هل ستنضم فترة حكم الإدارة الأميركية الحالية - تحت قيادة الرئيس الأميركى جورج بوش - إلى سابقتها من الفترات السيئة التى مرت بها الولايات المتحدة تحت حكم بعض الرؤساء السابقين، والذين أدت سياساتهم إلى أزمات كبيرة وكثيرة مرت بها الولايات المتحدة؟ إجابة هذا السؤال كانت محل اهتمام وسائل الإعلام الأميركي هذا الأسبوع، التي حفلت بمناقشة المخالفات الكثيرة التى ارتكبها الرئيس بوش، والتى كان لها نتائج كارثية على الولايات المتحدة.

بوش . أخطاء كثيرة دون مساءلة

انطلقت الافتتاحية التى نشرتها صحيفة النيويورك تايمز New York Times مؤخرا من أن الرئيس الأميركى جورج بوش قد ارتكب الكثير من الأخطاء التى أضرت كثيرا بأجهزة المخابرات الأميركية باسم الحرب على الإرهاب، واعتبرت الصحيفة أن الكونغرس قد ساهم بسلوكه فى تبرير الأخطاء الكثيرة التى ارتكبها الرئيس طوال سنوات حكمه، والتى اتسمت بانتهاك الكثير من الحقوق المدنية للمواطن الأميركى بالتصنت على مكالماته التليفونية، وتحويل عملاء المخابرات إلى جلادين، يمارسون التعذيب فى سجون غير قانونية.

ومن ناحية أخرى اعتبرت الافتتاحية أن الفرصة قد سنحت لتصحيح الأخطاء الكثيرة التى وقعت فيها الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس الأميركى جورج بوش بفوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية داخل الكونغرس الأميركى بمجلسيه الشيوخ والنواب ، ولكن فى نفس الوقت عبرت الصحيفة عن تخوفها من ظهور العديد من المؤشرات التى تشير إلى فشل الأغلبية الديمقراطية فى القيام بهذا الدور.

ثم بعد ذلك استعرضت الصحيفة أهم الحالات التى ارتكبت فيها الإدارة الأميركية الكثيرة من الأخطاء والمخالفات القانونية والتشريعية ، فكان أولها أن الإدارة سمحت لوكالة الأمن القومى بمراقبة المكالمات التليفونية الدولية للمواطنين الأميركيين، فضلا عن تتبع ومراقبة رسائل البريد الالكترونى الخاصة بهم دون الحصول على إذن قضائى مسبق.

فكان من نتيجة ذلك أن شهدت الساحة السياسة الأميركية صراعا أو بالأحرى حرب تكسير عظام بين الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطى ، الذى حاول أن يجهز نفسه بقوة للاستحقاق الانتخابى الرئاسى فى العام 2008 ، وكان الكونغرس احد هذه الساحات التى شهدت صرعا حاميا بين الإدارة والأغلبية الديمقراطية. وكان من أهم موضوعاتها تعديل قانون Foreign Intelligence Surveillance Act لعام 1978 (والذى يؤكد على ضرورة الحصول على إذن قضائى قبل القيام بأى عملية مراقبة لمكالمات ومراسلات المواطنين الأميركيين) ، هذا القانون كان قد تم الانتهاء من العمل به فى فبراير الماضى ، وكان المطلوب تعديله وتطوير من اجل تمديد العمل به. وقد حاولت الأغلبية الديمقراطية فى هذا الخصوص إجبار الرئيس جورج بوش على الالتزام بالقواعد والإجراءات التى يفرضها هذا القانون ، فضلا عن تطوير هذا القانون ليواكب التطورات الجديدة التى أحدثتها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية. وبالفعل تم إقرار القانون فى الصيف الماضى ، ولكن بصورة جعلت الأمور أكثر سهولة للرئيس الأميركى للتجسس على المواطنين.

