بعد احتكاك العالم الإسلامي مع الغرب " المسيحي" خلال القرنين الأخيرين، وتعرضه للاحتلال من قبل الدول الغربية المختلفة البريطانية والفرنسية والايطالية ذات التراث اليهودي - المسيحي، أدركت النخبة المثقفة في العالم الإسلامي حجم التخلف والانحطاط الذي كان يعيشه ولا يزال هذا العالم المطبوع بطابع الثقافة الإسلامية، وذلك على مختلف الأصعدة العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان من الطبيعي أن تنشأ حركة واسعة للمطالبة بالتحديث والاقتباس من التجربة الحضارية الغربية لاسيما النزعة النقدية الحرة والجريئة للنصوص المقدسة وبلورة نظريات وأفكار وأيديولوجيات حديثة متحررة من ثقل الماضي ومتمردة على سطوة رجال الدين والكهنة المتمثلة بالكنيسة وزعامتها الدينية المهيمنة على السلطة السياسية التي مارست أقسى وأبشع أعمال العنف الوحشية بحق المفكرين والفلاسفة والعلماء لاسيما في فترة محاكم التفتيش، ولكن الموقف من الحداثة داخل العالم الإسلامي لم يكن متشابهاً ، فبينما أخذ البعض يدعو للارتماء في أحضان الحضارة الغربية بشكل كامل، إلى درجة التخلي عن الإسلام، كان البعض الآخر يدعو الى اقتباس ما هو خير وجميل ومفيد، وترك مساوئ الحضارة الغربية، وخصوصا على مستوى الفكر والثقافة والعلاقات الاجتماعية والجنسية بين الجنسين، في حين انطوى بعض المسلمين على أنفسهم ورفضوا أي تحديث أو إصلاح يأتي من الغرب.وبالمقابل ابتعد الغرب عن الإسلام الذي أخذ منه كل شيء في فترة الازدهار والتقارب لاسيما في الأندلس وغرناطة واطلاعه على مؤلفات إبن رشد وإبن سينا والفارابي والفلسفة اليونانية التي ترجمها العرب والمسلمون،وأفول تألق العالم الإسلامي وخضوعه لغزوات المغول والتتر وسقوط بغداد والأندلس وعودة الإسلام اليوم بثوب الظلامية والعنف والكراهية والتفجيرات والقتل والحقد على الغرب والخوف منه مثلما صار الغرب يخاف بدوره من هذا الدين المعادي والمتعصب .

من مفارقات حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 أنها لم تخلق فضولاً لدى الرأي العام الغربي لمعرفة أعمق بالإسلام والمسلمين فقط فحسب، بل وفي نفس الوقت تكريس اللغة المتخشبة المستخدمة لدى البعض ـ مسلمين وغربيين ـ بإسم تفادي الخلط المزعوم بين الإسلام الجيد أو المعتدل الذي تعتنقه غالبية المسلمين في العالم "المخلصين والمطبقين لتعاليم القرآن الصحيحة"، والأقلية المتطرفة المنحرفة عن الخط الصحيح للإسلام "التي خانت النص المقدس"، والمعتنقة للإسلام المتطرف والمتشدد، وهي اللغة أو الخطاب الذي يسعى جاهدا ليثبت إن الإسلام لايطرح أية مشكلة أسوة بالأديان السماوية الأخرى في الغرب أي المسيحيةواليهودية.

