من خلال عملي كمدربة للنساء في مجال إنشاء المشاريع الصغيرة من المنزل والمشاريع التجارية، تعرفت على العديد من الشخصيات والفئات العمرية ذات الخلفيات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية المختلفة والمتنوعة.
خلال السنوات السبع الماضية قمت بتدريب أكثر من 350 سيدة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 18 إلى 45 سنة في مجال المشاريع الصغيرة فقط 30 في المائة منهن تقريباً بدأن مشاريعهن الخاصة فعلاً، ولقد قمت بدراسة على هذه المجموعة وحصلت على النتائج التالية:
1- المرأة الفقيرة
تعمل المرأة الفقيرة للحاجة المالية لتغطية احتياجاتها الأساسية الضرورية أولا ثم لمساعدة العائلة ثانياً، أما هدفها من حضور مثل هذه الدورات فهو للخروج من حدود رقابة العائلة وخاصة إذا كانت من وسط متدين جدا أو متعصب جدا (التعصب الاجتماعي غير الديني) وللحصول على وقت تستطيع فيه ممارسة أبسط أنواع الترفيه ولو قليلاً مثل التعرف على الآخرين. وعادةً ما تكون ذات مؤهلات علمية متوسطة (الثانوية وأقل) وسلوكيات تميل أحياناً إلى العدائية مع زميلاتها الفقيرات أو الانطوائية والسلبية والغيرة أو السطحية في التفكير. وهي عادةً تبحث عن وظيفة ولا ترغب فعليا في إنشاء مشروعها الصغير، بل هو بديل حتى تجد أي وظيفة ملائمة لمؤهلاتها التي تكون ضعيفة عادةً، وللأسف نادرا ما تجد رجلا في العائلة يدعمها بل أحياناً يتم استغلالها كي تتمكن فقط من حضور الدورة، حيث تعاني من عدم توفير المواصلات باستمرار.
وهذه الصفات تنطبق بنسبة 80 في المائة على مجموع المتدربات من هذه الفئة، حيث تتميز باقي 20 في المائة بحسن الخلق والإخلاص وتذوق الشعر العربي والرغبة الشديدة الجادة في تطوير الذات والخروج من صندوق الفقر.
2- المرأة متوسطة الدخل
تكون المرأة عادة متعلمة (الثانوية وأعلى) وتعمل لتحسين الوضع الاقتصادي للعائلة وخاصة الأبناء، وترغب في توفير الكماليات لها ولعائلتها، وعادةً ما يكون هدفها من حضور الدورات الرغبة الفعلية في اكتساب المعرفة لتطوير قدراتها ولتتمكن من تحقيق مستوى مادي أفضل، وتتميز سلوكياتها بالأدب والجدية ومحاولة الإتقان والتفوق علمياً ومهنياً ورغبتها في الاستقلال المادي عن الزوج بسبب الخجل من طلب المال للإنفاق على طلباتها الخاصة. وعادةً ما تكون مترددة بين الوظيفة وإنشاء مشروعها الصغير وترغب في ممارسة الاثنين معاً، ولديها استعداد ترك فكرة تأسيس مشروع إذا حصلت على وظيفة ملائمة لمتطلباتها، ويوجد دائماً رجل في العائلة يدعمها ويشجعها وخاصة الزوج أو الأب. والمواصلات أحياناً تكون مشكلة بالنسبة لها. وهذه الصفات لا تنطبق على الكل بل تنطبق بنسبة 75 في المائة فقط.
3- المرأة من وسط مرتفع الدخل نوعاً ما
ترغب هذه المرأة في إثبات ذاتها والتأكد من قدرتها على الاستقلال المادي فقط وتكون متعلمة وعادةً خريجة مؤهل عال، وهدفها من حضور هذه الدورات هو اختبار قدرتها على العمل ولكنها تكتشف عالما جديدا من نساء الأوساط الأخرى التي تميل لمساعدتهن ودعمهن إذا استطاعت والاستفادة من تجاربهن، وسلوكياتها تتميز بالأدب واللين والمرح وعدم الالتزام في الحضور للدورات أحياناً، حيث يمثل هذا ترفيها أكثر منه رغبة في تطوير الذات، وتميل هذه الفئة إلى الرغبة الجادة لإنشاء مشروع صغير بسبب الشعور بالقدرة على الإنجاز ومحاولة الاستفادة من المهارات والتعليم الذي حصلت عليه، كما توجد مساحة حرية من جانب العائلة كي تزاول ما ترغب فيه ودون أي شروط (الزوج أو الأب يعتقد أن هذه تسلية مفيدة لها وله) ولا توجد عندها مشكلة في المواصلات بسبب وجود سائق خاص. وهذه الصفات تنطبق بنسبة 70 في المائة فقط.
والواقع أن هذا التحليل ليس دقيقاً 100 في المائة لأن العوامل الإنسانية مثل السلوك والأخلاق والظروف العائلية تتداخل بشكل كبير مما تجعل الحكم والتقييم يصعب من فئة إلى أخرى.
وكنتيجة نهائية لاحظت أن المرأة السعودية بصفة عامة لا تعمل من أجل التسلية بل هو رغبة في إثبات الذات والمهم الرغبة في الاستقلال المادي بسبب تغير السلوك الاقتصادي للمجتمع، فلم تعد للأسف النظرة السائدة هي أن الرجل هو المسؤول الوحيد على الإنفاق على الأسرة، بل لا بد مشاركة المرأة إذا كانت تستطيع، وأصبح مطلب الشباب بنسبة 70 في المائة أن تكون زوجة المستقبل ذات دخل مستقل، وهذه التغيرات صاحبها شعور وسلوك متبادل من الشابات بوجوب الحصول على عمل أو دخل مستقل كي لا يتحكم الزوج في مصروفاتها الخاصة كحد أدنى. وكحد أعلى وجوب مشاركتها في مصروفات المنزل والأبناء.
هذا بالطبع إضافة إلى ظروف اجتماعية أخرى مثل المطلقات والأرامل والمعيلات (مع وجود رجل دون عمل) وأصبحت المرأة مطالبة بإعالة العائلة لتخلي العائلة أو الزوج أو الأب عن مسؤولياته أو عدم وجوده أساساً.
لماذا تغيرت موازين الإنفاق؟ وهل هذا بسبب خروج المرأة إلى العمل؟ أم المرأة خرجت إلى العمل بسبب تغير موازين الإنفاق وبسبب متطلبات الحياة الضرورية المتزايدة والأسعار المرتفعة؟