الكونغرس لا يقوم بدوره

أما ثانى هذه المخالفات فهى موضوعات التحقيق مع المعتقلين والوسائل المستخدمة فى هذا الشأن ، والتى تضمنت وفقا لما ذكرته التقارير الإعلامية وسائل تعذيب شديدة الوحشية ، تنتهك الحقوق المقررة للمعتقلين وفقا للقانون. حيث لفتت الافتتاحية النظر – فى هذا الخصوص - إلى قرار تخلص الإدارة الأميركية من شرائط التسجيلات المتعلقة بالتحقيق مع اثنين من ابرز معتقلى تنظيم القاعدة فى معتقل جوانتانامو ، حيث تشير التقارير الإعلامية إلى أن عملاء المخابرات الأميركية قد استخدموا أساليب شديدة الوحشية فى التحقيق مع السجناء فى المعتقل ، وان قرار التخلص جاء من اجل حماية هؤلاء العملاء أو حماية رؤسائهم ، ومرة أخري – كما تشير الصحيفة – يلعب الكونغرس دورا فى السماح للإدارة الأميركية بارتكاب المزيد من المخالفات القانونية والدستورية ، حيث اقر الكونغرس قانون Military Commissions Act فى عام 2006 ، هذا القانون سمح للرئيس بوش بإنشاء ما يعرف بـ kangaroo courts ، لمحاكمة معتقلى جوانتانامو أمامها ، أيضا أعطى هذا القانون الحق للرئيس الأميركى فى خرق اتفاقية جينيف عن طريق السماح له بإصدار المزيد من إجراءات التحقيق السرية ، والتى استخدمها عملاء المخابرات فى التحقيق مع المعتقلين.

وتأتى بعد ذلك الحالة الثالثة التى كشفت الأخطاء الكثيرة التى ارتكبتها الإدارة الأميركية ، وتتمثل هذه الحالة – طبقا لما ذكرته الصحيفة – فى سوء استغلال المخابرات الأميركية لتحقيق أهداف معينة تبتغيها إدارة بوش ، هذا الاستغلال السيئ ظهر جليا فى تقرير المخابرات ، والذى صدر مؤخرا عن القدرات النووية العسكرية الإيرانية ، حيث أوضح أن إيران قد أوقف أنشطتها النووية العسكرية من عام 2003 ، الأمر الذى أثار العديد من الأسئلة حول مدى مصداقية التصريحات التى أدلى بها الرئيس جورج بوش بشأن احتمال قيام حرب عالمية ثالثة إذا ما سمح العالم لإيران بامتلاك قدرات نووية عسكرية. وذكر هذا التقرير الأميركيين بالأسباب التى أعلنتها الإدارة الأميركية كمبرر للحرب على العراق ، والتى تعلقت فى جانب كبير منها بالتخلص من الأسلحة النووية التى امتلكها صدام حسين كما زعمت الإدارة وقتئذ. وعندما ظهر كذب هذه الادعاءات أشارت الجريدة إلى أن الكونغرس من المفترض انه قد بدأ تحقيقا فى هذا الشأن منذ عامين ، ولم تفلح هذه التحقيقات فى الانتهاء من إعداد تقرير حول هذا الأمر ، حتى بعد أن سيطر الديمقراطيون على الكونغرس لم تستطع لجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ من إعداد التقرير ، مما يعنى أن الأميركيين – على حد وصف الجريدة - مازالوا لا يعلمون ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد أساءت استغلال المعلومات المخابراتية لخدمة أهدافها هى؟ وبالتالى فان فهم – المواطنون - يريدوا أن يعرفوا ماذا يعلم رئيسهم عن إيران والعراق؟

تسجيلات التحقيق مخالفة جديدة

اهتم برنامج American Morning الذى يبث على شبكة CNN بقضية تدمير شرائط التحقيق مع اثنين من ابرز معتقلى تنظيم القاعدة الموجودين فى معتقل جوانتانامو ، حيث أشار البرنامج إلى أن أعضاء لجنة المخابرات فى مجلس النواب أكدوا أن المدير السابق لوكالة المخابرات مايكل هايدن Michael Hayden لم يخبرهم بتفاصيل عملية التخلص من شرائط التحقيق مع معتقلى تنظيم القاعدة ، والتى تم استخدام أسلوب الغمر فى المياه waterboarding فى التحقيق معهم ، كما رفض هايدن Hayden الإفصاح عن مزيد من المعلومات عن ما تسميه الإدارة الأميركية أسلوب أكثر تطورا وتحسينا للتحقيق مع المعتقلين.

وكان هايدن Hayden قد تم استدعائه من قبل الكونغرس لحضور جلسة استماع مغلقة حول تدمير هذه الشرائط التى تمت فى عام 2005.

