المشكلة أنك تريد وضع التاريخ في جرة واحدة، مقتنصا زمنا خاصا لم يكن يوما معبرا عن مساحة الحرية التي تدعي أنك تخاطبها... فمشكلة دمشق ليست في "تصريحات" أو "مقالات" تسعى بعض الفضائيات إلى نقلها... ومشكلة دمشق أنها لا تستطيع سماع الكلمات التي تعبر فقط عن "لسان" شوهه التغريب أو عدم القدرة على رؤية الآخر...

دمشق ليست مدينة "مكتملة" كما يقول أدونيس.. ولكنها "صعبة".. وهذه الصعوبة تأتي من القدر القديم الذي يتراكم فوقها، ومن "الثقافة" التي أتعبت التاريخ.. ودمشق ليست معاوية ويزيد وصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، لأنها الحياة المستمرة التي لا تكتمل بدورة التاريخ، بل تبقى مفتوحة على الاحتمالات.

ربما بكت دمشق بعد أن أفرغها تيمور لنك من سكانها، لكنها اليوم لا تبكي لكلامك، بل لإيقاع المرض الإعلامي الذي يهوى ابتسار الحياة بـ"العارض" السياسي... فعندما كانت دمشق تنتعش بصوت فيروز كانت الحياة تتعالى في الجغرافية المرسومة على مساحة الشرق الأوسط، فتاريخ دمشق هو "فيروز" أيضا، وهو بيروت وعمان والقاهرة...

وهذه المدينة صورة مركبة لا يكفي أن نمر عليها بأقلامنا لأنها أكثر من جغرافية يستطيع أدونيس الحديث عنها بأنها "مكتملة"، وفي نفس الوقت تظهر في التفاصيل التي تداهم سكانها فيغنون ويرقصون ويصومون... فإذا كان البعض يجتزؤ حتى الحدث السياسي فلأنه لم يستطع فهم الثقافة التي تكوننا جميعا من دمشق إلى بيروت، ومن بيروت باتجاه المدن المتناثرة على امتداد الشرق القديم أو الجديد.

في دمشق أكثر من صورة لعاصمة تحاول اكتساب لونها من إيقاع العصر، ثم تصبح عصية على الفهم، لكن من يعيشها... يتنشقها... يدرك أن الحياة كما نعرفها على الأقل تحتضن دمشق كل صباح، وتنثر فوق نسائها صور الخصب والعشق، وتدعو الجميع إلى الياسمين الذي كان يزنرها يوما... وهو اليوم مع تشكلها الجديد ينتشر في كل منزل أو زاوية.

ربما لم يعد مظهر دمشق كما كان عندما غنت فيروز فيها آخر مرة... وربما ظهرت أصوات جديدة حاولت أن تشوه من حنيننا للفيروز فنيا و "سياسيا"... لكن ما يربطنا هو اللون الذي يتبدل كي يترك الطيف عالقا في ذهننا لأن دمشق مثل قوس قزح تنتعش بالخصب الذي تنشره فيروز ويتقلص مع مساحة الحنق "التي حاولت" أن تدفعها، محتكرا "الحق والحقيقة" ومدعيا بان الثقافة أسيرة "ديمقراطية" معلقة أمام عينيك فقط.