في وقت يتواصل فيه التحضير لعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني في دمشق ، اختتم المجلس المركزي لمنظمة التحرير اجتماعاته في رام الله ، داعياً إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني بهدف انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير ، وبالطبع في ظل الوضع القلق للجنة الحالية بعد وفاة أربعة من أعضائها وتحولها إلى جمعية ينطق باسمها ياسر عبد ربه بحسب ما تمليه مصالح من منحوه التفويض.

وقد نقلت بعض الأوساط المقربة من حركة فتح قلقلها من إمكانية الإفراج عن نواب حركة حماس ضمن صفقة الجندي الإسرائيلي (شليط) بما يمكّن الحركة من إلغاء القوانين التي أصدرها الرئيس الفلسطيني ، ما يحتم ضرورة استباق ذلك بحل المجلس التشريعي ، وإعادة الاعتبار لمؤسسة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية على نحو أكثر قانونية وإقناعاً في الآن نفسه.

هذه المعادلة ، ومعها الإصرار على احتكار القرار الوطني الفلسطيني هي التي تقف خلف الحملة الشرسة التي شنتها دوائر المنظمة وحركة فتح على مؤتمر دمشق: هي التي تنفست الصعداء بعد النجاح في منع عقده في موعده السابق ، ولعل ذلك هو ما يفسر أيضاً قرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العودة عن قرارها بالمشاركة ، والذي جاء من خلال ضغوط على قيادتها في الداخل ، مع العلم أن الجبهتين (الشعبية والديمقراطية) كانتا وما تزالان محكومتين للسلطة منذ أوسلو ، وازداد الأمر وضوحاً بعد عرفات ، لاسيما في القضايا المحورية ، من دون أن ينفي ذلك وجود قناعات مسبقة تصب في ذات الاتجاه ، لاسيما بالنسبة لنايف حواتمة الذي يتميز بموقفه المعروف من حماس وعموم الإسلاميين،،

تعكس مواقف قادة السلطة من مؤتمر دمشق رؤية من الواضح أنهم لا يريدون التخلي عنها بحال من الأحوال ، وهي رؤية تقوم على احتكار القرار الفلسطيني كما لو كان الوضع الشعبي ما زال أسير معادلة الستينات والسبعينات ، مع العلم أن من العبث حصر التغيير في نتائج انتخابات المجلس التشريعي ، لأن أي منصف كان يراقب انتخابات القطاعات الشعبية في الداخل منذ منتصف الثمانينات لم يكن بوسعه إنكار التغيرات الجوهرية على الأرض ، هذا إذا عجز عن رؤية تلك التغيرات في ميدان المقاومة والفعل السياسي.

الهدف الأول للمؤتمر ، بحسب ورقة الدعوة ، هو التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني (حق العودة ، أقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس).

أما الهدف الثاني فيتمثل في دراسة أوضاع الساحة الفلسطينية والخروج بأفضل التوصيات لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

النص إذن لا يبشر بانقلاب على أحد ، بقدر ما يتضمن دعوة للتوحد على مطالب الفلسطينيين في حدها الأدنى (ليست مطالب حماس والجهاد ولا تفسير لمرورها بهذه الصيغة ، إن مرت بالفعل ، سوى إرادة إنجاح المؤتمر؟،). ولعلها لم تعد مطالب قوم كانوا حتى قبل أربعة أعوام خارجين على شرعية فتح ومنظمة التحرير ، ولم يتورعوا عن تدبير انقلاب عسكري على رئيسها ياسر عرفات،،

والحال أن الخلاف القائم في الساحة الفلسطينية لم يعد محصوراً فيما جرى في قطاع غزة وتداعياته ، لأن هذا الأخير مجرد عرض للمرض الحقيقي المتمثل في تناقض الرؤية بين فريقين يصر أحدهما على خيار التفاوض وحده دون سواه ، بصرف النظر عن النتائج ، ويراهن على الكرم الأمريكي والغربي ويرفض الاعتبار بما جرى خلال أوسلو ، وبين فريق آخر يرى أن المقاومة هي الأقدر على تحقيق المكاسب وفرض التراجع على العدو ، من دون أن يكون له اعتراض على العمل السياسي.

أما الأهم فهو البعد الشخصي والحزبي في الصراع ، فهنا ثمة أقوام يرفضون الآخر ، بل ربما فضلوا بقاء فلسطين بيد اليهود على أن تحرر على يديه،،

مصادر
الدستور (الأردن)