إن هذا الخطاب التوفيقي أو هذا الخط التبريري مهما كانت نواياه الحسنة، يدعم التساؤلات المحرمة بدلاً من أن يضعفها. وأول هذه التساؤلات المحرمة هو: " هل للإسلام دور، وهل يتحمل جزء من المسؤولية في الوضع الذي تعيشه المجتمعات والبلدان الإسلامية اليوم ـ كغياب الحريات، وانعدام الديموقراطية وحرية التعبير،ووضع المرأة المتردي ودونيتها، وقمع التعددية السياسية، ومنع التناوب السلمي على السلطة، و وتدني المستوى التكنولوجي، وندرة المجتمعات المدنية المتطورة، وتفشي الأمية، الخ علماً بأن الكثير من دول العالم الإسلامي ليست فقيرة اقتصادياً ولا تفتقد للتاريخ والتراث العريق.والسؤال الثاني : ماهو الموقف الذي ينبغي تبنيه في مواجهة مطالب الإسلام المعاصر، خاصة الشق السياسي أو المسيّس منه، تجاه المجتمعات الغربية التي يتطور ويتكاثر اليوم في أحضانها، خاصة تلك التي تخلصت من ربقة الأديان وهيمنتها كفرنسا ؟ بعد سبع سنوات من الصمت والانشداه إثر حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أغرقت السوق الغربية، وخاصة الفرنسية، بسيل من الكتب التي تتحدث عن الإسلام وتعالج مختلف الموضوعات الحساسة كعلاقة الإسلام بالشمولية والتوتاليتارية والنزعة الاستبدادية والعنف والإرهاب والأممية الإسلامية القتالية أو المعادية للغرب، وغير ذلك من المواضيع والمقاربات المختلفة تبعاً لكتابها ومستوى فهمهم للإسلام، مما يثير سجالاً ونقاشاً حقيقياً وجاداً وصعباً اليوم داخل المجتمعات الغربية تعرضه وسائل الإعلام وتتابعه وتنشره عبر البرامج التلفزيونية والأعداد الخاصة في الصحافة المكتوبة والإنترنيت.وكلها تركز على حالة الجهل والسذاجة التي تؤطّر وتسيطر على أذهان المعنيين بهذا الأمر سواء كانوا مسلمين أوأجانب غير مسلمين. وكلها تتفق على أن " المسألة الإسلامية مطروحة أمامنا"

