في الوقت الذي كانت فيه الحركة الصهيونية تخطط وتعمل رسميا على اعطاء العامل الديمغرافي اهمية اساسية بفكرها لنقل فكرة انشاء كيانا صهيونيا الى الواقع الفعلي، كانت الحكومات العربية وقواها الاساسية اداة فاعلة ومساهمة لتحقيق هذا الحلم الصهيوني، ففي الوقت الذي تم فيه تهجير الفلسطينيين من وطنهم، وفتح العديد من ابواب الدول العربية لاستقبالهم وبناء المخيمات الخاصة لاحتوائهم، هؤلاء اللاجئين الذين خرجوا بقوة السلاح والتهديد تاركين وراءهم اغلى ما يمكن، كانت فلسطين تستقبل العشرات بل مئات الالاف من اليهود العرب، الذين تم ترحيلهم او طردهم او اخراجهم من البلاد العربية، ردا انتقاميا على طرد الفلسطينيين من ارضهم ووطنهم، ايضا قامت بعض المنظمات الصهيونية بارتكاب اعمال ارهابية ضد اليهود المقيمين بالدول العربية، لارغامهم على الهجرة الى ما يسمى اسرائيل، فاستولى اليهود على املاك الفلسطينيين المطرودين من ارضهم، وسكنوا بيوتهم واقاموا المستعمرات والكيبوتسات على اراضيهم.

في السادس من حزيران من عام 2005 اجتمع ممثلين ليهود من تسعة دول في العاصمة الفرنسية باريس (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، ايطاليا واسرائيل، وممثلين عن يهود المكسيك واستراليا شاركوا من خلال الفيديو كونفرنس) واتفقوا على القيام بحملة دولية ليحصلوا ويضمنوا حقوق اليهود العرب، وقد دعى الى هذا اللقاء كل من المنظمة العالمية لليهود العرب ومؤسسة العدالة ليهود الدول العربية، وتهدف الحملة بالاساس الى كسب دعم حكومات الدول، واستخدام وسائل الاعلام من اجل كسب تعاطف عالمي، والعمل ضمن التجمعات اليهودية في الشتات لتوعيتها وتعبئتها باهداف الحملة، على ان تبدأ بنهاية عام 2006.

فقد بدأت المنظمات اليهودية فعليا بعملية الاحصاء للافراد والعائلات ذات الاصول العربية وتسجيل املاكهم وما تركوه خلفهم، حيث تقدر المنظمات اليهودية بان عدد اليهود العرب الذين غادروا الدول العربية يتراوح بين 900 الف الى مليون يهودي، كذلك تقوم هذه المنظمات بتسجيل الاملاك اليهودية التي تعود ملكيتها لليهود وتقدر ثمنها بما يزيد على مائة مليار دولار، وبدات هذه المنظمات بتسجيل وتوثيق شهادات شفويه من خلال لقاء اليهود ذات الاصول العربية، فالمشرفين على هذه الحملة بدأوا بالفعل بتسجيل ونشر كل الانتهاكات الفردية والجماعية لحقوق الانسان التي عانى منها اليهود من الحكومات العربية، مثل ( القتل، السجن والاعتقال، التعذيب، حرمانهم من المواطنة ومصادرة املاكهم) وتوثيق كل هذه المعلومات والشهادات، حيث سيقوم المشرفون على الحملة حال الانتهاء منها بتسليمها الى وزارة العدل الاسرائيلية التي ستبحث عن الاسس والقوانين الشرعية المطلوب اتباعها من اجل المطالبة بكافة حقوق اليهود من الدول العربية.

ان خطورة ما يجري هو ان تتمكن المنظمات الصهيونية واليهودية من استصدار قرارات دولية من مؤسسات دولية والعديد من دول العالم بالتعويض والحجز على اموال الحكومات العربية والدول العربية بالبنوك الدولية، وملاحقة الدول العربية قضائيا، فاذا كانت التقديرات اليهودية لاملاك اليهود لا تنقص عن مائة مليار دولار واذا اخذنا بعين الاعتبار مطالب اخرى قد تطرحها هذه المنظمات كالتعويض عن الضرر والفوائد وغيرها من المطالب فان حكوماتنا العربية ودولنا العربية ستكون عاجزة في ظل حالة الانهيار العربي المتواصلة بالمرحلة الحالية عن التصدي لهذه المطالب ولن يكون امامها الا الرضوخ، ولا استبعد ان يكون هناك احتلالا اخرا في العقد القادم بالمنطقة ضمن المفاهيم الصهيونية والاسرائيلية من خلال السيطرة على كل خيرات المنطقة وعوائدها بحجة التعويض.

فالحركة الصهيونية والمنظمات اليهودية وقوة تنظيمها والقدرات الاقتصادية التي تتمتع بها، ونفوذها الذي يتزايد في التاثير على مصادر صنع القرار بالدول، يؤكد على قدرتها مستقبلا لاستصدار قرارات دولية تخدم الاهداف الصهيونية وتوجهاتها ورؤيتها، وتقديم المزيد من الاهانات للدول العربية والشعوب العربية، فهنا لا بد من التحرك مباشرة لمنع هكذا توجهات من خلال عدم الاعتراف بشرعية هذا الكيان، فالاعتراف لا يعطيه شرعية فقط على الارض الفلسطينية وانما يمنحه الحق بالمطالبة بحقوق اليهود ذات الاصول العربية من الدول العربية، كذلك التاكيد على حق الشعب الفلسطيني بالعودة، ودعم اللاجيء الفلسطيني من اجل تطوير نضاله لتحصيل حقوقه بالعودة والتعويض عن كل الاضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة التشريد والطرد من ارضه وبيته، وتنظيمه من خلال مؤسسات لتقود نضاله وتواصل طرح قضيته على صعيد عالمي، ووضع القرارت الصادرة عن الامم المتحدة في موقع التطبيق وبالاخص قرار194، من اجل تحصيل حقوقه السياسية والوطنية المتمثلة بالعودة الى الديار والوطن الذي شرد منه.

فرسالة الاعتراف الفلسطينية باسرائيل لا تحدد حدود دولة اسرائيل كذلك اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع مصر واتفاقية عربة الموقعة بين الاردن واسرائيل، كلها تعترف بدولة اسرائيل دون معرفة الحدود، في ظل تمسك اسرائيل بكل فلسطين على اعتبار انها ارض اسرئيل، والخطوات العملية والوقائع الجديدة التي تفرضها على الارض لا تبشر اطلاقا بخير،فاسرائيل تسعى الى سيطرة كاملة على الارض الفلسطينية مع البحث عن حلولا للتخلص من العامل الديمغرافي الفلسطيني، لتبسط سيطرتها الكاملة على الارض الفلسطينية والمطالبة بتعويضات عن الاملاك والاضرار التي لحقت بكل اليهود ذات الاصول العربية، فهل سيطالب اليهود ايضا بحقوق قبيلتي بني قريضة والنضير؟