الكل يدرك ويعرف جيدا ان لولا صوت Oswaldo Cruz البرازيلي، لما كان هناك قرارا من الجمعية العامة للامم المتحدة بتقسيم فلسطين واقامة دولة يهودية عام 1947، فكان هذا الصوت هو الحاسم والمقرر والاساسي بمأساة الشعب الفلسطيني التي ما زالت حتى اللحظة، والذي توج بتشريد الشعب الفلسطيني ليصبح شعب لاجيء يعيش بالمخيمات، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الماساة الفلسطينية تكسب تعاطف شعوب العالم نتيجة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وكانت شعوب امريكا اللاتينية وقواها الاساسية في مقدمة دول العالم الثالث والدول النامية في تاييد حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية، وعززت القوى والفصائل الفلسطينية والجالية الفلسطينية علاقاتها مع كافة قوى اليسار في القارة، وافضت هذه العلاقات الى محاصرة اسرائيل والصهيونية واتهامها بالعنصرية بناء على قرار الامم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية شكل من اشكال العنصرية، وتمكنت الجالية الفلسطينية من خلال علاقاتها مع القوى البرازيلية التقدمية والديمقراطية واليسارية من اصدار قوانين على مستوى برلمانات الولايات والبلديات باعتبار 29 نوفمبر يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وادت هذه العلاقات الى تشكيل لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني، فكانت تخرج المسيرات والمظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني ونضاله وتنديدا بالمجازر الصهيونيه، وكانت تقام المهرجانات والندوات المؤيدة لنضاله وحقوقه.

بالتاكيد الحركة الصهيونية لم تقف مكتوفة الايدي امام ما تواجهه اسرائيل من عزلة نتيجة السياسة الاجرامية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، فرسخت الحركة كافة امكانياتها وطاقاتها المادية والمالية والاعلامية في الدفاع عن هذا الكيان الغاصب، وعملت على عدة محاور والتي تهدف جميعها الى تشويه النضال الفلسطيني وتبيض صورة الكيان الصهيوني " اسرائيل "، فكرست وسائل اعلامها وزجت العديد من طاقاتها البشرية في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لتلعب دورا مهما في تضليل الراي العام عن حقيقة القضية الفلسطينية واظهار اليهود كشعب مظلوم ومحروم وملاحق، ارتكبت النازية مجازرها ضدهم، فمنذ تاسيسها قررت الحركة الصهيونية استخدام مصطلح معاداة السامية، وهي تستخدمه لاتفه الاسباب مظهرة للراي العام العالمي ان يهود العالم ضحية، ومنذ قيام الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية تصور للعالم ان دولة اسرائيل هي الدولة الحاضنه ليهود العالم الملاحقين والمضطهدين، وانها المكان الامن لهم، وتشجع هجرة اليهود الى فلسطين مستخدمة مبررات لا تمس بالواقع الى شيء، فالحركة الصهيونية تنشط في الوسط الاعلامي البرازيلي من خلال وسائل الاعلام المباشرة لها والتي تعود ملكيتها مباشرة ليهود، وهي مؤسسات كبيرة وذات نفوذ كبير بالوسط البرازيلي، كمحطات تلفزيونية واذاعية وجرائد ومجلات، اضافة الى زج العديد من الصحفيين بوسائل الاعلام الاساسية البرازيلية كمحطات التلفزة والاذاعات والمجلات والجرائد، والتي يكون لهم اثرا كبيرا في نقل الخبر، اضافة الى وصول العديد من اليهود الى تقديم برامج الترفيه التي تعتمد على الجمهور الكبير والتي تكسب بها عطف الجمهور، هذا وتقوم العديد من الوفود اليهودية بزيارات الى كبرى وسائل الاعلام في البرازيل كطريقة لاقامة علاقات معها وبالتاكيد تترك بصماتها هناك بما يخدم المخطط الصهيوني وبرنامجه، وارسال الوفود الصحفية الى اسرائيل فشكلت الكونفدرالية الاسرائيلية وفدا صحفيا من 13 صحفيا يمثل وسائل الاعلام الاساسية بالبرازيل لزيارة اسرائيل العام الماضي، ولا ننسى حجم مواقع الحركة الصهيونية ومن يدور بفلكها على الانترنت حيث يتواجد لها مئات المواقع التي تتخصص بالعديد من العناوين، اذكر منها على سبيل المثال، طرح عملية الصراع بمفاهيم صهيونية اسرائيلية، واظهار الفلسطيني والعربي بصورة سيئة للرأي العام البرازيلي.

