كان يوم الخميس الماضي، تاريخيا ومهما، على الأقل، بالنسبة لمؤسسة ياد فاشيم الإسرائيلية، المختصة بما يتعلق بالمحرقة التي تعرض لها يهود اوروبا ابان العهد النازي (الهلوكوست). وتعتبر هذه المؤسسة، التي تضم عدة متاحف ونصب تذكارية، أحد أهم المعالم الإسرائيلية التي يزورها كبار الشخصيات العالمية التي تزور البلاد، وكان آخرهم الرئيس الأميركي جورج بوش.

وتتبنى المؤسسة، وجهة النظر الإسرائيلية حول الهولوكوست، ورغم أنها حققت إنجازات كبيرة في تقديم وإشاعة روايتها على المستوى الدولي، إلا انه بقي هناك بالنسبة لها، حصنا منيعا، عصيا على الاقتحام وهو العالم العربي، رغم أنها تمكنت من إحداث ثغرات في هذا الحصن، حيث يوجد اتجاه غالب فيه قد يكون السائد يقلل من حجم الهولوكوست.

ولهذا السبب كان يوم الخميس الماضي، تاريخيا بالنسبة لمؤسسة ياد فاشيم، حيث أطلقت موقعا باللغة العربية حول الهولوكوست، سبقه اهتماما من وسائل الإعلام الإسرائيلية بهذا الموضوع. وكلفت مؤسسة ياد فاشيم مستشرقين ومختصين باللغة العربية، وأكاديميون للإشراف على الموقع الذي رأى النور أخيرا. ويحتوي الموقع، على ما تعتبره مؤسسة ياد فاشيم القصة التاريخية للهولوكوست، ومفاهيم المحرقة، ومقالات أكاديمية، وعرض أغراض مختلفة، وخرائط جغرافية، وصور فوتوغرافية، ووثائق أرشيفية، بالإضافة إلى أفلام فيديو تشمل شهادات، مترجمة إلى اللغة العربية. كذلك يحتوي الموقع على عرض خاص متعدد الوسائل (مولتيميديا) لألبوم المعسكر النازي (أوشفيتس)، وقصص منقذي اليهود من الأمم المختلفة وضمنهم مسلمون من تركيا وألبانيا، وفيلم يحمل العنوان "لقد كنا هناك"، وفيه توثيق لزيارة مشتركة لعرب ويهود أوشفيتس.

ولم يخف افنير شاليف، رئيس مجلس إدارة ياد فاشيم الهدف من الموقع، قائلا بمناسبة إطلاقه "إن الجمهور الناطق بالعربية هو جمهور واسع، ويعتبر إنشاء موقع شامل وسهل الوصول عن الهولوكوست باللغة العربية أمرًا ضروريًا. وفي ضوء ظاهرة إنكار الهولوكوست واللاسامية اللتين نشهدهما في الدول العربية، نريد عرض مصدر بديل للمعلومات للمعتدلين من هذه الدول، لنزودهم بمعلومات موثوق بها عن الهولوكوست".

ويعرف الموقع الهلوكوست بانه "عملية القتل العمد التي ارتكبتها ألمانيا بحق ستة ملايين يهودي. وفي حين بدأت ملاحقة النازيين لليهود في سنة 1933، فإن الإبادة الجماعية تم تنفيذها خلال الحرب العالمية الثانية. وأنجز الألمان وشركاؤهم عملية إبادة ستة ملايين من اليهود خلال أربعة أعوام ونصف العام. وبلغت "إنتاجيتهم" أشدها بين أبريل نيسان ونوفمبر تشرين الثاني من عام 1942، وهي فترة من 250 يوما قتلوا خلالها نحو مليونين ونصف من اليهود. ولم تصدر منهم أي بادرة لضبط النفس، وإذا تباطؤا بين الحين والآخر فلسبب واحد هو "نفاذ" اليهود المرشحين للإبادة، ولم يتوقفوا عن فعلتهم إلا حين هزمهم الحلفاء".

