ودع الفلسطينيون العام 2007، في ظل انكسارات وانتكاسات كبيرة ومؤلمة شملت جميع مناحي حياتهم، تركت ظلالا سيئة على قضيتهم ومشروعهم الوطني لن يستطيعوا الخروج منها لفترة زمنية طويلة. وشهدت نهاية العام حرب المناكفات التي طالت كل شيئ جميل ومشترك للفلسطينيين، كان أخر فصولها ملاحقة حركة فتح في قطاع غزة من قبل حركة حماس ومنعها الاحتفالات بالذكرى السنوية الثالثة والأربعين للحركة، والشيء نفسه حصل مع حماس في الضفة الغربية.

الصراع بين الحركتين يدخل العام الجديد، فيما يرفض الطرفان التطلع للإمام والتأسيس لعلاقات وطنية جدية تنبع من عدالة القضية، والعودة للحوار والبداية من جديد لبناء استراتيجية وطنية تخلصهم من الاحتلال، يطل العام الجديد والتشاؤم يخيم على الفلسطينيين باستقبال الرئيس الأمريكي جورج بوش مفجر الصراعات، والأزمات، والباحث عن نصر لن يأتيه. أي عام جديد يأتي بزيارة بوش لفلسطين، زيارة الهدف منها حسب ما أُعلن دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت في التوصل لاتفاق خلال العام 2008.

وحسب بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية فان الهدف الرئيس من الزيارة هو دعم صديقه أولمرت وتعزيز موقفه، وشعبيته المتدهورة. زيارة بوش المرتقبة في الأيام القليلة القادمة تأتي في ظل توالى انكسارات على الإدارة الأمريكية وفشلها في تحقيق انتصارات في عدد من الدول التي خططت لها بقيام ديمقراطيات على مقاسها، من أفغانستان مرورا بباكستان والصومال، والعراق ولبنان وإنتهاءاً بفلسطين.

الرئيس الفلسطيني وحكومته في رام الله مستمرون في طريقهم ببناء علاقات جيدة مع إسرائيل من دون الالتفات إلى الوراء ولو لفترة قصيرة في عملية جرد حساب ووقفة نقدية للعلاقات السابقة مع الدولة العبرية المستمرة في مشروعها الاستيطاني التوسعي، وعدم اعترافها بالحقوق الفلسطينية، وعدم جديتها في التقدم بما يسمى العملية السلمية، ولا يزال عباس وفياض على قناعة بان الأمريكيين طرف محايد وضامن للمفاوضات.

العام الفائت غادر الفلسطينينن وفي قلوبهم غصة من حال الانقسام والشرذمة التي لا تزال سيدة الموقف، والتهديدات الإسرائيلية قائمة باجتياح قطاع غزة والاستمرار في تشديد الحصار عليه، والقتل اليومي، كل ذلك تزامن مع تصريحات رئيس وزراء حكومة رام الله سلام فياض حول العملية الفدائية في مدينة الخليل الذي عبر عن أسفه لمقتل الجنديين الاسرائيليين وقدم التعازي لعائلاتهم خلال لقائه شمعون بيريس رئيس الدولة العبرية، ولم يكتف بذلك بل قال: مخاطباً بيريس " يوم حزين لنا ولكم، آلمنا مقتل الجنديين، وان كل حادثة قتل هي غير مجدية". وأضاف "الان لا يوجد أقوال بل أفعال نحن نتعاون بجدية مع أجهزة الأمن الإسرائيلية".

تصريحات فياض أثارت غضبا شديدا في الساحة الفلسطينية، في وقت يسقط فيه الشهداء يوميا ولا نسمع إدانة بالقوة نفسها عندما يسقط الشهداء فيما، تستمر إسرائيل في فرض حصارها الخانق على القطاع، وتأتي في ظل تمسك الرئيس عباس بالمفاوضات كخيار إستراتيجي لحل القضية الفلسطينية والتخلص من نير الاحتلال وظلمه وقمعه، والاستمرار الإسرائيلي في التمدد الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، والموقف الفلسطيني المتراجع من ذلك، وعدم اتخاذه مواقف أكثر صلابة وجدية. تأتي تصريحات فياض حول المقاومة وحماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة من دون أفق بالتوصل لاتفاق بالعودة للحوار وتراجع حماس عن حسمها العسكري للقطاع.

غادرنا العام 2007، والانقسام على حاله، والدولتان في رام الله وغزة لا تزالان تناصبان العداء الواحدة للأخرى من دون أمل في التوصل للوحدة، والمجتمع الفلسطيني يعاني التفسخ والشرذمة، ويبني الطرفان يوماً بعد يوم أسساً جديدة من الفرقة والكراهية للأخر. غادرنا 2007، وآلاف من العاطلين والفقراء وجيش من المتسولين الجدد، وآلاف من الموظفين المحرومين من الحصول على حقهم في الراتب، وجيش من كتبة التقارير الكيدية في جيرانهم وأقاربهم لكي ترضى عنهم هذه الحكومة أو تلك.

غادرنا 2007، والمئات من القتلى والجرحى جراء الاقتتال الداخلي والحسم العسكري، والمعتقلين بسبب انتمائهم السياسي ومحرومين من الحرية، وعشرات الذين تعرضوا للضرب والتعذيب لأنهم عبروا عن حقهم في التعبير والتجمع السلمي، غادرنا 2007، ووصل عدد الشهداء المرضى فيه 53 شهيدا وشهيدة من المرضى الممنوعين من السفر لتلقي العلاج في الخارج، وبقاء حجاج غزة في العريش ولم يحتفلوا مع ذويهم بفرحة الحج والراحة من الرحلة الشاقة والذل والهوان الذي لاقوه خارج وطنهم، واستقبال الاحتلال لحجاج غزة العائدين عبر معبر إيرز بالقتل.

غادرنا عام الانكسارات والانقسام والفرقة، وكل طرف يعزز ويعمق من الكراهية والحقد والإقصاء السياسي والوظيفي، وتثبيت شرعيته على حساب شرعية الوطن والمشروع الوطني. غادرنا عام القتل اليومي وغياب الأمل في يوم أفضل من سابقه. فهل يأتي العام 2008 بجديد ويكون عام الأمل للفلسطينيين بالوحدة؟

وهل يكون الفلسطينيون على مستوى المسؤولية وإفشال المشاريع الإسرائيلية والالتفاف على قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية، من عودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل لحدود 1967، وقضية القدس، والأسرى والمياه، والبدء في مفاوضات جديدة تعزز من وحدتهم وصمودهم من خلال بناء إستراتيجية وطنية؟

فعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن أولمرت وبوش سيزيدان من أزماتهم، وسيعززان الفرقة والشرذمة في صفوفهم من دون الأخذ في الاعتبار المصالح العليا للشعب الفلسطيني، فالحل الحقيقي لديهم يأتي من خلال وحدتهم السياسية والجغرافية، والعودة للثوابت الوطنية وبناء جسور الثقة بين أبناء الشعب الواحد بدلاً من الاستمرار في تعميق الانقسام بينهم لان إسرائيل غير جدية في التقدم على المسار السياسي.