تنفست إسرائيل الصعداء أثر تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أكد فيه أن الولايات المتحدة لاتزال ترى في البرنامج الذري الإيراني خطر على العالم. تصريح بوش هذا كان مهماً لإسرائيل بعد التقرير الذي صدر عن المخابرات الأمريكية والذي أكد أن إيران أوقفت برنامجها النووي للأغراض العسكرية في العام 2003، فحكام تل أبيب خشوا في بداية الأمر أن يؤدي هذا التقرير الى فتور في مساعي إيران الهادفة الى إحباط المشروع الإيراني. واشنطن ولكي تقضي على مخاوف إسرائيل بعد هذا التقرير، ولكي تؤكد على إلتزامها بمواجهة ايران قررت تكثيف لقاءات التنسيق الإستراتيجية مع إسرائيل لبحث السبل المناسبة لتحقيق الهدف الإسرائيلي الأمريكي المشترك. التطمينات الأمريكية جاءت استكمالاً للتطمينات التي حصل عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت خلال لقائه ببوش على هامش مؤتمر " أنابوليس ".

هذا اللقاء كان – حسب معظم المعلقين في إسرائيل – هو أهم حدث مرتبط بمؤتمر " أنابوليس " لأنه تطرق اللقاء لأوجه التنسيق المشترك بين الجانبين لمواجهة المشروع النووي الإيراني. مصادر إسرائيلية أشارت الى أن اللقاء خصص للإجابة على السؤال الآتي: إلى أي مدى يمكن الرهان على العقوبات الإقتصادية لإحباط المشروع النووي الإيراني، وأن كانت الإجابة بالنفي، فكيف يمكن التحرك عسكرياً لتحقيق هذا الهدف ؟. هذا اللقاء الهام دلل بالنسبة لكثيرين على أن الحماس الإسرائيلي الأمريكي لمؤتمر " أنابوليس " كان بشكل أساسي لتوفير الظروف التي تسمح لإسرائيل و الولايات المتحدة لمعالجة البرنامج النووي الإيراني.

يطمح الإسرائيليون الى استغلال " أنابوليس " في إقناع الدول الأوروبية في الموافقة على رزمة جديدة من العقوبات الاشد درجة على إيران والتي تشمل موافقة حكومات هذه الدول على الغاء اعتمادات بقيمة 22 مليار دولار سنويا معطاة للشركات الاوروبية التي تتاجر مع ايران، كما كشفت صحيفة " معاريف " الإسرائيلية قبيل عقد " أنابوليس ". وفي اطار الاتصالات التي أجريت عشية مؤتمر " انابوليس "، تداولت كل من تل ابيب وواشنطن إقتراحات بفرض عقوبات على البنوك التي تتعامل مع ايران، الى جانب الضغط على الشركات الأوروبية لعدم تجديد البنى التحتية النفطية في ايران، بالاضافة الى سلسلة طويلة جديدة من الضربات الاقتصادية التي ستمس بالاقتصاد الايراني بصورة حقيقية، كما يرى الخبراء الأمريكيون والإسرائيليون.

لكن العديد من أوساط النخبة الحاكمة في إسرائيل يرون أن العقوبات الإقتصادية قد لا تنجح في ثني إيران عن مواصلة مشروعها النووي. عاموس يادلين، رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية يشدد على أنه بالإضافة الى الشكوك ازاء قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على اقناع دول العالم بالمساهمة في فرض العقوبات على إيران، فأنه يرى أنه حتى لو نجحت الدولتان في هذه المهمة، فأنه من المشكوك فيه أن يساهم ذلك في إقناع القيادة الإيرانية بترك هذا المسار.