ومن ناحيه اخرى تنشط الحركة الصهيونية منذ بداية التسعينات، وبعد التحولات العالمية الكبيرة والتراجع الرسمي الفلسطيني بعد توقيع اتفاقيات اوسلو سيئة الصيت، الموقعه بين قيادة المنظمة والكيان الصهيوني، فرات الحركة الصهيونية بالقارة فرصتها الذهبية بتجريد القضية الفلسطينية من قاعدتها المؤيدة والمناصرة الواسعة بالقارة، فعمدت الحركة على العمل من اجل اقامة علاقات مع ابناء الجالية الفلسطينية وبالاخص مع من يؤيدون نهج اوسلو ونهج التسوية لتشكيل لجان السلام والحوار، وبالفعل نجحت الحركة الصهيونية بالبرازيل من تشكيل اكثر من مؤسسة ولجنة مع بعض ابناء الجالية الفلسطينية في جنوب البرازيل وولاية ساوبولو، واعتقدت هذه الافراد الفلسطينية التي كانت تسير بتوجيهات مباشرة من سفارة فلسطين وقيادات محسوبة على فتح، انها فرصة وحانت لاقامة افضل العلاقات لكسب تعاطف الجالية اليهودية مع الحقوق الفلسطينية والتي كانت نتائجها عكسية على القضية والعمل النضالي بالبرازيل، كذلك استغلت الحركة الصهيونية مراهنات العديد من افراد الجالية الفلسطينية على احلال السلام فشاركت معهم باقامة المناظرات السياسية من خلال المحطات الاذاعية والتلفزيونات المحلية للحديث عن السلام بالشرق الاوسط، ولابداء حسن النوايا من الجانب الفلسطيني كان العديد من ابناء الجالية يدلون بتصاريح لوسائل الاعلام مشبوه او تابعة للحركة الصهيونية كانت بشكل عام تسيء الى الدور الفلسطيني بالبرازيل، وفي هذا الجانب وبدون شك تمكنت الحركة الصهيونية من ايجاد خرق بالخطاب الفلسطيني الخاص بالقضية الفلسطينية، كذلك تميزت هذه العلاقات ووصلت الى التنسيق المشترك للنشاطات المشتركة بالمنتدى الاجتماعي العالمي الثالث ببورتو اليغري عام 2003، فالحركة الصهيونية كانت تنظر لاهمية العلاقة مع بعض ابناء الجالية الفلسطينية المؤيدين والمراهنين على نهج التسوية للوصول الى القاعدة الجماهيرية بالجامعات والمؤسسات النقابية لاجراء المحاضرات والندوات المشتركة، فالحركة العمالية والطلابية هي القاعدة الاساسية المناصرة والمؤيدة للنضال الفلسطيني بالبرازيل.

من جانب اخر عمدت الحركة الصهيونية على التغلغل بالاحزاب السياسية البرازيلية والنقابية والاتحادات الشعبية والطلابية، من خلال زج العديد من العناصر اليهودية ذات التوجهات الصهيونية والمدافعة عن اسرائيل بكل سيئاتها وجرائمها، والوصول الى مراكز القرار والمواقع القيادية بالاحزاب ، وقدمت مرشحيها للبرلمانات والمجالس البلدية، ففي هذه الحاله تمكنت الحركة الصهيونية من ايصال العديد من ابناء الجاليه اليهودية ذو الانتماء الصهيوني الى مراكز التشريع على كل المستويات بالبرازيل، كذلك اقامت علاقات مع العديد من برلمانين واعضاء مجالس بلدية، بهذا الجانب نجحت الحركة الصهيونية على منع وتعطيل واصدار قرارت خاصة للتضامن مع الشعب الفلسطيني في بعض البرلمانات والمجالس البلدية كما حصل ببرلمان ولاية الريو دي جانيرو ومدينة امريكانا بولاية ساوبولو، ولا ننسى اطلاقا الجدل الكبير الذي حصل باروقة المجلس البلدي لمدينة بورتو اليغري ببداية التسعينات التي استمرت لمدة سبعة اشهر ، حيث تمكنت في النهاية القوى المناصرة والمؤيد للنضال الفلسطيني وحقوقه في المجلس البلدي من اصدار قرارا باعتبار 29 نوفمبر يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فأخطر ما بالامر هو تمكن بعض المؤيدين والمناصرين للحركة الصهيونية كالنائب الفيدرالي Ibsen Pinheiro من عقد جلسة خاصة للبرلمان البرازيلي يوم 13 ديسمبر2007 بمناسبة ستين عاما على قرارا الامم المتحدة رقم 181 الداعي الى اقامة دولة يهودية بفلسطين، ففي النقابات وبصفتهم مواطنيين برازيليين يعمل اليهود كل جهدهم من اجل منع التحركات المؤيدة والمناصرة للقضية الفلسطينية، كنقابة الاطباء في مدينة ساوبولو التي يمثل الاطباء اليهود تقريبا نصف اعضائها، هذا وقد بدأت الحركة الصهيونية بعد الكونفرنس الاخير للكونفدرالية الاسرائيلية استعدادتها بالتحضير لاقامة نشاطات خاصة بمناسبة ستين عاما على تاسيس دولة اسرائيل، واكدت بقرارتها على اقامة العديد من النشاطات ببرلمانات الولايات والمجالس البلدية، وبهذه المناسبة تراهن القيادات الصهيونية واليهودية على العلاقات الجيدة التي تمكنت من اقامتها مع العديد من البرلمانيين، كذلك لا ننسى اطلاقا الزيارات العديدة التي قام بها ممثلين عن الكونفدرالية الاسرائيلية للرئاسة البرازيلية بالعديد من المناسبات، مراهنة على تغيير بالسياسة البرازيلية وبالاخص بمواقف الرئيس البرازيلي المناصر والمؤيد للحقوق والثوابت الفلسطينية.

