الأمير عيسى الأيوبي

ولتنفيذ هذه الرؤية البوشية على العالم والعالم العربي أن يخضع لتصور بوش ومستشاريه للحل ومن مقدمات الحل أن يتعاون رئيس السلطة الفلسطينية، وقد نسي بوش عبارة الوطنية، مع الأمن الإسرائيلي على قمع الرافضين لهذه الرؤية، أو الرؤيا البوشية، وأن تساعد إسرائيل أدوات السلطة الفلسطينية على القيام بالمهمة الموكلة إليها، بالتنسيق مع الجنرال الأميركي المعين لهذه المهمة بالتنسيق الكامل مع اليوت أبرامز ومن لا يعرف اليوت أبرامز ليتعرف عليه ومواقفه وقناعاته حول الأمن الأميركي والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

أي لا حل من دون حرب ودون القضاء على كل من تسول له نفسه المطالبة بحقوق معترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وتحدث أيضاً عن المستوطنات وصنفها بمستوطنات شرعية وأخرى غير شرعية دون أن يحدد من يشرعن احتلال أرض والبناء عليها ودون أن يحدد أيضاً ما المستوطنات الشرعية وما غير الشرعية.
وطالب العرب، نعم العرب لا غيرهم، بدفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين الذين غادروا (إسرائيل) عند قيامها والمتبقين على قيد الحياة، كما تقول خطة ابرامز لحل مشكلة اللاجئين. أي إلغاء حق العودة نهائيا وأن يدفع العرب الثمن المادي والمعنوي لحروب إسرائيل في المنطقة.

هذا المطلب يبدو منطقيا إذا ما وضع ضمن إطار رؤية بوش القاضية بإلغاء دور الأمم المتحدة بالحل وهو يدخل ضمن السياق المنطقي نفسه لرؤيا بوش. التي عبر عنها عندما كتب (ربي بارك إسرائيل) ولا ندري إن قال ربي أو يهوه.
هذه (البركة) البوشية لم تمنع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من استقباله استقبال الحليف الوفي الصادق مع القضية الفلسطينية وهو الأمر الأخطر في سياق القضية كله، فإن يطلب بوش ما طلب من اللـه وعبيده لمصلحة إسرائيل فهذا شأنه وليس مستغربا إطلاقا، أما أن يبقى بوقاحته هذه، وربما بصدقه أيضا، صادقا ومناصرا للقضية فأمر يبدو تقبله صعبا على أصحاب العقول.

المسألة الثانية الخطرة أيضاً حول لبنان فهو يؤكد مقولته بأن حزب اللـه هو إرهابي، هذا أيضاً شأنه ولسنا بوارد فتح مثل هذا النقاش حول من الإرهابي وما هو، لكن يتزامن ذلك، إضافة إلى شطبه حق العودة، مع الأزمة اللبنانية حيث يبدو واضحاً أنه يرفض أي حل للبنان خارج إطار القرار 1559 الذي يعتبره أكبر انتصار حققه خلال ولايته، بعد إخفاقه في حروبه في العراق وأفغانستان وفشله في تصديره الديمقراطية عبر الحروب الأهلية وغيرها من المشاريع التي غرقت في مياه الخليج والمتوسط.

