وصل نيكولا ساركوزي إلى السعودية في زيارته الرسمية الأولى، وكانت شوارع الرياض مزينة بالأعلام الفرنسية والأميركية إلى جانب العلم السعودي، فقد جاءت زيارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الأولى إلى المملكة بعد ساعة على مغادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وزيارة بوش للسعودية هي الأولى له منذ تولى الرئاسة قبل 8 سنوات. أما ساركوزي فقد رغب في زيارة السعودية منذ أصبح رئيساً قبل أقل من تسعة أشهر، وكان الرئيس الفرنسي استقبل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في فرنسا بعد شهر من وصوله إلى الرئاسة. كما ان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك زار السعودية فور توليه الرئاسة وكذلك قبل مغادرته لها وكان على اتصال مستمر مع القادة السعوديين.

ورغم أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في العالم، والرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بإمكانه أن يحرّك مسيرة السلام وحل صراع الشرق الأوسط لو أراد بالفعل أن يضغط على إسرائيل، فإن تطلعات شعوب المنطقة تتجه إلى الدور السياسي لفرنسا، لأنها تقليدياً وتاريخياً تقيم منذ الجنرال ديغول سياسة أكثر توازناً تجاه القضايا العربية من الإدارة الأميركية.

فالانحياز الأميركي الأعمى لسياسة إسرائيل حتى في بحثها عن السلام في المنطقة، والحرب الأميركية في العراق والاحتلال الأميركي لهذا البلد الكبير، كلها جعلت من العملاق الأميركي، خصوصاً برئاسة جورج دبليو بوش، سيّد عالم يخشاه ولكنه يشكك بنياته في التوصل إلى سلام عادل لن يكون لمصلحة إسرائيل. أما في فرنسا، وعلى رغم أن ساركوزي لم تكن له في العالم العربي الصورة التي كانت لسلفه جاك شيراك، إذ سبقت رئاسته تصريحات مؤيدة لإسرائيل وللسياسة الأميركية، فقد ادرك أن مصالح فرنسا كبيرة في العالم العربي ورغب في تصحيح الصورة التي كانت تعطى عنه في هذا العالم، فكان حريصاً خلال زيارته إلى السعودية على التركيز على الشراكة السياسية بين البلدين، وعلى توافق الآراء حول جميع ملفات المنطقة مع العاهل السعودي الذي وصفه ساركوزي بـ «القائد العاقل». واعترف ساركوزي بأخطائه السياسية قائلاً إن «الملك عبدالله كان على حق بالنسبة الى سورية»، فقد اراد ساركوزي القول إن الملك عبدالله كان حذّره من عدم جدوى الانفتاح على سورية والتحدث مع رئيسها ثلاث مرات لأن خبرة العاهل السعودي كانت مريرة مع الرئيس بشار الأسد. إلا ان ساركوزي رغب في محاولة إقناع القيادة السورية بضرورة عدم عرقلة الحل في لبنان وتسهيل انتخاب رئيس فيه. لكنه اصطدم بعدم تجاوب سورية، حتى ان أمير قطر صديق ساركوزي ورئيس حكومتها الشيخ حمد بن جاسم المقرب من الرئيس الفرنسي توقفا عن اقناعه باستمرار المحاولة مع سورية لأنها خيبت آمالهم مع فرنسا. فقطر كانت عرّاب التقارب الفرنسي - السوري ولكن دمشق أفشلت هذا المسعى.

لقد كان ساركوزي مسروراً بزيارته الى الخليج اذ انه يتعرف الى السعودية والامارات للمرة الأولى، في حين انه سبق أن زار قطر عندما كان وزيراً للداخلية، وكان لافتاً ان تطلعات شعوب المنطقة كبيرة بالنسبة الى دور فرنسا على الصعيد السياسي، في حين ان وجود الشركات الفرنسية المتوسطة ضعيف جداً في دول الخليج بالمقارنة مع الدول الأوروبية الاخرى مثل المانيا وايطاليا وحتى الدنمارك. وهذا يعود الى الطبع الفرنسي الذي ليس لديه طموح التوسع في الخارج عندما تكون شركته صغيرة أو متوسطة. ولا شك ان التطلعات السياسية بالنسبة الى فرنسا أكثر ايجابية في المنطقة العربية من نظرة شعوب المنطقة الى السياسة الأميركية، إلا ان ذلك لم يعزز نشاطاً اقتصادياً فرنسياً اكبر منذ زمن طويل.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)