أما مؤسسة ياد فاشيم، المشرفة إسرائيليا على نشر رواية الهولوكوست، فقد تأسست عام 1953 "كمركز عالمي توثيقي وبحثي وتعليمي لتخليد ذكرى الهولوكوست، فأصبحت ملتقىً دوليا للأجيال، حيث يأتي كل عام مئات الألوف من الزوار من جميع أصقاع الأرض والمنتسبين إلى كافة الطبقات والديانات والمعتقدات لزيارة مجمّع ياد فاشيم المترامي الأطراف الذي يضم المتاحف والمعارض والأنصبة التذكارية والمراكز البحثية والتعليمية والأراشيف والمكتبات".

وتفتخر ياد فاشيم كونها تملك أكبر وأشمل أرشيف في العالم للمواد المتعلقة بالهولوكوست، يحوي نحو 68 مليون وثيقة وما يزيد عن 300 ألف صورة وآلاف الأشرطة وكاسيتات الفيديو التي تقدم شهادات الناجين من الهولوكوست.

أما مكتبة المؤسسة فتحوي نحو 112 ألف عنوان بمختلف اللغات وآلاف المجلات و"عددا كبيرا من المواد النادرة الثمينة، وقد احتل موقعها موقع أهم مكتبة في موضوع الهولوكوست على مستوى العالم".

وتوجد مدرسة دولية تابعة للمؤسسة لتعليم "علوم الهولوكوست"، وتستضيف هذه المدرسة كل عام المئات من المربين من مختلف أنحاء العالم لتلقي دورسا عن الهولوكوست لينقلوا ذلك إلى تلاميذهم، ومن بينهم مربون من الأردن.

وتحوي المؤسسة عدة متاحف، من بينها متحف تاريخ الهولوكوست، ومتحف الفن الذي يحوي أعمالا فنية عن الهولوكوست، ومراكز دراسة تفاعلية، وقاعات عرض ومراكز لمشاهدة الأفلام، ومواقع تخليدية، من بينها موقعا بمساحة 10 دونمات، على شكل متاهة من الساحات والحيطان والدروب المفتوحة والمسدودة كتبت على حيطانها باللون الابيض أسماء الآلاف من اليهود الذين تقول المؤسسة انهم قضوا خلال الهولوكوست، بالإضافة إلى أسماء أخرى لمن تقول انهم نجوا من المحرقة.

وكانت المؤسسة أطلقت العام الماضي موقعا على الإنترنت باللغة الفارسية، وحسب إحصاءاتها فانه خلال عام زار موقع ياد فاشيم 7 ملايين شخص تقريبًا من 200 دولة، ضمنهم 56,600 من دول مسلمة و32,500 من دول عربية، وهذا ما شجع اطلاق الموقع باللغة العربية.

ويحاول المشرفون على موقع المؤسسة باللغة العربية، مخاطبة المتلقين العرب، من خلال سياقات ثقافية غير بعيدة عنهم، لذا فانه خصص جزءا منه لعرض معلومات عن شخصيات إسلامية، قدمهم كأصدقاء للشعب اليهودي، وساهموا في إنقاذ يهودا من الهولوكوست. ومن بين هؤلاء صلاح الدين أولكومين، الذي كان في عام 1944، قنصل تركيا العام في جزيرة رودس، وانقذ 42 يهوديا، من الترحيل إلى معسكر اوشفيتس.

ورغم ما تقول المؤسسة إن اولكومين فعله، من اجل اليهود، إلا أنها تأخرت كثيرا في الاعتراف بجهوده، وبتاريخ 13\12\1989 أعلنت مؤسسة ياد فاشيم اعترافها بصلاح الدين أولكومين "نصيرا من أنصار الشعب اليهودي" وتسعى الان لكسب المزيد من الأنصار في العالم العربي من خلال موقعها الجديد على الإنترنت.

مصادر
ايلاف