لم تيأس فرنسا، لم تعبر عن نفاد صبرها. ما زالت تحاول أن تتفادى الكارثة التي يمكن ان تلحق بلبنان إذا جرى اعتماد خيار المواجهة مع دمشق وحلفائها اللبنانيين، كما أوحت واشنطن الاسبوع الماضي، فأحرجت الموالاة اكثر من المعارضة التي اعلنت حالة التعبئة القصوى، واستعدت لما هو اسوأ من تعطيل الحياة السياسية والدستورية اللبنانية.

الارجح ان خيار واشنطن الجديد الذي عبر عنه الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندليسا رايس كان بمثابة نجدة اميركية متأخرة، وغير مقنعة، للمساعي الفرنسية الهادفة الى اخراج الجمهورية اللبنانية من حالة الفراغ والفوضى.. والتي يبدو ان الادارة الاميركية لا تود استبدالها او تنحيتها جانبا، بل هي لا تزال تعتبرها بديلا من أي دبلوماسية اخرى، عربية كانت او دولية، يمكن ان تتوسط بين الفرقاء اللبنانيين.

بكلمة اخرى، كانت المبادرة الفرنسية تترنح تحت وطأة ضغوط المعارضة وشروطها، فساهم الموقف الاميركي الى حد ما في ايقافها على قدميها، وفي اكسابها دفعا جديدا تعززه تحذيرات البيت الابيض الموجهة الى سوريا ونظامها، والتي لم يسبق لها مثيل منذ بداية الازمة اللبنانية الراهنة.. الامر الذي يفترض الاميركيون انه يمكن ان يوسع هامش الحركة امام الفرنسيين ويزودهم بأدوات اضافية للضغط على دمشق، كما يعرض على السوريين انفسهم خيار التسوية او المضي قدما في المواجهة حتى النهاية.

ولا شك ان أداة الضغط الرئيسية التي لوح بها الاميركيون حتى الآن وعرضوا على الفرنسيين استخدامها هي المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي خرجت فجأة من ادراج المماطلة في الامم المتحدة ولجانها وصار من المحتمل ان تبصر النور وربما تباشر عملها في الاسابيع القليلة المقبلة.. اذا لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية قبل حلول شهر شباط على ابعد تقدير!

عدا ذلك، لا يمكن التكهن في المدى الذي قد تبلغه واشنطن في حملتها المستجدة على دمشق، لا سيما في ضوء حذر فريق الاغلبية ورفضه اقتراح بوش اجراء الانتخابات الرئاسية بالنصف زائدا واحدا، الذي يعكس رغبة عن تفادي حصر المواجهة الاميركية السورية في الجبهة اللبنانية.. لا سيما في ضوء موازين القوى العسكرية والامنية التي كانت ولا تزال تميل لمصلحة قوى المعارضة.

الكل يعرف ان المحكمة ليست أداة ضغط بل هي عامل تفجير، اختاره الاميركيون بخفة متناهية، تعادل الخفة التي حث فيها الرئيس بوش فريق الاغلبية على انتخاب الرئيس ميشال سليمان بغالبية النصف زائدا واحدا.. وذلك استنادا الى احساسهم بأن مشكلاتهم العراقية والايرانية والفلسطينية تراجعت الى حدود باتت تسمح لهم بفتح الملف السوري واللبناني، وتحديد مهلة زمنية تستمر شهرين لاختبار قناة الاتصال الفرنسية.

جددت باريس التزامها بالتوسط، وواشنطن تعهدها بالضغط من بعيد. بقي ان تسمع العاصمتان ما ستقوله دمشق.. التي لم تعلن كلمتها الاخيرة بعد، في امر كانت ولا تزال تعتبره شأنا داخليا سوريا.

مصادر
السفير (لبنان)