يدور الحديث الأن عن قرب إتمام صفقة لتبادل أسرى فلسطينيين بالجندي الاسرائيلي الأسير غلعاد شاليط، وحمى الاستيطان تجتاح مدينة القدس، وبناء ألاف الوحدات السكنية، وانتهاء أعمال مؤتمر باريس الاقتصادي بتقديم وليمة دسمة للفلسطينيين، وتوقع فشل جولة المفاوضات الثانية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

والحديث عن تناقض في تصريحات المسؤولين في حركة حماس والحكومة الإسرائيلية، عن قرب التوصل الى تهدئة شاملة، تنفيه مصادر صحافية كشفت ان حركة حماس اتخذت قراراً بهدف التوصل الى تهدئة شاملة مع الدولة العبرية في قطاع غزة تشمل وقف الصواريخ والهجمات في مقابل وقف الاعتداءات الإسرائيلية ورفع الحصار الخانق عن القطاع.

يأتي ذلك في ظل حالة القلق التي تسود الشارع الفلسطيني من استمرار الانقسام والفصل بين الفلسطينيين، وتزايد سقوط عدد الشهداء و التوغلات اليومية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، والتهديد الاسرائيلي القائم بتنفيذ عملية واسعة في القطاع، والأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، من غلاء فاحش في الأسعار وغياب الرقابة عليها، والأحداث التي شهدها القطاع خلال الأشهر الماضية من انتهاكات لحقوق الإنسان، من اعتقالات واعتداءات بالضرب على بعض المعتقلين على إثر إحياء ذكرى الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعلى خلفية وقوع التفجيرات الداخلية ضد أهداف تابعة لحماس وحكومتها.

خلال الأشهر الستة الماضية منذ سيطرة حماس على القطاع بالقوة، ارتكبت الشرطة والأجهزة الأمنية التابعة لحماس وكتائب عزالدين القسام، انتهاكات جسيمة وخطيرة ضد المئات من الفلسطينيين من أعضاء حركة فتح وأنصارها، ضد الصحافيين، ووقعت اشتباكات مسلحة عنيفة ودامية بين عدد من العائلات، والشرطة، و بين حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وصلت حد الاشتباكات في داخل بعض المساجد ومحيطها كما جرى في مدينة غزة، و خانيونس، ومقتل عدد كبير من المواطنين، وأفراد من الشرطة. وقتل مواطنين سواء في مراكز التحقيق أو في ظروف غامضة، ولم تقم الشرطة في حالات عديدة بتطبيق القانون في الاعتقالات بل نفذت العديد من حالات الاختطاف وسجل عدد كبير منها ضد مجهولين.

وعلى رغم من قيام حركة حماس بتشكيل عديد من لجان التحقيق حول تلك الانتهاكات الخطيرة التي وقعت في القطاع إبان فترتي الحكومتين العاشرة والحادية عشرة الا انه حتى الان لم تعلن عن نتائج التحقيق باستثناء عدد محدود جداً، يتعلق بأحداث فردية ومحسوم الأمر فيها، ولا تمس بأي شكل من الأشكال حركة حماس والأجهزة الأمنية التابعة لها ولحكومتها، حركة حماس حتى الان لم تقدم تجربة رائدة في الحكم الصالح والرشيد ولا تزال تستطيع القيام بذلك من خلال المحاسبة العلنية والشفافية.

كثيرون أعربوا عن تخوفهم من استفراد حماس بالسلطة، وإقصاء الأخر، خاصة المثقفين والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، ورأى عدد منهم أنها لن تستطيع أن تتصرف بحكمة في إدارتها لشؤون الناس.

رئيس الوزراء إسماعيل هنية أعلن خلال احتفال حركة حماس بالذكرى العشرين لانطلاقها عن مفاجأة سوف تسعد الفلسطينيين، وكانت المفاجأة هي إعلانه عن تمكن الأجهزة الأمنية من الكشف عن قتلة الدكتور حسين ابو عجوة، عضو المكتب السياسي للحركة، والذي قتل خلال فترة الاقتتال الداخلي. في المقابل لم يعلن هنية عن تمكن الأجهزة الأمنية من الكشف عن مقتل أطفال بعلوشة الثلاثة الذين قتلوا فترة حكم الحكومة العاشرة، والعديد من الجرائم الخطيرة التي ارتكبت خلال فترة الاقتتال أو الفترة الحالية التي تسيطر فيها حماس على القطاع.

كثيرة هي لجان التحقيق التي شكلتها حركة حماس وحكومتها، ولم تعلن حتى الان عن نتائج أي من تلك اللجان، وعلى رغم من ان حماس كانت في السنوات الماضية أكثر جرأة وأعلنت عن اعترافها بعدد من الأخطاء التي ارتكبها عدد من أعضائها عندما قتل احد الاشخاص في الضفة الغربية واعتراف السيد حسن يوسف بذلك، الا أنها وبعد سيطرتها على القطاع واستفرادها بالسلطة لم تقم حتى الان بالاعتراف بأي من الأخطاء التي ارتكبتها.

بعض المصادر في حماس تذكر انه تم اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية " السرية" بحق العديد من أعضائها الذين ارتكبوا أخطاء كما تصفها مع ان هذا الوصف لا ينطبق على الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت ومست بحقوق الإنسان الفلسطيني، وعلى حركة حماس ان تعترف بصراحة ان تلك ليست أخطاء بل خطايا، وجرائم يحاسب من ارتكبها من خلال القانون.

طالما وافقت حماس ان تدخل العملية الديمقراطية وتشارك في النظام السياسي الفلسطيني، فعليها ان تمارس دورها كحكومة وليس فصيل مقاوم أو فصيل سياسي كباقي الفصائل خارج الحكومة. حماس وحكومتها في غزة لن تستطيع إقناع المواطنين أو مؤسسات حقوق الإنسان أنها قامت بمحاسبة من ارتكبوا انتهاكات مست بحقوق الإنسان من دون إعلان أسماء والمحاسبة العلنية والشفافة، حسب ما ينص عليه القانون، ولن تكتمل المحاسبة من دون الشفافية بالإعلان عن أسماء مرتكبي الانتهاكات والاعتداءات، كي يكونوا عبرة لغيرهم، وحتى يشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم في حق المواطنين بعيداً عن سيادة القانون.

المسؤولية لا تقع على عاتق الشرطة فقط، والاعتداءات التي تنفذها، ليست أخطاء فردية تستحق الاعتذار أو المحاسبة الداخلية من دون الإعلان عن مرتكبي تلك الانتهاكات، فالمسؤولية تقع على عاتق الحركة وقيادتها والحكومة.