نظٌم في اسطنبول مؤخراً مؤتمر عن الإسلاموفوبيا أي الرهاب أو الخوف المرضي من الإسلام وتحدث قادة غربيون كالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن ظاهرة الخوف من الإسلام ، ولكن هذه المرة جاءت المقاربة من العالم الإسلامي نفسه لدراسة هذه الظاهرة التي استفحلت في العقدين المنصرمين وتحديداً منذ تفجير الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 . فالقوى والجماعات الإسلاموية المتطرفة والأصولية المتشددة والمتعصبة في العالم الإسلامي وفي الغرب مازالت تشكل تهديداً قوياً ضد ممارسات ومعتقدات المؤمنين المعتدلين وفي نفس الوقت ضد الحريات والقيم الغربية وبدأت تمارس أعمال العنف والإرهاب والتهديد بالقتل ضد من يتجرأ على نقدها أو دحضها أو فضحها خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 التراجيدية التي أضرت كثيراً بالإسلام والمسلمين في كل مكان وحولت الشعوب الإسلامية إلى جماعات متوحشة ومتخلفة وغير متحضرة ومتعطشة للدم والقتل والعنف والإرهاب في نظر الرأي العام العالمي عامة والغربي على نحو خاص لاسيما فيما يتعلق بسلوك الإسلامويين المتعصبين ضد الأقليات غير الإسلامية المتعايشة منذ آلاف السنين مع أخوتهم من المواطنين المسلمين. فعلى مدى القرن العشرين المنصرم حاول العالم الحديث أن يدفن الدين في مقبرة العلمانية وجعله شأناً شخصياً بحتاً بين الخالق والمخلوق لكن ردة الفعل الدينية كانت عنيفة وشهدنا منذ بضعة عقود عودة قوية للعديد من أشكال التعبير الديني والتدين والمظاهر الدينية العلنية المكشوفة والمرئية المتعمدة التي تحدث داخل الفضاء الاجتماعي والأماكن العامة والمؤسسات الرسمية والخاصة متحدية قيم المجتمع المدني العلمانية المحايدة وأصبحت " الصحوة الدينية" ، كما يسميها مؤيدوها، مدرجة في سياق واستمرارية الحياة المعاصرة والأمر يتعلق بالطبع بكافة الأديان السماوية وغير السماوية . وفي الغرب طرحت مشكلة الإسلام من كافة زواياها وبكافة أبعادها وأشكالها لاسيما الإسلام الحركي أو السياسي وبالذات علاقة الإسلام بالمسيحية الشرقية ويؤكد عدد من المنتسبين للمؤسسات الدينية والجهات الدعوية ان الغربيين بعد ان فشلوا في أبعاد المسلمين عن عقيدتهم عن طريق المبشرين والمستشرقين والمؤلفات الثقافية والتضليل الفكري والسياسي الإعلامي ، لجأوا إلى الجهات الرسمية في دولهم وفي دول أخرى ـ وقد بالغ المتشددون من المعارضين لفكرة قيام حوار ديني أو حضاري في تلك المؤسسات الرسمية التابعة للدول والأنظمة إلى حد وصفها بـ "الدول والمؤسسات العميلة" للغرب ـ وشرعوا في عقد المؤتمرات والندوات ، وتشكيل فرق العمل المشتركة ، وتأسيس مراكز الدراسات في بلادهم وبلاد المسلمين ، كمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية ، ومركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة درم البريطانية ، وكلية الصليب المقدس الأمريكية ويعتقد المعارضون أن الدعاة إلى مثل هذا الحوار عادة ما يستعملون ألفاظا عامة ومصطلحات براقة ، تدل على معاني ـ بحسب رأيهم ـ غير محددة ، من اجل التضليل والخداع مثل … التجديد ، الانفتاح على العالم ، الحضارة الإنسانية ، المعارف العالمية ، ضرورة التعايش السلمي ، نبذ التعصب والتطرف ، العولمة وغيرها. ويشير المعارضون لحوار الأديان والحضارات إلى أن الغربيين لجأوا للخلط بين مفهومي العلم والثقافة والحضارة والمدنية ، ليتخذوا من هذا الخلط مسوغا لمهاجمة الذين يتمسكون بوجهة نظرهم في الحياة ، بأنهم ضد العلم وضد المدنية الناشئة عنة ، ووصمهم بالرجعية والتخلف ، مع أن الأمر في الإسلام غير ما يدعون ، فهو يفتح أبوابه للعلم وللمدنية الناشئة عن العلم ، ويغلق أبوابة في وجه أي حضارة أو ثقافة غير الإسلام وثقافته ، لكونهما أفكارا ومفاهيم متعلقة بسلوك الإنسان الذي يجب أن ينضبط بالمفاهيم الإسلامية عن الحياة . كما يرى المعارضون أيضا أن أهل الغرب زينوا بعض الأفكار الرأسمالية للمسلمين ، وسوقوها لهم على أنها لا تخالف الإسلام ، حتى اعتبرها بعض المسلمين أنها من الإسلام ، كالديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية ( التي لا تحمل أفكارا إسلامية ) ، والاشتراكية وغيرها . بينما شنعوا على بعض الأفكار الإسلامية ، ونعتوها بأنها غير حضارية ولا تصلح لهذا العصر ، كالجهاد والحدود وتعدد الزوجات وغيرها من الأحكام الشرعية . ويرى عدد من المراقبين والمحللين أن الغرب ومؤسساته اخضعوا دراسة النصوص الإسلامية لطريقة التفكير الرأسمالية التي تجعل الواقع مصدرا للحكم وليس موضع الحكم كما جعلوا المقياس في اخذ الحكم أو تركه هو النفعية وليس الحلال والحرام ، مما دفع بعض المسلمين إلى استحداث بعض القواعد التي لا تستند إلى نصوص شرعية لفهم الإسلام. فقبل أقل من قرن من الزمن كان الغرب يحتضن المسيحيين فقط وقلة نادرة جداً من المسلمين المتأقلمين مع نمط حياة وقيم الغرب ويعدون على أصابع اليدين في بعض المدن لكن تطور الاتصالات والتقنيات الحديثة وتجسد مقولة مارشال ماكلوهان عن القرية الكونية والانترنيت والفضائيات والهاتف المحمول والهجرة الجماعية للعديد