لو ان الموضوع لم يصدر عن محللين سياسيين على الفضائيات لالتبس الأمر واعتقدنا أن المسألة تتعلق بالأدب الساخر الذي نشط في نهاية الحقبة العباسية، لكن وزراء الخارجية العرب يبدو أنهم مارسوا "العصف الدماغي" فأنتجوا "نسمة" تنساق مع قدرتنا على ابتداع الكلام... وظهر "الغموض البناء"!! ليفسر المبادرة العربية تجاه لبنان.

والمشكلة أن الاجتماعات العربية شئنا ام أبينا تشكل مع الزمن "تراثا" سياسيا على سياق "بترول العرب للعرب"، أو ربما "لاءات" الخرطوم، فنحن نشكل اليوم أدبيات "منزلقة" نحو النوادر والحكايا، مثل "البتوع.. والبتاع" التي انتشرت خلال حرب تموز، واليوم "الغموض البناء" الذي لا يقل سماجة عن كل أدبيات حرب عام 2006، لكننا نفهمه كـ"نادرة" لأنه ترافق مع سقوط الضحايا في بيروت.

بالطبع فإن "الغموض" سمة ثابتة للسياسة العربية وعلى الأخص داخل أروقة "النظام العربي، لكن المضحك هو مسألة "البناء" التي تملك سمعة سيئة لارتباطها بـ"الفوضى البناءة" أحيانا وأحيانا أخرى بـ"البناؤون الأحرار" أو ما اصطلح على تسميته بالماسونية.. ورغم أن "الغموض البناء" العربي تحديدا غير قادر على اكتساب سمة "الانتظام" في استراتيجية محددة كما حدث في المثالين السابقين، فإنه سيدخل حتما في لون آخر يُنذر بـ"التراشق" السياسي، أو حتى "دفن" النوايا بانتظار ساعة تصفية الحساب.

عندما "تحتدم" اللقاءات العربية لا ينكشف "الغموض" إنما يقدم لنا نموذجا كاملا للتحايل على التناقضات، أو النتائج التي تراكمت نتيجة بعض السياسات، وفي نفس الوقت يعيد لنا ذاكرة سوداء من التواري خلف "المناطق الرمادية" لجعل ساحة الصراع منسية واستبدالها بجغرافية جديدة، وربما نتذكر أنه خلال الحرب اللبنانية كان الاقتتال يشتد بعد أي قمة عربية، طارئة" على الأغلب، وكنا نتساءل في ذلك الوقت عن حجم الانفاق اليومي على الذخائر في بلد لا يملك موارد حقيقية.

واليوم لا تتكرر الصورة بشكل مطابق، ولكنه مشوهة إلى أبعد الحدود، ومكتوبة بخبرات سياسية فقدت أي زاوية جديدة لرؤية مستقبل المنطقة، أو التعامل معها من منظور مختلف، ثم يترك وزراء الخارجية العرب قاعة الاجتماعات، ويبدأ "الغوض البناء" بالتفاعل على حساب كل المجتمعات العربية، مشكلا ثقافة من الخيبة السياسية، تؤدي تلقائيا لتفاقم الأزمات، أو لظهور التطرف مهما كان نوعه، فنبحث من جديد عن سبل لـ"محاربة الإرهاب" أو لإطلاق "شرق أوسط ..." جديد أو قديم.. او حتى رمادي!!!