحماس، ولم تستجب الحركتان لتلك المبادرات، وقامت حركة حماس بعقد لقاءات مع عدد من الدول العربية للبدء في حوار بين الحركتين، ولكن ما يصدر من الطرفين لا يؤكد على جديتهما بالحوار، فالأطراف الفلسطينية مجتمعة عليها اخذ زمام المبادرة والبدء في حوار وطني شامل أساسه الحقيقة والمصالحة والمكاشفة، والابتعاد عن الافتراض ان للفلسطينيين مشروعين مختلفين بل التأكيد على ان مستقبل القضية الفلسطينية أهم من أي عنوان كان، وعدم الانتظار والانكفاء والارتهان لجدية الأطراف الدولية التي تعمل على تعميق الأزمة بين الفلسطينيين.