من المؤمنين بالدين الإسلامي والتواجد المكثف لثقافات وحضارات وشعوب وتقاليد مختلفة داخل أراضي الغرب، غير المعطيات بصورة جذرية فهناك حوالي 20 مليون مسلم يعيشون ويعملون ويقيمون في أمريكا وأوروبا وكندا واستراليا ، بل وحتى في اليابان فضلاً عن وجودهم التاريخي في الصين والهند كأقليات لكن نسبتهم تعد بالملايين، وبالمقابل توجد بضعة ملايين من المسيحيين المقيمين في فلسطين ومصر ولبنان والعراق وسوريا والأردن وتركيا من سكان هذه الدول الأصليين . وفي وسط هؤلاء الوافدين على الحضارة الغربية من خارجها تكونت الحاضنة الطبيعية للحركات الإسلاموية ـ السياسية النشطة التي تقاتل باسم الإسلام لتقويض قيم الغرب كما يعتقد مناوئيهم ومن بين هؤلاء ظهر نوعان من الاستشهاد الديني الشيعي والسني أو الموت في سبيل الله الذي يسميه المراقبون الغربيون بالنزعة الانتحارية تحت ذريعة الأمر الإلهي وهو الأمر الذي أنشأ حالة الفزع والخوف المرضي الدائم من كل من له علاقة بالإسلام والمسلمين حتى ولو كان الملبس الخارجي كالحجاب عند النساء أو اللحية الطويلة والجلباب عند الرجال. لقد انبرى عدد من المثقفين والمفكرين والمستشرقين لسبر غور هذه الظاهرة ودراسة قوانينها وأصولها وجذورها التاريخية ومنابعها الاجتماعية والعقيدية والاقتصادية والأيديولوجية والقبلية والعصبية والإثنية وأصدروا الكتب والدراسات الطويلة والمتخصصة إلى جانب المقالات الخفيفة والتبسيطية المبتذلة والساذجة لكي يشرحوا للمواطن الغربي أبعاد ومختلف أوجه ظاهرة الإسلاموية وما يرافقها من عنف وإرهاب وقتل جماعي يمارسه أتباع هذا التيار الأصولي ضد كل من يخالفهم وبالأخص ضد أشقائهم من المؤمنين وأخوانهم في الوطن أي المسيحيين الشرقيين . وبات على المثقف المسلم المطلع على أحوال وتاريخ وثقافة الغرب وكذلك على تاريخ وتراث وثقافة أصله الإسلامي أن يشرح ويدافع ويفند ويكشف الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها الأقلام الغربية الحاقدة والموضوعية على حد سواء.، ويتعين عليه أو يوضح لهم أن النصوص الدينية التي يستند إليها هؤلاء المتطرفون والمتشددون الإسلامويون هي نصوص قابلة للتأويل ولاتعني بالضرورة مايراد منها في الظاهرة أو من مدلولها اللغوي المباشر فهناك في القرآن مثلاً المحكم والمتشابه والباطن والظاهرة والكناية والمجاز والناسخ والمنسوخ حيث أن للدلالة اللغوية أثر عميق في اختلاف المسلمين أنفسهم في أصول الدين وعقائده وتفسير القرآن وتأويله. فطبيعة اللغة العربية كانت وماتزال من أهم أسباب الخلاف في فهم النصوص لاسيما وإن القرآن حمًال أوجه كما قال الإمام علي وكما قال العالم الحسن البصري في معرض بيانه لسبب ضلال البعض وانحرافه عن الحق:" أهلكتكم العجمة، تتأولون القرآن على غير تأويله" ففي القرآن هناك آيات تحث على القتال والجهاد مثل سورة التوبة" "السورة الثانية الآية 116،والآية 154،والسورة الثالثة الآية 157 والآية 169 والسورة الرابعة الآية 74 والسورة التاسعة الآية5 والآية 29 والآية 41 والآية123 والآية 111 والسورة الثامنة الآية 39 والآية 68 والسورة 47 الآية 35 ،وإلى جانبها توجد في القرآن سور وآيات تدعو للسلام والمحبة والتعايش والتسامح وعدم الإكراه والفرض القسري مثل الآية 256 من سورة البقرة لا إكراه في الدين ،أو الآية 125 من سورة النحل أو الآية 29 من سورة الكهف أو الآية 99 من سورة يونس الخ .بالمقابل برزت أصوات تنادي بإلحاق المسلمين وإدماجهم في النسق الحضاري السائد في الغرب بدءا من الاقتصاد والاجتماع وانتهاءاً بالسياسة والتعليم وغيرها . فالرأسمالية -على حد زعم الغربيين - هي الإنسانية والعقلانية والحرية والديمقراطية ، وهي الحضارة الحديثة الناجحة ، أما الإسلام ، فهو التقليد والاستبداد والتراث ، وهو سيادة الدين والرق وتعدد الزوجات ، فهو بذلك دين غير حضاري . بيد أن الرأي العام الغربي بغالبيته الساحقة وعدد لايستهان به من الأقليات الإسلامية المقيمة في الغرب ، خاصة الأجيال الشابة التي ولدت وترعرعت وتربت ودرست وتعلمت في الغرب ، تجهل هذه التفاصيل والخصوصيات المتعلقة بالإسلام وتاريخه وصراعاته وانقساماته الداخلية والأيديولوجية بل إن الغرب كان يجهل ويتجاهل وجود الإسلام والمسلمين بالقرب من حدوده القريبة منه في أوروبا والبعيدة عنه في أمريكا واليابان. لقد استيقظ الغرب فجأة من سبات عميق على هول الصدمة التي أحدثتها تفجيرات الحادي عشر من أيلول سنة 2001 وذلك بفضل الآلة الإعلامية الجبارة التي إتقن استخدامها وتطويعها لأغراضه وخططه الاستراتيجية وحروبه النفسية والحقيقية الميدانية . لقد برز أمام العالم الغربي مارد أسود كالإعصار المدمر الذي يجرف كل شيء أمامه أطلقوا عليه إسم " الإسلام" وقدمته وسائل الإعلام على أنه العدو الجديد والأخطر الذي حل محل الشيوعية العدو السابق " للعالم الحر. هناك إذن خطاب روجته الآلة الإعلامية الغربية الضخمة والجبارة ورسخته في عقول وأذهان الناس ولابد من العمل على تنظيف تلك الرؤى القذرة التي عششت في رؤوس العامة في الغرب ولابد من إجابات صريحة وواضحة ووافية لكثير من التساؤلات من قبيل :

