بدءاً من العام 1918 وحتى العام 1922 كان السباق على أشده بين مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب لتأييد قيام دولة “إسرائيل”، ففي يونيو من عام 1922 قرر مجلس الشيوخ “أن الولايات المتحدة الأمريكية تحبذ إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين طبقا للشروط التي يتضمنها وعد بلفور”، وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية المعروف السيناتور الجمهوري “هنري كابوت لودج” من ولاية ماساشوستس معقل الفكر الأصولي اليميني الصهيوني هو القوة الدافعة لهذا القرار وهي قوة كانت تحمل بذور العداء الديني أيضا لسكان البلاد الفلسطينيين بوصفهم “محمديين” على حد تعبيره، وهو ما اتضح في خطاب ألقاه في بوسطن العام 1922 قال فيه “إن بقاء القدس وفلسطين المقدسة بالنسبة لليهود.... والأرض المقدسة بالنسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب في أيدي الأتراك كان يبدو لي لسنوات طويلة وكأنه لطخة في جبين الحضارة ومن الواجب إزالتها”.

ولعل استدعاء ذلك المشهد من بطن التاريخ يتسق من جديد مع ما أعلنه الرئيس الأمريكي في بداية جولته الأخيرة في المنطقة، فبمجرد أن لامست قدماه مطار بن جوريون كان يرسخ الاعتراف الأمريكي بيهودية دولة “إسرائيل”.

ومما لا شك فيه أن تهويد الدولة العبرية بات جدولا زمنيا وبرنامجا عمليا يحمل على النظر في اتجاهين، الأول هو تنشيط دور الوكالة اليهودية للهجرة إلى داخل “إسرائيل” والثاني هو تهجير العرب بمسلميهم ومسيحييهم من داخل الأراضي المعروفة بنطاق عام ،1948 ماذا عن تلك الخطة؟

منذ انتهاء الهجرة الكبيرة في 2002 التي انتقل خلالها مليون يهودي من دول الاتحاد السوفييتي السابق وبحسب بيانات دائرة الإحصاء المركزية، فإن “إسرائيل” باتت دولة طاردة للهجرة لا جاذبة لها.

ومما لاشك فيه أن هناك أسبابا خارجية وأخرى داخلية دفعت إلى هذا النحو، فالأحوال الاقتصادية في روسيا تحسنت في عهد بوتين، وفي فرنسا كان مجيء ساركوزي للحكم عاملا مطمئنا ليهود فرنسا، ولهذا فقد فضل هؤلاء وأولئك البقاء في الأوطان التي ولدوا وعاشوا فيها ولم يصدقوا دعوة أولمرت بأن “الحياة هنا في إسرائيل أفضل”.

والشاهد أن نظرة على تصريحات “زئيف بيلسكي” رئيس الوكالة اليهودية للهجرة، الخاصة بالأسباب التي أدت لهذا التدهور تشير إلى أنه يتغاضى عن الخلل الكبير الذي يعتمل في داخل “إسرائيل” والتي باتت فاقدة لديمقراطيتها، ولاحترام وتعاطف العالم لها، ما حدا برجل من وزن إبراهام بورج رئيس الكنيست السابق للقول بأن بلاده أضحت شبيهة بالدولة النازية.

وأمام هذا المصير المؤلم وفي ظل الزخم الذي أفرده بوش بإقراره ومن جديد بيهودية الدولة العبرية كانت وسائل الإعلام “الإسرائيلية” تكشف عن مخطط أعده أولمرت لتفعيل هجرة اليهود إلى فلسطين مشيرة إلى أنه يتطلع لجعل العام الحالي باكورة لاستقبال 300 ألف مهاجر يهودي من دول شتى في العالم وذلك خلال بضع سنوات.

وما لم تقله وسائل الإعلام “الإسرائيلية” هو أن أولمرت قد أصدر مؤخرا توجيهات للسلطات المعنية وهي وحدة “بيتصور” من الموساد “الإسرائيلي” التي تعمل في العالم العربي والدول الإسلامية ووحدة “نتيف” الفاعلة في شرق أوروبا لاستقدام واستيعاب اليهود في الأراضي المحتلة من أجل تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين.

ولعل “يوسي ميلمان” مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” قد أشار إلى الأزمة القادمة من خلال حديث عن هجرة 40 يهوديا إيرانيا إلى “إسرائيل” منذ فترة قريبة، وهو الحدث الذي هللت له “إسرائيل”، وكأنه رسالة للعالم أجمع بأننا قد استطعنا اختراق الدولة الإيرانية التي تمثل العدو الأول ل “إسرائيل” في المنطقة وما حولها وهذا يعني أن تهجير يهود من دول أخرى سيضحي أمرا يسيرا.

والحال أن الأمر لم يتوقف عند هذا السياق بل تخطاه إلى قيام حكومة أولمرت بتسريع تهويد حوالي 300 ألف مهاجر لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديتهم وذلك لضمان نسبة عالية لليهود أمام فلسطينيي 1948. والمعروف أن الحاخامية اليهودية في السنوات الأخيرة لم تعد تعتبر أكثر من 50% من المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق يهودا وتعارض تسريع تهويدهم.

أما الاتجاه الثاني لتهويد الدولة العبرية فمن خلال ما تخطط له بعض الكتل البرلمانية في الكنيست “الإسرائيلي” من تمرير قانون يسمح لوزير الأمن في حكومة الاحتلال بسحب المواطنة، أي الجنسية، من أي شخص لا يؤكد ولاءه للدولة. وباختصار غير مخل فإن قراءة أولية لهذا القانون العنصري الذي يقارب الفاشي ويجاور النازي تدعو للقول بأن 2.1 مليون فلسطيني مهددون بالترحيل في ترانسفير فلسطيني كثر الحديث عنه.

والحاصل أنه بعد حديث بوش الأخير بات الكلام عن حق العودة في مواجهة خطط التهويد والتهجير مجرد سراب، وأضحى الاحتمال الأرجح هو بدء عملية اقتلاع جديدة للفلسطينيين من أراضيهم، وبين هذه وتلك يضحي الحديث عن دفع العملية السلمية خطيئة مميتة وليس عرضية كما في علوم اللاهوت، وذنب لا يغتفر كما تقول الصوفية.

ولعل التساؤل: ما هو الثمن الذي ستقدمه “إسرائيل” للدول التي ستهجر اليهود منها إليها؟

هذا التساؤل لم يشغل عقل بوش رغم يقينه بأن ثمن هجرة اليهود السوفييت كان أخطر معلومات تهم الأمن القومي الأمريكي والتي سرقها الجاسوس الأمريكي جوناثان بولارد محلل البحرية الأمريكية والتي سربها ل “إسرائيل” عبر “رافي ايتان” وزير شؤون المتقاعدين الآن في “إسرائيل” والذي غاب عن استقبال بوش في مطار بن جوريون حيث لا يزال مطلوبا في أمريكا بتهمة التجسس، فهل سيقدم بوش بجوار خطاب الضمانات الذي زود به شارون من قبل معلومات جديدة ولو على حساب الأمن القومي الأمريكي تسهل مهمة أولمرت في هجرة المزيد من اليهود سيما أن قسماً كبيراً من زيارته كان بهدف دعم أولمرت في مواجهة تقرير فينوغراد وشعبيته المتدهورة؟

هل هذا رئيس محل لأي ثقة عربية وبخاصة بعدما تحول من بطة عرجاء إلى بطة ميتة؟ وهل بات علينا أن نتوجس في 2008 من الأسوأ الذي لم يأت بعد

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)