كشف مصدر سياسي بارز لـ«الحياة» ان الاتصالات الفرنسية – السورية التي كانت أجريت الأسبوع الماضي، وسبقت اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من القاهرة يوم الأحد الماضي أنه سيوقف هو ومعاونوه هذه الاتصالات الى ان تتم ترجمة الأقوال السورية الى أفعال في ما يخص تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هي التي كانت وراء خيبة الجانب الفرنسي من الأفكار التي طرحها الجانب السوري عليه وفيها إصرار على ربط التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة وحصول المعارضة على الثلث المعطل فيها، بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

وذكر المصدر السياسي البارز، الذي اطلع على جانب من الاتصالات بين باريس ودمشق طوال الأسبوع الماضي، عبر اتصالات الجانب الفرنسي مع بعض قوى الأكثرية، أن التواصل بين الأمين العام للرئاسة الفرنسية جان كلود غيان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم أدى الى طرح أفكار على مرحلتين، صيغت في مسودة أولى ثم ثانية للتشاور مع الفرقاء اللبنانيين حولهما.

والمسودتان هما حصيلة الاتصالات الهاتفية بين غيان والمعلم، والتي تبعتهما مشاورات بين الجانب الفرنسي وعدد محدود من قادة قوى 14 آذار الذين وضعوا ملاحظات عليهما، بناء لطلب باريس.

ويؤكد المصدر البارز نفسه، ان المسودتين لم تكونا رسميتين بل كانتا «نوعاً من تدوين لأفكار جرى بحثها في الاتصالات الفرنسية – السورية، وبالتالي لم تتحوّل أي منهما الى وثيقة، كما جرى الترويج خلال الأيام الماضية، سواء من أوساط في المعارضة والمصادر الرسمية في دمشق».

وبعد ان تأزمت العلاقة الفرنسية – السورية مجدداً بفعل تصريحات ساركوزي في القاهرة فإن أوساط المعارضة في بيروت، لا سيما مصادر رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري تصرّ على وجود ورقة جرى التفاهم علــيها بيـــن بــاريس ودمشق كان يمكن ان تشكل حلاً لأزمة الفراغ السياسي والخلاف على تشكيل حكومة العهد الرئاسي الجديد الأولى، لكن الجانب الفرنسي عاد فغيّر موقفه.

وفي المقابل تشترك مصادر فرنسية في باريس، مع أوساط في الأكثرية على التأكيد أنه «ليست هناك ورقة تفاهم عليها الجانبان الفرنسي والسوري بل مجرد أفكار طرحها الجانب السوري، قامت باريس بنقلها من دون ان يعني ذلك تبنيها لها.

وفي وقت تتكتم أوساط الأكثرية عن مضمون المسودتين، فإن أوساط المعارضة تكتفي بالإشارة الى أنهما تتناولان مسألة حصول المعارضة على نسبة الثلث الضامن في الحكومة المقبلة مقابل انتخاب سليمان. لكن المصدر السياسي البارز أوضح لـ «الحياة» بعض النـــقاط التي تضمنـــتها المسودتان، مشيراً الى أنهما تتـــناولان النــــقاط الثلاث الرئيسة التي كانت محور محادثات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مطلع الشهر الماضي في بيروت مع كل من الرئيس بري وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري كمبادئ عامة وهي:

 انتخاب العماد سليمان رئيساً بعد تعديل الدستور.

 قيام حكومة وحدة وطنية من الكتل النيابية، (من دون التطرق الى تفاصيل نسب تمثيل الأكثرية والمعارضة التي حصل خلاف عليها بين بري والحريري، اذ اعتبر الأول أنه حين طرح على كوشنير في حضور الحريري توزيع المقاعد بإعطاء 17 مقعداً للأكثرية و13 مقعداً للمعارضة لم يعترض الحريري، فيما يؤكد الأخير أنه لم يوافق على الفكرة حتى لو قابلها بالصمت ازاء الحديث الذي كان جارياً بين بري وكوشنير...).

 وضع قانون انتخاب عادل ومنصف.

وقال المصدر السياسي البارز لـ «الحياة» ان المسودة الأولى التي طرحت مطلع الاسبوع الماضي تناولت هذه النقاط لكنها تضمنت فكرة طرحها الجانب السوري تقضي بخفض عدد الوزراء الذين اقترح الحريري ان يكونوا ستة من حصة رئيس الجمهورية مقابل 14 للأكثرية و10 للمعارضة الى اثنين، وبخفض عدد الوزراء الذين اقترحت المعارضة ان يحصل عليهم الرئيس العتيد أي خمسة وزراء، الى وزيرين. وصيغ الاقتراح السوري الذي نقله الجانب الفرنسي كالآتي: «يحق لرئيس الجمهورية تعيين وزيرين». ولاحظ بعض من اطلع على المسودة الأولى ان عبارة «يحق» غير لائقة بحق رئيس الدولة في مشروع توافق لبناني تقوم بصوغه دولتان أخريان...

ولم يشر المصدر الى ما تضمنته المسودة عن نقطتي انتخاب الرئيس وقانون الانتخاب، ولكنه قال أنه جرى عرضها من باريس على قوى في الأكثرية التي وضعت ملاحظات عليها رفضت فيها اعطاء الثلث المعطل للمعارضة (وهو كان أكثر من الثلث في المسودة الأولى اذ نص على حصول الأكثرية على 16 وزيراً والمعارضة 12 وزيراً).

وتشاور غيان والمعلم مجدداً، ما أدى الى وضع المسودة الثانية التي أبلغ الرئيس بري من دمشق مساء الجمعة الماضي، بأنها «بمثابة ورقة تفاهم سوري - فرنسي»، فيما تبلغ بعض قادة الأكثرية من باريس في اليوم نفسه، أنها مجرد أفكار طلب من هؤلاء القادة التعليق عليها.

وأخذت المسودة الثانية ببعض ملاحظات الاكثرية في شأن انتخاب سليمان رئيساً فنصت على ان ينتخب بعد اجراء التعديل الدستوري (الذي يتيح انتخابه في ما يخص المادة 49 من الدستور) ولم تتضمن أي اشارة الى اعتماد المادة 74 من الدستور التي يصر بري على أنها تغني، بسبب حصول الفراغ، عن تعديل الدستور.

كما ان المصدر السياسي البارز كشف ان المسودة الثانية هذه تضمنت نصاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الاستشارات النيابية الملزمة، التي ينص عليها الدستور، لكنها اقترحت خفض الوزراء المحسوبين على سليمان، من 6 (كما جاء في اقتراح الحريري السابق) الى 4 وزراء بدل اثنين (كما جاء في المسودة الأولى) لتبقى المعارضة حاصلة على الثلث المعطل. وأوضح المصدر ان الأكثرية وضعت ملاحظات على المسودة الجديدة ورفضت تقليص حصة رئيس الجمهورية وأصرت على ان تبقى 6 وزراء لتكون له الكتلة الوزارية الوازنة ليلعب دور الحكم بين قوى 14 آذار والمعارضة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)