لولا الإسلام لما كان هناك أسلامويون ولولا الإسلامويون لما كان هناك إرهابيون ولولا الإرهابيون لما كان هناك إرهاب وعنف

الإسلام دين من الماضي ولايصلح إلا للزمن الماضي ولايرقى لمصاف الحضارة الغربية المعاصرة وما حققته من تقدم ونمو فهو ضد العقلانية وضد الحرية وضد الديمقراطية وضد حقوق الإنسان وضد حقوق المرأة وضد العلم وهو باختصار دين ميتافيزيقي .

الصراع طويل ودامي ومصيري بين الغرب العقلاني أو المادي والشرق الروحاني أو المثالي وهو صراع أو صدام حضارات حسب أطروحة صاموئيل هينتنغتون .

الدين شأن شخصي بحت بين الخالق والمخلوق وإذا حاد عن هذا السياق سيتحول إلى شأن جماعي أي سوف يتماه مع مفهوم السلطة والسياسة وبالتالي سيكون لا محالة عبارة عن عمل ونشاط سياسي بالمقام الأول.

الأصولية أو السلفية هي عبارة عن قراءة خاصة ومتشددة للدين وأن الاعتدال بنظر المريدين في التيار السلفي ما هو إلا خروج على النص المقدس وخرق أو انتهاك وخيانة لسيرة السلف حسب ما تردده بعض القوى السلفية والتكفيرية.

الأصولية القتالية أو النزعة الجهادية كما يروجها أتباعها ما هي إلا عبارة عن قراءة شمولية توتاليتارية للدين.

