إنه موقف يشبه إلى حد بعيد ما حدث خلال حرب تموز 2006، عندما تم تحميل حزب الله مسؤولية الحرب في وقت كان "إسرائيل" تستبيح كل شيء في لبنان، واليوم يعتبر الرئيس حسني مبارك أن ما يحدث في غزة مسؤولية مشتركة، مما يوحي ان "أدبياتنا" السياسية تسير على نفس الاستراتيجية السابقة.

والمشكلة هنا تنحصر حسب "التصريحات" الرسمية بـ"رد الفعل" الإسرائيلي، معتبرين أننا نقف على مساحة واحدة من "الدولة العبرية" وباقي أطراف الصراع، بمعنى أن الطرف الإسرائيلي له نفس الحقوق التي يمتلكها الآخرون، وفي هذا التفكير ليس تصفية نهائية للاحتلال الإسرائيلي بل هي أيضا إعادة لرسم التحالفات العربية على أساس جديد.

في الوجهات السياسية هناك مصالح تحكم المواقف والآليات، وما يحدث بشأن غزة اليوم يوضح أن بعض المصالح العربية تنظر إلى "إسرائيل" قبل أن تباشر بـ"التطبيع" وحتى قبل أن تعيد رسم استراتيجيتها على أساس أن "إسرائيل" هي الحليف، وأن المجتمع في غزة هو العدو، وهذه الممارسة وصلت حتى إلى داخل التيارات الفلسطينية، حيث نسمع تصريحا في أوج عملية "الإبادة" التي تمارسها تل أبيب، توحي بأن "إسرائيل" أصبحت في صلب التفكير في السياسة الداخلية أو "الصراع" على السلطة.

وعندما ينتقد الرئيس المصري الصواريخ التي تنطلق من غزة، ويقول إنها "ترعج الإسرائيليين" فإنه يحيل المسألة إلى نقطة جديدة متعلقة بـ"علاقات الجوار" بينما لا تملك غزة مثل هذا "الجوار"، وقضية الصواريخ ربما تشكل رمزا، لأن ما يقوم به "باراك" و "أولمرت" هو كسر إرادة لا علاقة لها بالصواريخ بشكل مباشر.

فإذا كانت "عملية التسوية" وصلت إلى مسألة "ترتيب الجوار" لكل الأطراف فربما علينا أن نسأل عن الجدار الذي يتم بناؤه كتفصيل واحد من جملة إجراءات تشكل حربا معلنة ضد كل الجوار الجغرافي لفلسطين وليست موجهة فقط ضد قطاع غزة.

ما يرعبنا في المواقف العربية ليس فقط هوائية التصريحات، أو عدم القدرة على اتخاذ تحرك واضح المعالم، بل هو أنها تقدم تأكيدات أن "إسرائيل" مقبولة سياسيا أكثر من أي دولة عربية، فالاحتكاك السوري – اللبناني الذي بدأ عام 2005 أثار لدى بعض الأطراف العربية تحركا سريعا ضد دمشق (تجاوبا مع الموقف الدولي) أكثر مما يثيره القتل اليومي في غزة، فـ"النظام العربي" بشكله الحالي قادرا على التصرف ضد بعض أطرافه، بينما يتكاسل على ما يبدو تجاه إسرائيل.. فهل يوحي هذا الأمر باستراتيجية جديدة؟!!