الخطورة تكمن أن مشروعه لتدويل لبنان أو أمركته ليس مشروعا وهميا بل إنه يأخذ طريقه للتنفيذ العملي بمساعدة حلفاء إسرائيل القدامى والحلفاء المستقبليين لها الذين يرون أن عليهم أن يستبقوا الأمور ويسارعوا للتعامل مع الأمر الواقع. فقد بدأ الإعداد الفعلي لسلسلة من مشاريع القرارات الدولية في أروقة الأمم المتحدة بمساعدة من ساهم سابقا بإعداد مشروع القرار 1559 وعلى رأسهم وليد فارس حيث تؤكد المعلومات أنه: بالتنسيق مع زياد عبد النور ودانيال بايبس واليوت أبرامز قد أعد عدداً من المسودات تدور حول تدويل لبنان لفشل اللبنانيين في تنفيذ القرارات الدولية وبقاء السلاح في يد منظمة إرهابية ما يشكل خطراً على السلم الدولي، حسب ما جاء في مقدمة مسودات المشروعات. إن هؤلاء زاروا باريس والقاهرة والتقوا عدداً من الشخصيات اللبنانية خلال عطلة الأعياد وبعض مستشاري ساركوزي كما زاروا القاهرة وعرضوا الموضوع على مستشارين للرئيس المصري وتجنبوا عرض المشروع على السفير السعودي في واشنطن الدكتور عادل الجبير لعدم ثقتهم به، كما تقول مصادرهم. كما تجنبوا عرضه على وزير الخارجية الفرنسي لعدم ثقتهم بالعديد من مستشاريه خاصة السفير كلود كوسرون، لكن زيارتهم لباريس ولقاءاتهم شبه العلنية مع عدد من اللبنانيين أعطت انطباعا تشاؤميا في باريس وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس بدأت تشعر أن الإدارة الأميركية قد أزاحتها تماماً عن الملف اللبناني وأنها أوحت للمملكة العربية السعودية أن باريس باتت خارج اللعبة اللبنانية وإن كانت المملكة ترغب بحل فيجب أن تنسق مباشرة مع الفريق الأميركي المكلف بهذا الموضوع.

مصدر التشاؤم الفرنسي أيضاً يأتي من أن الدول العربية المعنية مباشرة بالملف اللبناني تعطي الأولوية للرؤية الأميركية أولا وتتعاطى مع الموضوع بجاذبية فئوية ضيقة خاصة بالعالم العربي كما لمس خبراء فرنسيون التقوا مسؤولين ومستشارين للمسؤولين العرب المعنيين.

وتقول المصادر الفرنسية إن الإدارة الأميركية ترغب بإعلان سورية موافقتها على الضغط على حلفائها بشكل مباشر وعلني وأن الدور السعودي والمصري المفيد هو دفع سورية بهذا الاتجاه وإلا فلا حل. ويبدو واضحاً في باريس أن قراراً بالانسحاب من الملف اللبناني وإعلان الاستسلام لم يتخذ بعد، لأن مثل هذا القرار سيكون له تداعياته على مجمل الوضع الفرنسي في العالم إلى درجة قول بعضها إن عودة وزير الخارجية ولقاءه في بيروت مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ومساعدته في تفسير المبادرة العربية لكونها متطابقة مع الأفكار الفرنسية قد يكون مفيدا. لكن حادثة التفجير التي حصلت في الكرنتينا واستهدفت سيارة دبلوماسية تابعة لسفارة الولايات المتحدة عشية احتفال ساترفيلد بمناسبة مغادرته لبنان تجعل الأمر معقدا جدا. حيث إن هذا التفجير حسب تقارير فرنسية (تفجير يثير علامات استفهام ويشبه التفجير الذي طال العميد فرانسوا الحاج قبل شهر).

يضاف إلى ذلك وحسب المصادر الفرنسية أن لقاء المطعم اللبناني بين سعد الحريري والرئيس ساركوزي لم يكن موفقا ولم يقدم الحريري أي ضمانات لساركوزي بل إنه اعتبر أن عدم استقباله في القصر الجمهوري الفرنسي يشكل رسالة لم يكن ينتظرها. كذلك الأمر لقاء مروان حمادة مع كوشنير في اليوم نفسه والذي أكد افتراق المصالح والمواقف بين (ضفتي الأطلسي).

وهكذا يبدو واضحاً أن المشروع الأميركي يقضي بتفتيت الوضع اللبناني أو الإتيان برئيس يرأس ولا يحكم وحكومة تنفذ القرارات الدولية (الأميركية بحذافيرها) ولا يمكن أن تقبل بعودة لبنان إلى وضعه الطبيعي. ونعتبر أن التوافقية في لبنان اليوم تعني هزيمة مشروعها بالكامل. بدءا من فلسطين وانتهاء بدول الخليج العربية التي باتت تشعر بعد زيارة بوش لها أن مصيرها في أتون مشروع لم يعد غامضا وعليها التحضير لنتائج هذه الزيارة وأن رقصات السيف و(العراضة) في الرياض والمنامة وأصول الضيافة العربية لن تغير شيئا.

فكما في بيروت وفلسطين كذلك في الرياض والمنامة خطوط مواجهة وتحالفات وأحرار وتوابع.

عن موقع «الوطن»