تمارس الميليشيات الإسلاموية المسلحة ( السنية والشيعية على السواء) أعمال عنف وبطش وقتل ضد السكان المدنيين الأبرياء العزل وتفرض عليهم نمط حياة وأخلاق وسلوك بالقوة والقسر لاسيما في المناطق التي يسيطرون عليها بقوة السلاح تحت ذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذا لمقولة النبي من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فقلبه وذلك أعف الإيمان كأساس منهجي وديني مبرر للنهج التكفيري. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى في إيران وأفغانستان والعربية السعودية والعراق والباكستان ومصر والجزائر وفلسطين .

ترتبط إشكالية العنف بمفهوم الجهاد في الإسلام وسوء تطبيقه وفهمه مما خلق هوة عميقة بين مبادئ الإسلام وسلوكيات المسلمين عامة والإسلامويين على نحو خاص وبالرغم من تحريم قتل النفس البشرية إلا أن المسلمين في كل مكان ينتهكون هذه القدسية للحياة الإنسانية وينتهكونها في كل مكان وباسم الدين ويبيحون القتل والتعذيب حتى أصبح عندهم عادة وممارسة يومية عادية كشرب الماء وتنفس الهواء كما يعتقد الغربيون فكيف يمكن تغيير هذه النظرة السوداوية لديهم والواقع اليومي في كل مكان في العالم الإسلامي يؤكد لهم صدقيه وصحة تصوراتهم كما لمسوا ذلك من خلال التعامل مع المسيحيين العرب ؟ وهل يمكن إدانة العمليات الجهادية مهما كان سبب شنها واعتبارها أعمال انتحارية وقتل مجاني محرمة بدلا من اعتبارها أعمال استشهادية؟

ففي المخيال الشعبي الغربي نجح أسامة بن لادن على سبيل المثال أن يزرع صورته وعلامته المميزة في رأس المواطن الغربي مقرونة بالخوف الذي يتولد عنه الحقد والكراهية لاسيما من خلال استغلاله لوسيلة الصورة التلفزيونية مجسداً في لاوعي المواطن الغربي موطن ورمز الشر مما يهيئ أرضية ممهدة ومعبّدة للتيارات المتطرفة في الغرب لتتقدم أكثر فأكثر في تدعيم تلك النزعة الشعبوية واستنفار الشارع الغربي ضد كل ماهو أجنبي وغريب خاصة إذا كان إسلامي.

وهناك تساؤلات أخرى ذات منحى فلسفي وكلامي ووجودي يتعلق بعضها بعلاقة الدين بالعلم الحديث وما بينهما من مواقف ونظريات عن الخلق وعمر الإنسان والكون والطوفان والتاريخ وشخصياته والعلاقة بالأسطورة والخرافة والمعتقدات البدائية ما قبل الدينية التي يحرم الإسلام السياسي الإسلاموي التعرض لها أو مناقشتها والبحث فيها.

الإسلام السياسي الراديكالي والتكفيري تجاوز جميع الخطوط المسموح بها والمقبولة ضمن معايير التسامح المتعارف عليها دولياً مما دفع بآلاف المسيحيين العرب لطلب الهجرة وترك بلدانهم الأصلية التي طغى عليها النهج التكفيري والتي عاشوا فيها منذ القرن السادس قبل ظهور الدعوة المحمدية في بلاد العرب ويتجاوز تعدادهم اليوم في المهجر بضعة ملايين مسيحي شرقي معجونين بالتراث الشرقي والتقاليد الشرقية ونمط الحياة الشرقية البحتة ويصعب عليهم التأقلم والاندماج مع النمط المسيحي – الغربي المشبع بالعقلانية والتيارات العلمانية ولذلك صاروا يشكلون عبئاً على عاتق المجتمعات الغربية التي تأويهم اليوم. فقضية المسيحيين الشرقيين هي قضية حضارية قبل أن تكون دينية كما عبر عنها ريجيس دوبريه في المؤتمر الذي نظمه المعهد الأوروبي لعلوم الأديان الذي يرأسه دوبريه في باريس حين قال في كلمته :" إن مستقبلنا مرهون بكم" وهو يخاطب وفود المسيحيين الشرقيين في المؤتمر الذين جاءوا ليعبروا فيه عن قلقهم على مستقبلهم داخل البلدان العربية والإسلامية بعد أن كانوا القناة التي تربط الماضي الإغرقي والحاضر الإسلامي عبر الترجمة والمحفز والجسر للحداثة والعصرنة العربية في مرحلة النهضة وهم يعيشون في مهد المسيحية الأصلي الذي تحول إلى أرض الإسلام بعد الفتوحات سواء في فلسطين أو مصر أو العراق أو بلاد الشام أو تركيا أو الباكستان وليسوا دخلاء عليها.