هذا وتكرس الحركة الصهيونية ورجال الاعمال اليهود ذو رؤوس الاموال الكبيرة قدراتهم الاقتصادية والمالية بخدمة الكيان الصهيوني من خلال بناء المؤسسات الخيرية الخاصة باليهود المقيميين بالعديد من المدن البرازيلية، فاقامت مئات المؤسسات الخيرية التي لها ارتباطات مع مؤسسات اسرائيلية، والتبرعات السخية لهذه المؤسسات تقتطعها من الضرائب التي تدفعها نتيجة ارباحها حسب القوانين المعمول بها بالبرازيل، فهناك شركات تمول مواقع على الانترنت تعود بالاساس الى تعزيز العلاقات بين اليهود ودولة اسرائيل وتدفع اموالا هائلة لتغطية تكاليف زيارات وافراح واعراس ليهود مقيمين بالبرازيل بالعديد من المستوطنات المقامة على الارض الفلسطينية، كذلك فرؤوس الاموال الكبيرة تحاول تكريسها في خدمة الاهداف الصهيونية وتعمل جاهدة من اجل التأثير على قرارات العديد من المؤسسات الحكومية والغير حكومية والمؤسسات الاهلية والمدنية، فعلى سبيل المثال يوجد بالبرازيل شبكتي محلات ادوات كهربائية واثاث منزلي تعود ملكيتها لرجال اعمال يهود حيث لديها ما يزيد على ثمانين الف عامل، كذلك احدى العائلات اليهودية بالبرازيل تتجاوز املاكها من الاراضي في ثلاث ولايات هي بارانا ، ساوبولو والريو دي جانيرو ما يزيد على مساحة فلسطين.

وفي الجانب الديني تعمل الحركة الصهيوينة في كسب عطف قطاعات واسعة من فقراء البرازيل، فالكنيسة الانجيلية التي تشرف عليها الحركة الصهيونية وتدعمها بطريقة غير مباشرة، تبث سمومها العدائية ضد العرب والمسلمين، ورواد هذه الكنائس يكنون عداءا الى العرب وينظرون لهم كشيطان ووحش يريد ان يبلع دولة اسرائيل، فتقوم العديد من هذا الكنائس بجمع المال من فقراء البرازيل لتقديمها لاسرائيل، مستخدمين حجج دينية تعود الى مفاهيم توراتية في العهد القديم.

الحركة الصهيونية هي مؤسسة متحركة وليست جامدة، تعمل على تنظيم كل القطاعات المهنية والطبقية والطلابية ضمن مؤسسات تراعي قوانين البلد، فللمرة الاولي يعقد مؤتمرا للمحامين اليهود على مستوى القارة قبل اشهر، وتعمل على تفعيل الطلاب اليهود ضمن المؤسسات الطلابية بالبرازيل والقارة لتلعب دورها بالدفاع عن جرائم اسرائيل بالمنطقة العربية، فالحركة الصهيونية تستغل الظروف السيئة التي تمر بها المنطقة العربية، وتبذل كل جهودها من اجل الحاق هزيمة معنويه بالانسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، وحالة الفوضى التي تمر بها شعوبنا العربية الغير قادرة على الفعل والتاثير، والتراجع الرسمي والشعبي العربي للنهوض بالوضع الذاتي، وتراجع الاقتصاد العربي واعتماده على المساعدات والفتات من الدول الراسمالية، وعدم قدرة الانسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص من بناء مؤسسات اقتصادية لها ارتباطات بالدول العربية من اجل النهوض بوضعها الاقتصادي، يترك الساحة خالية للحركة الصهيونية دون اي رادع، ومن هنا ارى اهمية بناء مؤسسات اعلامية وخيرية واقتصادية وتنظيمها بما يخدم الانسان الفلسطيني والعربي، والا سيجد الانسان الفلسطيني والعربي نفسه عاجز حتى عن الدفاع عن نفسه امام الهجمة الشرسة التي تقوم بها الاداة الاعلامية والتي تشويه صورته.

مصادر
سورية الغد (دمشق)