ربما لا تكون السياسة تحمل نفس التناسق الذي رسمه الثلج ما بين عمان ودمشق، لكن هذه الظاهرة الجوية أتت بعد فترة من القحط والصقيع متزامنة مع ظاهرة مماثلة في السياسة الإقليمية، فـ"الثلج" كسر الاعتياد في حياة الناس الذين وجودوا أنفسهم فجأة مكللين بالبياض، بينما بقيت أحداث غزة صورة تهبط مع البرد، ومع الشعور بالعزلة.

بالطبع ليس هناك أي مقاربة منطقية بين حصار غزة وثلج دمشق، لكننا إذا سرنا على طريقة "الرابط العجيب" الذي تتبعه الإدارة الأمريكية نجد أن هناك أكثر من علاقة:

 فالطقس البارد ربما يعيدنا إلى التفكير مجددا بفقدان الوقود في غزة.

 وحركة السير البطيئة ربما تحملنا إلى شوارع غزة التي تبدو خالية من السيارات.

 والمفاجأة بهطول الثلج ستحملنا على الاعتقاد بأننا مازلنا ننتظر مفاجأة السماء لحل أزمات مستعصية بعد أن عجزنا وعجزت الإدارة الأمريكية عن تطويعها.

 وانقطاع الطرقات يعيدنا إلى المعابر المغلقة في غزة.

ما حدث بالأمس هو "ذاكرة" لثلج غزة المحتبس منذ عام 1967، رغم المساحات التي ظهرت في الانتفاضة الأولى والثانية، فالقضية خرجت على ما يبدو من طاقة السياسية التي تم حصارها بشكل دائم، ودخلت في حسابات "الفلك" مادامت المفاوضات مستمرة في أوج الحصار، ومادامت حرارة المصافحة مستمرة بينما يبقى الدم البارد يكلل الوجوه المجتمعة أمام "حائط" خارطة الطريق التي يبدو أنها رسمت لزمن لا مطر فيه ولا ثلج بل مجرد افتراضات لإعادة رسم الإرهاب على خارطة شعوبنا.

ويمكننا اليوم تسجيل مفارقات عديدة لكنها أصبحت نوعا من الترف أمام استحالة التحرك، او التجمد من "البرد" وجفاف الصحراء، وقحط النفط الذي يتم استبداله اليوم بالطاقة النظيفة، فحصار غزة فرض قبل سنوات عندما تركت الانتفاضة تتداعي رغم القمة العربية الطارئة، ويوم تركت بغداد أيضا تسقط أمام بعض الضحكات الصفراء، وأخيرا يوم كانت حرب تموز تحصد اللبنانيين بينما كان بعض وزراء الخارجية العرب يتأملون.

وسط العاصفة الثلجية لا نستطيع سوى التوقف مع الكلمات، لأن اللحم الحي في غزة هو الذي يرسم لنا أفقا واحدا لعدم قدرة السياسة الدولية على تطويع جغرافية هي في الحقيقة مخيم واحد كبير منتشر على مساحة عالمنا العربي.