ربما لم يدري من اتخذ قرارا بازالة الآرمات والماركات التجارية (فردا او لجنة) ذات الاسماء (الاجنبية) انه يضعنا نحن المواطنين في مواجهة غير عادلة مع ثقافتنا، فعلى الرغم من تأكيده على ممارسة الموروث الا انه يضغط علينا باتجاه الغاء جزء من هذا الموروث، لنقف مرة أخرى أمام سؤال المكونات الثقافية التي هي ليست مجرد لغة او كلمات تأخذ قيمتها من سلالتها، واضعا الثقافة المجتمعية كلها أمام غربال التصنيف ما هو عربي أمام ماهو (غير عربي) اتكاء على ما هو جاهلي أم غير جاهلي، مقسما ثقافة المكان الى جزر أخلاقوية ينقصها الكثير من التماسك العقلي قبل المنطقي وقبل الاجرائي وحتى قبل الاحاطة بالمعلومات. حيث يحتاج الموضوع الى مناقشة بسيطة وحتى ساذجة لنكتشف أن هذه القرار لا يمكن اتخاذه بهذه الصورة على الاقل، لأن الموضوع أكبر بكثير من قرار اجرائي كل المقصود منه هو استخدام أحرف عربية بدلا عن الاحرف اللاتينية ولكنه تمدد (خيريا وتملقيا) ليصبح قادرا على تقرير ما هو عربي وما هو غير عربي كصفة تشريفية ، حيث يبدو تقرير ما هو غير عربي مع قرار ازالته هو قرار بمعاقبة ما (يشك) انه غير عربي ، ما يضعنا أمام اشكالية كبرى في بلد عريق مثل سوريا تتالت الحضارات (المنتقلة والاصلية) عليه بكل مكوناتها الثقافية وتأثيراتها الكونية لتتحول الى مجرد قرار في مكتب ما يقرر اذا ما كانت هذه المكونات الثقافية صالحة للأستهلاك البشري أم لا.

قد لم ينتبه المكتب الذي اتخذ هكذا قرار (بل من المؤكد انه لا يعرف) (مثلا) أن أوروبا نفسها فتاة سورية اختطفها احد الهة الاغريق وتزوجها وبقيت أخواتها في سوريا ولم تزل اسمائهن متداولة في اسماء الاماكن وغيرها الكثير من الاسماء التي قدمت من ذاك الزمان فهل ابولودور الدمشقي هو اجنبي؟ وهل لقيانوس السميساطي هو صيني؟ وهل أيو (وهي أخت أوروبا) قرية في اليابان ؟؟؟ وكذا اسماء مثل ماريا وديانا ودورا اروبوس وغيرها الآف !!.

وقد لا يعرف متخذ القرار أن سوريا كلها هي بلد الهجرات الكبرى والهجرة تعني حمل مكونات ثقافية وتلاقحها مع البلد المستقبل وبالتالي فالاسماء التي يحملها ابناء هاتيك الهجرات هي اسماء (جاهلية) مع انهم مواطنون كاملي الأهلية الحقوقية، فكنية مثل الافغاني أو المشهدي او الالباني هي اسماء غير عربية فهل تستحق الازالة؟ فأذا أضفنا اسماء الجاليات المندمجة في المجتمع السوري فاننا سوف نقع في مأزق عنصري متخلف اذا ما أطلق أحدهم اسمه أو كنيته على محله التجاري أو على منتجه أو على حرفته.

انتفاضة أسيا هو الترجمة الحرفية لماركة ( كيا ) المشهورة ولكن ما هي الترجمة العربية لماركة سامسونغ ؟؟ أو توشيبا او هوندا وهونداي الخ !!! وهل نمنع هذه المنتجات لأن اسمها غير عربي أم نطلب من الشركات العالمية تغيير أسمائها حتى تناسب القرار !!

المشكلة أن القرار جاء تحت ضرورات ثقافية ولكنه يتناقض مع ثقافة المجتمع اذا لم نقل مع الثقافة نفسها كمنتج اجتماعي انساني واذا لم نقل الهدر الاقتصادي للملايين ثمنا للازالة وصنع آرمات جديدة .

ومع هذا لا أدري كيف سنعيد تسمية السنجقدار أو جسر فيكتوريا أو شارع الباكستان وحمام يلبغا وداريا وآدسيا وأفاميا واوغاريت وغيرها وكلها ليست عربية ويجب ازالة كافة اللافتات الطرقية نحوها . ؟

اننا أمام مأزق فكري وثقافي أتخذ اداريون قرارا متسرعا به فكيف نحله، قبل أن نقع في تناقض مع تاريخنا ولغتنا؟