من هنا، فقد اتسعت مؤخراً دائرة الآراء داخل إسرائيل التي تؤكد أن الخيار العسكري هو الوحيد الكفيل بوقف المشروع النووي الإيراني. تل ابيب تفضل أن تتولى واشنطن مهمة معالجة المشروع الإيراني عسكرياً. لكن رغم تطابق وجهتي النظر الإسرائيلية الأمريكية حول خطورة المشروع النووي الإيراني، فأن هناك تباين بين الجانبين فيما يتعلق بالظروف التي يتوجب عندها استخدام الخيار العسكري. ورجحت مصادر إسرائيلية أن تكون هذه النقطة تحديداً قد بحثت بالتفصيل في لقاء بوش أولمرت الأخير. فإسرائيل ترى أن نقطة اللاعودة للمشروع النووي الإيراني تتمثل في نجاح إيران في تطوير قدرات عملية وتقنية وبشرية قادرة على انتاج السلاح النووي، حتى لو لم يتم اننتاج هذا السلاح بالفعل. من هنا، فأن الإسرائيليين يرون أنه لا طائل من قصف المنشآت الذرية الأمريكية في حال نجحت إيران في تطوير هذه القدرات، لأن ايران ستستغل قدراتها العلمية والتقنية والبشرية في محاولة تطوير برنامجها النووي من جديد. أما الأمريكيون فيرون أن نقطة اللاعودة بالنسبة للمفاعل الذري الإيراني تتمثل في نجاح إيران في انتاج السلاح النووي.

في نفس الوقت، فأن حسابات بعض الأوساط في الإدارة الأمريكية بشأن العمل العسكري ضد إيران تختلف عن حسابات إسرائيل. فهناك رأي قوى في الإدارة الأمريكية يقول أن أي عمل عسكري ضد إيران سيكون له تداعيات سلبية على المصالح الأمريكية، على اعتبار أن من شأن هذا العمل تهديد حياة عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في العراق الذين سيتحولون الى هدف سهل للإيران الذين سيجدون في العراق ساحة للإنتقام من أي عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي ضدهم. لذا فأن قادة الجيش الامريكي في العراق تحديداً يقفون على رأس المعارضين لعمل عسكري ضد إيران.

لكن هذا لا يعني أن الرئيس بوش قد حسم أمره بشأن عدم القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهذا ما يجعل الإسرائيليون يحاولون اقناعه بحيوية التحرك العسكري ضد طهران في اقرب وقت ممكن.

لكن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن الإسرائيليين يستعدون للقيام بضرب منشآت إيران النووية بأنفسهم، في حال لم يتم فرض عقوبات إقتصادية رادعة ضد إيران، أو في حال عدم تولي واشنطن مهمة العمل العسكري ضد الإيرانيين.

صحيفة " معاريف " أشارت قبيل مؤتمر " أنابوليس "، الى أن الجيش الإسرائيلي أجرى بالفعل تدريبات مكثفة استعداداً لإمكانية ضرب المشروع النووي الإيراني. وحسب الصحيفة فأن سلاح الجو الاسرائيلي يقوم بطلعات تدريبية جوية بعيدة بما في ذلك التدرب على تحليق هجومي طويل المدى، بالإضافة الى التدرب على تزويد الطائرات بالوقود أثناء تحليقها في الجو.

ليس هذا فحسب، بل أن الحكومة الإسرائيلية كلفت قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال اليعازر شكيدي بمهمة بلورة آلية للتنسيق بين الأذرع العسكرية الإسرائيلية المختلفة استعداداً لأصدار تعليمات لتنفيذ " عمل عسكري " خلف الحدود، وهو ما قصد به مواجهة إيران. في نفس الوقت، كلفت حكومة أولمرت رئيس جهاز " الموساد " مئير دجان بالمسؤولية عن تقديم تقديرات إستراتيجية بشأن المشروع النووي الإيراني. دجان تعاطى مع هذا التكليف بمنتهى الجدية، إذ أن " الموساد " قام مؤخراً بنشر اعلانات في الصحف الإسرائيلي لتجنيد شباب إسرائيليين من الذين يجيدون اللغة الفارسية، وهو ما فسر على أنها خطوة لزرع عملاء داخل إيران لجلب المعلومات الاستخبارية اللازمة.

نائب وزير الدفاع السابق افرايم سنيه يرى أنه قبل شن عمل عسكري ضد ايران يتوجب ضمان تحقق شرطين اساسيين. أولاً: الحماية الناجعة للجبهة الداخلية الإسرائيلي ضد الصواريخ والقذائف الموجهة، التي من الممكن أن تطلقها إيران بالالاف نحو المدن الاسرائيلية. ثانياً: توفير ميزانيات لتوفير التحصين ضد السلاح الكيماوي والصاروخي من خلال تطوير منظومة صاروخ "حيتس"، المضاد للصواريخ.

إسرائيل تطمح لو تولت أمريكا مهمة المعالجة العسكرية للمشروع الإيراني، لكن كل المؤشرات تدلل على أنه في حال تعذر ذلك، فأن تل ابيب ستتولى القيام بهذه المهمة.