الخوف هو السمة الطاغية على مسيحيي الشرق والخوف نابع أساساً من أطروحات الإسلام السياسي الراديكالي الأصولي أو السلفي . فالأصولية الإسلاموية الراديكالية تحولت من مجرد تيار سياسي هامشي إلى ثقافة ونمط تفكير وسلوك وطريقة عيش ونهج يومي وحياتي كما يعتقد المحللون من الوسط المسيحي الشرقي وهم يراقبون المشهد الحياتي في الشارع والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام وفي مظاهر الحياة اليومية التي باتت تسلبهم حقوقهم في المواطنة المتساوية مع المواطنين المسلمين ويخافون من مخاطر إرغامهم على العيش في إطار نظام أهل الذمة الذي كان سائداً في عهد الخلافة الإسلامية.ولقد تنبأت الكاتبة الفرنسية الحاقدة آني لورنت "بأن المسيحيين في العالم الإسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الإسلاموي المتطرف عليهم" حيث تكهنت هذه الكاتبة في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 طغيان النزعة الإسلاموية المتطرفة والمتشددة سياسياً ودينياً على العالم الإسلامي وفرض الرؤية التكفيرية ضد غير المسلمين وضد المسلمين المعتدلين حيث ستسود الرؤية الظلامية التكفيرية محل الأيديولوجية الإلحادية أو المادية التي سادت القرن العشرين المنصرم وإن الملايين من المسيحيين سيموتون بعنف وبوحشية بسبب إيمانهم بالمسيح ومعتقداتهم المسيحية خلال سنوات القرن الواحد والعشرين القادمة " . إن هذا الرهاب الأعمى بات ينتشر بزخم متزايد من خلال العديد من مواقع الانترنيت والفضائيات الدينية المسيحية المتعصبة وحلقات النقاش والندوات والكتب والمجلات التي لاتعد ولاتحصى والبرامج التلفزيونية عبر الفضائيات التي تملكها مؤسسات مسيحية في الغرب . فكيف وصل الغرب إلى هذا المنحدر الوضيع الذي يناقض مبادئه في التسامح والحرية وحقوق الإنسان وخضع إلى خطاب يهيمن عليه الحقد والخوف حيث استقال العقل والمنطق السليم والتأمل النقدي في دروس التاريخ والتفكير الفلسفي الجريء والحر وفكر النهضة والتنوير والنزعة التعددية والنقدية والنقد السياسي ونقد النصوص اللاهوتية بحرية وتنازل أمام الرؤية الأحادية والمسلمات الجامدة والبديهيات الماضوية ونزعة الحقد والاحتقار والتعالي والهيمنة والعجرفة والعنصرية والتفوق العنصري الغربي على العرب والمسلمين المتخلفين كما عبر عنها بزلة لسان صريحة ومباشرة وبلا مواربة رئيس الوزراء الإيطالي السابق برليسكوني، وعودة شبح المقولة القديمة التي تعود إلى أجواء الحروب الصليبية والقائلة بأن الغرب اليهو ـ مسيحي مهدد بقيمه ووجوده بالزحف الإسلامي.