أما برنامج 360 Degree الذى يذاع أيضا على شبكة CNN ويقدمه اندرسون كوبر Anderson Cooper ، فقد أكد أن هذه التقارير - التى أشارت إلى تخلص الإدارة الأميركية من شرائط التحقيق مع معتقلى تنظيم القاعدة - تكشف كذب التصريحات التى أدلى بها الرئيس بوش حول أساليب التحقيق داخل المعتقلات الأميركية ، حيث أشار الرئيس إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وسلطاتها لم تستخدم أى وسيلة تنطوي على تعذيب أثناء التحقيق مع المعتقلين. هذه التأكيدات أيضا جاءت على لسان المتحدثة الرسمية فى البيت الأبيض دانا برينو Dana Perino ، حيث لفت كوبر Cooper الانتباه إلى أن Dana أشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تستخدم أى وسيلة فى التعذيب خارج إطار القواعد القانونية التى تم إقرارها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، وأضافت برينو Perino أن هذه الأساليب كانت فعالة إلى حد كبير فى منع وقوع أى هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة الأميركية فى الداخل.

أما شبكة CBS فقد كشفت النقاب عن اسم المسئول الذى أمر بالتخلص من شرائط التحقيق ، وذكرت الشبكة أن هذا المسئول هو خوسيه رودريجز Jose Rodriguez.

وعن الأسباب التى دعت رودريجز Rodriguez إلى اتخاذه قرار التخلص من هذه الشرائط ، أشارت الشبكة إلى خوفه من أن تسحب وزارة العدل تأييدها السابق لأساليب التحقيق التى استخدمتها أجهزة المخابرات ، وبالتالى يكون العملاء الذين قاموا بالإشراف على واستخدام هذه الأساليب عرضة للتحقيق معهم وإدانتهم ، وذلك طبقا لما ذكره جون برينانJohn Brennan ضابط المخابرات المتقاعد فى تصريحات خاصة أدلى بها إلى الشبكة .

ومن جانبه اهتم برنامج Face the Nation الذى يقدمه بوب شيفر Bob Schieffer على شبكة CBS بمحاولة الكشف عن الأسباب التى دعت إلى التخلص من هذه الشرائط ، حيث أشار إلى تصريحات مايكل هايدن Michael Hayden والتى أكد فيها أن التخلص من هذه التسجيلات تم من اجل الحفاظ على هوية عملاء المخابرات ، فى حين أكد شيفر Schieffer أن مصدر متطلع أكد أن التخلص من هذه الشرائط تم من اجل تجنب المسئولية الجنائية التى قد توجه إلى عملاء المخابرات الأميركية.

ومن ناحية أخرى ذكر شيفر Schieffer أن التخلص من هذه الشرائط قد أثار العديد من التساؤلات من قبيل إلى أى مدى كانت الأساليب التى استخدمت فى التعذيب غير قانونية؟ وهل يمكن أن تكون هذه الأساليب قريبة الشبه مما حدث فى سجن أبو غريب فى العراق؟ وما تأثير مثل هذا العمل على صورة الولايات المتحدة فى العالم؟ هذه الصورة التى تدهورت بشدة عقب الكشف عن فضائح التعذيب داخل سجن أبو غريب فى العراق.

وعلى جانب آخر بث برنامج Morning Edition - الذى يذاع على شبكة راديو NPR – تقريرا اهتم فيه برصد تبعات الكشف عن التخلص من هذه الشرائط ، حيث أكد التقرير الذى أن وزارة العدل ووكالة المخابرات الأميركية قد قررا البدء فى تحقيق حول ملابسات هذا العمل. ولفت التقرير الانتباه إلى أن وكالات المخابرات الـ CIA قد أقدمت على هذه الخطوة دون الحصول على إذن مسبق ، مما يعنى أن الـ CIA غير راغبة فى أن يعلم الرأى العام الأميركى ما تحتويه هذه التسجيلات من مشاهد مفزعة. وأشار التقرير إلى أنه هذه ليست المرة الأولى التى تقوم بها أجهزة المخابرات بعمل أشياء دون الحصول على إذن مسبق يخول لها القيام بمثل هذه الأمور.