يبدو العام الجديد في جردة الحساب الاسرائيلية مثقلاً بالمخاطر الاستراتيجية والتهديدات القديمة - الجديدة. فإذا كانت اسرائيل وفقاً لتقديرات مسؤوليها العسكريين قد استرجعت قدرتها على الردع التي خسرتها في حرب تموز 2006؛ فإن هذا لم ينعكس ايجاباً على الصراع الحاد الدائر بينها وبين "حماس" في غزة ولا على خطر حصول ايران على السلاح النووي.
في طليعة المخاطر الاستراتيجية التي تتهدد اسرائيل في العام المقبل صعود نفوذ الاسلام المتشدد السني منه والشيعي على حد سواء. فلقد شهد العام المنصرم صعوداً في قوة التيارات الاسلامية المتشددة المدعومة من ايران، وبرز ذلك بصورة خاصة في المواجهات المستمرة بين الجيش الاسرائيلي وحركة "حماس" وتحولها الى نوع من حرب مصغرة، ناهيك باستعادة "حزب الله" لترسانته الصاروخية التي خسرها في حرب تموز ومحاولاته الحثيثة للسيطرة على الحياة السياسية في لبنان لفرض أمر واقع سياسي جديد يجعل من لبنان جبهة ايرانية متقدمة في مواجهة اسرائيل.
يضاف الى ذلك التهديدات الجديدة التي أطلقها بن لادن الاسبوع الماضي ضد اسرائيل منذراً بتجدد حرب "القاعدة" عليها. تأخذ اسرائيل هذه التحذيرات على محمل الجد لا سيما في ظل التدهور الكبير في الأوضاع الأمنية في باكستان حيث يرجح عدد من الاسرائيليين ان بن لادن مازال يختبىء في مكان ما شرق البلاد، وفي حال أخفق برويز مشرف في فرض سيطرته فمن المحتمل ان تتحول باكستان العام المقبل الى ما كانت عليه أفغانستان تحت سيطرة "طالبان" وتصبح المصدر الاساس للإرهاب العالمي الجهادي. واحتمال حدوث ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة على اسرائيل في حال وقوع القنبلة النووية والصواريخ الباليستية التي تملكها باكستان في ايدي المجموعات الجهادية.
تتوقع اسرائيل ان يزداد خطر الارهاب وحرب العصابات العام المقبل لا سيما في ظل فشل الجهود الغربية من اجل قطع الصلة بين ايران وسوريا، وعدم بلورة مسار للتفاوض بين اسرائيل وسوريا بعد المشاركة السورية في مؤتمر أنابوليس.ورغم الجدل الاسرائيلي الداخلي المتصل بموضوع السلام مع سوريا ودعم رئاسة الاركان في الجيش لمعاودة المفاوضات معها؛ فثمة اقتناع اسرائيلي ان الرئيس السوري بشار الاسد يسعى الى التفاوض اعتقاداً منه ان اسرائيل خسرت حرب تموز وظهرت هشة وضعيفة وهو يريد التفاوض معها من موقع القوة، وهذا أمر لن تقبل به اسرائيل التي تشعر أنها منذ حرب حزيران عام 1967 لم تنتصر فعلاً في أي من الحروب التي خاضتها وكل ذلك لا يقوي من اوراق المقايضة السياسية التي في حوزتها.
الخطر الاستراتيجي الثاني الذي يتهدد اسرائيل هو احتمال انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط مع امكان ان تتمكن ايران نهاية هذه السنة أو السنة المقبلة من تخطي "العتبة التكنولوجية" مما يجعلها قادرة فعلاً على انتاج قنبلتها النووية بعد ثلاث سنوات اذا شاءت. يترافق هذا مع مطالبة عدد من الدول العربية على رأسها مصر وسوريا والأردن ببناء مفاعلات نووية على أراضيها من اجل أغراض مدنية مثل انتاج الكهرباء، ولكن من المحتمل جداً أن تتحول هذه المشاريع الى المجال العسكري مما سيحفز بصورة خطرة انتشار السلاح النووي في المنطقة.
وفي الواقع ما زال السلاح النووي الايراني يشكل الهم الاسرائيلي الأول لا سيما بعد خيبة الأمل الكبيرة التي أعقبت تقرير المخابرات الأميركية الذي تحدث عن وقف ايران لمشروعها النووي العسكري، وفي ضوء تعثر فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على ايران نتيجة تضارب ذلك مع مصالح العديد من الدول الغربية، وبسبب المساعدة الكبيرة التي تقدمها روسيا لايران سواء بتسليحها ومساعدتها في مشروعها النووي.
تدرك اسرائيل انه مع العام المقبل باتت تواجه شرق أوسط جديداً يهيمن عليه التطرف الاسلامي والجهاد العالمي وأسلحة الدمار الشامل. في مقابل هذه التهديدات الضخمة تبدو المحاولات الأميركية لإحياء العملية السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين أشبه بمركب صغير يجتاز بحراً هائجاً من التهديدات