وباختصار يخاف الإسلامويون من سطوة الغرب وحضارته وبالأخص المسلمون المقيمون في ديار الغرب الذين يخافون على الإسلام من الاندثار أو التماهي مع مظاهر الحياة الغربية وقيمها وتحوله إلى مجموعة من الشعائر والطقوس الفلكلورية وبالمقابل يخاف المسيحيون الشرقيون المقيمون في ديار الإسلام من الإسلام على مسيحيتهم وتراثهم ومعتقداتهم من أن تندثر أو تتحول إلى مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية أيضاً. فكيف يمكننا الخروج من ثنائية الخوف هذه؟ الحل هو العيش في أنظمة ديموقراطية علمانية حديثة ومتطورة ومتسامحة يمارس كل شخص أو فئة فيها حياته ومعتقداته بحرية وبلا خوف .فالأمر يحتاج إذن من جانب العالم الإسلامي القيام بخطوات جادة في نقد التراث وتحليله والتركيز على النص القرآني في محاولة لتقديم " تأويل علمي أو فهم موضوعي للإسلام " يختلف عمّا تقوم به وتمارسه وتوظفه الجماعات الدينية التقليدية المتشددة . لهذا فعلى الباحث الإسلامي المعاصر والنزيه أن يحارب على مستوى الرمز حيث يتعين عليه أن يسعى إلى تطويع البناء الرمزي الذي يتحصن بداخله الأصوليون ، وكذلك على مستوى الواقع إذ يتوجب عليه أن يعمل على نزع المشروعية عن تحركاتهم ومشاريعهم للإستيلاء على السلطة السياسية بغية فرض المفهوم التقليدي قسراً وبكل وسائل القوة على المجتمع العربي ـ والإسلامي . وهذا ما يفسر حدة الصراع القائم بين الرؤية التجديدية الحديثة للدين والرؤية السلفية التقليدية والأصولية المتشددة والمتعصبة المرتبطة بماضي خيالي ووهمي متخيل أضفت عليه مسحة المثالية والعصمة، بعبارة أخرى المطالبة بتغيير روح الدين و أقلمتها مع روح العصر و تحديث مبادئ الدين الإسلامي في الأصول والفروع.وفي مقابل ذلك بات من الواجب الذي لامهرب منه على المثقف الغربي المناهض لهذه النزعة العنصرية المقيتة ضد الإسلام والمسلمين أن يخرج من عزلته ويكسر طوق صمته وينزل لساحة النقاش العام والعلني عبر وسائل الإعلام ذاتها ليثبت خطأ وخطورة مثل هذا الخلط والتعميم بين الإسلام وبعض الأفراد المتشنجين من داخله الذين يمارسون نشاطاتهم المرفوضة والمدانة باسمه مما ينعكس سلباً على كافة المسلمين المقيمين في الغرب وخارجه. وكذلك تقع المسؤولية على عاتق وسائل الإعلام التي يجب أن تضع حدوداً ومعايير صارمة وجادة لمنع انتشار وشيوع مثل هذه الظاهرة المنافية لأبسط حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب طيلة قرون. لقد ربطت وسائل الإعلام صورة الإسلام في الغرب بالعنف، وهناك ثلاثة عناصر مركزية تكوّن هذه الصورة. يرجع العنصر الأول إلى مئات الأعوام عندما وسم الإسلام في أوروبا بطابع توسعي لا يتوانى عن اللجوء إلى العنف لتحقيق غاياته وحيث كان الإسلام دين العرب ((حاملين الخناجر بين أسنانهم)). العنصر الثاني هو التفسير المرتبط مباشرة بالاستعمار. فبريطانيا وفرنسا كانتا تصفان كل من يحارب استعمارهما في الجزائر او مصر او في غيرهما ((بالإرهابي)). وما يزال استغلال هذه العبارة سارياً حتى اليوم. فروسيا تقول للعالم أنها تواجه إرهابيين في الشيشان. وبعد 11 أيلول وجدت كل الدول من روسيا فلاديمر بوتين إلى الحكام الديكتاتوريين العرب وصولا الى إسرائيل، فائدة كبيرة في وصف خصومها بالإرهابيين أو ((بالإسلامويين)) ما يوفر لها حرية كاملة في قتلهم وتعذيبهم والتنكيل بهم من دون أية بادرة احتجاج. والعنصر الثالث يتمثل باستناد الإرهابيين إلى نصوص مقدسة من القرآن والسنة لتبرير وشرعنة أعمالهم الإجرامية الأمر الذي يمنح الخطاب الإعلامي المناهض للإسلام والمسلمين بعض المصداقية في طروحاته في نظر الرأي العام الغربي.