يشهد قطاع غزة ولا يزال موجة برد شديدة، رافقتها هجمات عسكرية إسرائيلية مكثفة لم تتوقف. يأتي ذلك في ظل استمرار أزمة الكهرباء الحادة التي يعيشها القطاع، الأزمة لم تنته منذ قصف طائرات الاحتلال محطة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة في أواسط العام 2006، وتزداد الأزمة يوميا مع تقليص الاحتلال كميات الوقود التي تصل الى القطاع منذ الإعلان عنه كياناً معاد في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، ووصلت الأوضاع الى حد الكارثة هذه الأيام بعد قرار وزير الأمن الاسرائيلي "إيهود باراك" بإغلاق المعابر بشكل كلي، المغلقة أصلاً.
الفلسطينيون في القطاع يعانون انقطاع التيار الكهرباء الذي تصل لأيام في بعض المناطق، ومحرمون من متابعة ما يجري إعلامياً من تكثيف الجيش الاسرائيلي هجماته الصاروخية على القطاع، ولم يجدوا أمامهم إلا الإذاعات المحلية للاستماع إليها ومتابعة الأخبار، فبعد ضرب مقر وزارة الداخلية السابق المهجور في مدينة غزة الجمعة 18/1/2008، الذي تعرض للقصف في العام 2006، بقنبلة ألقتها طائرة إف 16، ازداد القلق لدى الفلسطينيين حيث يقع مقر الوزارة في منطقة سكانية مكتظة بالسكان، ووقعت بين صفوفهم ضحية وإصابات عديدة و أضراراً فادحة في منازلهم.
وجد الفلسطينيون في القطاع في الإذاعات المحلية متنفسا للاستماع للأخبار، والتعبير عن أرائهم حول الحال الكارثية التي يعيشونها من استمرار الانقسام، وتشديد الحصار، وقسوة الهجمة العسكرية الإسرائيلية المستمرة الهادفة لتركيعهم، وسماع آهاتهم وأنينهم كما عبر عن ذلك أكثر من مسؤول إسرائيلي للضغط على فصائل المقاومة التوقف عن إطلاق الصواريخ محلية الصنع على المدن الإسرائيلية الحدودية.
إحدى الإذاعات المحلية المستقلة فتحت عبر احد برامجها موجة مفتوحة، كان عنوانها هل من حق المقاومة الرد على التصعيد العسكري الاسرائيلي بكل الوسائل؟ على إثر ذلك توالت الاتصالات على الإذاعة وكان معظمها من النساء اللواتي عبرن عن تأييدهن للمقاومة وحقها في الرد بشتى الوسائل بما فيها الصواريخ والعمليات الفدائية النوعية داخل العمق الاسرائيلي.
قبل التصعيد الاسرائيلي الأخير، الذي أوقع 19 شهيداً خلال ساعات، صدرت تصريحات عن مسؤولين إسرائيليين حول قيام قوات الجيش الاسرائيلي قتل ألف فلسطيني خلال العامين الماضيين، من بينهم 800 من عناصر المقاومة وقادتها في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي كان له نصيب الأسد من عدد الشهداء، وكان أول أولئك الذين تبجحوا بقتل هذا العدد الكبير " يوفال ديسكن" رئيس "جهاز شاباك"، ووزير الأمن الداخلي، رئيس الجهاز السابق " أفي ديختر" الذي قال: "انه تم فتل 5% من "المخربين" الفلسطينيين البالغ عددهم 20ألف مخرب".
التصعيد الاسرائيلي ضد قطاع غزة لم يتوقف في يوم من الأيام، وازدادت وتيرته قبل وبعد إجتماع "أنابوليس"، وبعد زيارة بوش للأراضي الفلسطينية، وتزامن مع قرب صدور التقرير النهائي للجنة "فينوغراد" الشهر الجاري، الذي ربما يطيح باولمرت وحكومته. أولمرت الذي يرفض حتى الان شن حملة عسكرية واسعة في قطاع غزة، مبررا ذلك بنجاح العمليات العسكرية "المتدحرجة"، والقصف الصاروخي ضد كوادر وعناصر المقاومة المسؤولين عن إطلاق الصواريخ محلية الصنع على المدن الإسرائيلية الحدودية، ويهدد بالمزيد.
مصادر صحافية إسرائيلية تتحدث عن رضى جميع الوزراء الاسرائيليين عن ما يقوم به الجيش الاسرائيلي ضد قطاع غزة، ويطالبون الجيش بزيادة ممارسة الضغط على السكان المدنيين من خلال تشديد الحصار، لكي يسمعوا آهاتهم وتوجعهم من شدة الضربات العسكرية، وجعلهم يمارسون الضغط على فصائل المقاومة، وعدم الاكتفاء بمطلقي الصواريخ، بل ضرب قيادات في حركة حماس وباقي الفصائل، لجعلهم يدركون انهم في خطر وأن حياتهم مهددة، وان أحداً منهم لن ينجوا.
قصف المقر السابق لوزارة الداخلية رسالة الى الفلسطينيين في غزة قبل ان تكون رسالة الى حماس، من ان الكل الفلسطيني مستهدف، ولا يوجد تمييز بين فلسطيني حمساوي أو أخر فتحاوي إذ ان الشهيدة، التي سقطت بالقرب من مقر الوزارة هي من عائلة تنتمي إلى حركة فتح كانت تحتفل بزفاف احد أبنائها.
الرسالة الإسرائيلية واضحة: يريدون من الفلسطينيين أن يتوجعوا ويصرخوا ألماً، ولا يفرقون بين فلسطيني وأخر، الكل مستهدف، والفلسطينيون في غزة يرفضون التوجع من الصراخ، ويتوحدون خلف المقاومة وبرغم آلامهم وجرحهم النازف يطالبون المقاومة بتوحيد صفوفها وآليات ردها على التصعيد الاسرائيلي الذي يستهدف حياتهم ومنازلهم، الا انهم فوجئوا بمن يثبط من عزائمهم وتفاؤلهم بالوحدة وعودة الروح إليهم من خلال المؤتمر الصحافي لسعيد صيام ولا يعرف الهدف منه في هذا الوقت.
على الفلسطينيين الأخذ بالتهديدات الإسرائيلية بجدية والتصريحات الصادرة من المستوى السياسي والعسكري الاسرائيلي بضرب قادة حماس والمقاومة، وضرب البنية التحتية في قطاع غزة، والاستمرار في فرض الحصار والإغلاق الخانق، فعلى حركتي فتح وحماس التقاط المبادرات الإنسانية الصادرة من الطرفين، خاصة تلك التي صدرت من الرئيس عباس، وحركة فتح بتعزية الزهار، التي خلقت أجواء من التفاؤل.
والبدء في حوار وطني شامل يضع حداً لحال الانقسام، والتوقف عن المناكفات والحرب الإعلامية المسيئة والتراجع عن الإجراءات أحادية الجانب التي يتخذها طرفا الصراع، والنهوض وبناء الإنسان والمجتمع الفلسطيني من جديد، وإعادة الاعتبار له ولقضاياه بما في ذلك بناء جبهتهم الداخلية، وعليهم الإثبات للوزراء الاسرائيليين، الذين يهددون بعملية عسكرية واسعة وكبيرة، ويهددون بضرب البنية التحتية، ويطمحون سماع آهات الفلسطينيين في غزة وأنينهم، من انهم طوال سني الاحتلال لم يسمعوا أنينهم ولن يسمعون.