غدا الأربعاء تصل العاصفة الجوية التي تضرب إسرائيل، إلى ذروتها، ولكنها ليست هي فقط ما يستعد له الإسرائيليون، فهم يستعدون أيضا وبشكل أهم لعاصفة أخرى سياسية هذه المرة، وهي صدور تقرير لجنة فنيوغراد، التي شكلت للتحقيق في مجريات الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف 2006. وكانت اللجنة نشرت أجزاء من تقريرها في وقت سابق، ولكن بعد 60 ساعة من المنتظر أن يصدر التقرير المنتظر كاملا، الذي من المتوقع أن يوجه لوما شديدا لايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، رغم أن اولمرت نفسه من شكل اللجنة كلجنة فحص ذات قرارات غير ملزمة، ورفض في حينه تشكيل لجنة لتقصي الحقائق. وعشية صدور التقرير فان جميع الأطراف المعنية في إسرائيل واللاعبين السياسيين، بداوا منذ الان معاركهم الخاصة للاستفادة القصوى من التقرير المنتظر.

ولعل اعجب ما جرى هو ما فعله اولمرت والمقربين منه، حين عمدوا إلى تسريب مقتطفات من التحقيق الذي أجرته اللجنة، إلى الصحافة، رغم انه يعتبر سريا. والمقتطفات التي سربت تصب في مصلحة اولمرت، الذي تهتز أرجل كرسي رئاسة الوزراء الجالس عليه، وربما تتكسر ويسقط عن الكرسي. وما نشره اولمرت، يتعلق بالفترة الأخيرة من الحرب، وقرار شن المعركة البرية التي أودت بـ 33 جنديا إسرائيليا.

وحسب ما نشر من مقتطفات تتعلق بالساعات الستين الأخيرة من الحرب، فانه توجد إشادة من بعض أعضاء لجنة فينوغراد بأداء أولمرت خلال هذه الفترة من الحرب، معتبرين أن العملية البرية التي جرت في هذه المرحلة من الحرب خطوة تهدف إلى تحسين صيغة مشروع القرار الذي طرح على مجلس الأمن الدولي.

وما نشر عبارة عن أجزاء من محاضر يجيب فيها اولمرت على أسئلة أعضاء اللجنة حول لماذا لم يلجا إلى خوض المعركة البرية قبل الساعات الستين الأخيرة من الحرب، وقبل الإعلان عن وقف إطلاق النار.

واشاد عضو اللجنة الميجر جنرال احتياط مناحيم عينان بالخطوات السياسية لاولمرت مشيراً إلى أن الإنجازات السياسية التي تم تحقيقها أفضل مما تم تحقيقه في ختام الحروب الماضية التي خاضتها إسرائيل.

وقال عينان أن قرار اولمرت بخصوص المعركة البرية كان من المفروض أن يتخذه في وقت سابق، ومع ذلك فان عينان رأى بان القرار أدى في الواقع إلى تغيير الوضع الأمني على امتداد الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. واضاف "انتهت هذه الحرب بشكل افضل بكثير من الحروب السابقة التي خضناها، بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701".

واشار إلى أن قرار اولمرت بشان المعركة البرية، كان خطوة ضرورية، لحسم النتائج بخصوص الوضع على الحدود، ولتحقيق إنجازات سياسية استراتيجية.

أما عضو اللجنة البروفيسورة روت غابيزون فقالت إن المعركة في لبنان لم تنته بسبب تبني القرار من قبل مجلس الأمن الدولي، وإنما بسبب رغبة حزب الله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وذلك نظرا لحالة اليأس التي واجهها هذا الحزب.

وقالت غابيزون "بدون قرار خوض المعركة البرية، لكان الوضع مغايرا تماما عما حدث، ولما كان حزب الله في وضع جعله يوافق على وضع نهاية للحرب". واعتبر عضو اللجنة البروفيسور يحزقيل درور إن أحد الإنجازات التي حققها اولمرت هو دمج الأبعاد السياسية والعسكرية معا، وفي هذا الإطار كان قرار خوض المعركة البرية صائبا.

وتعقيبا على نشر مقتطفات من محاضر لجنة فينوغراد، اتهمت النائبة زهافا غلئون من كتلة ميرتس اولمرت بالتلاعب بهذه المحاضر و"استخدامها بصورة مغرضة في إطار النضال من أجل بقائه السياسي".

واتهم معارضو اولمرت، لجوئه إلى نشر أجزاء من التقرير الذي يعتبر سريا بموجب الرقابة العسكرية، محاولة يائسة منه، للهروب من الاستحقاق الذي يواجهه وهو الاستقالة باعتباره المتسبب عن مقتل الجنود الثلاث والثلاثين الذين سقطوا بعد قرار المعركة البرية، أما اولمرت فما زال مصرا بان القرار الذي اتخذه كان صائبا وهو الذي أدى إلى الهدوء الذي تنعم به الان الحدود الإسرائيلية الشمالية.

وانطلقت الاثنين الحملة الإعلامية التي تدعو اولمرت لتقديم استقالته تحت شعار (يوم الحساب)، وتركز الحملة على أداء اولمرت حلال الساعات الستين الأخيرة، ونشرت الحملة إعلانات تنص "33 جنديا دفعوا حياتهم لحيلة إعلامية استهدفها اولمرت".

ويشارك في الحملة عائلات القتلى في حرب لبنان، وجنود من الاحتياط، يدعون اولمرت للاستقالة من منصبه مع التأكيد انه يتحمل نتائج الحرب وعليه دفع الثمن. ووصل النقاش عشية صدور التقرير إلى مؤسسة الجيش، وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية، بان الخلافات في الجيش الإسرائيلي على اشدها حول مسالة وجوب استخلاص العبر من الحرب وإذا ما كان يتوجب على اولمرت تقديم الاستقالة.

وبعد الرسالة التي وجهها جنود من الاحتياط لاولمرت دعوه فيها إلى الاستقالة من منصبه، دعا 85 من المقاتلين والضباط إلى عدم تدخل الجيش في السياسة. وابرق هؤلاء برسالة تحمل هذا المعنى إلى اولمرت ووزير دفاعه، مطالبين بإبقاء الجيش خارج نطاق النقاش السياسي مهما كانت شرعية هذا النقاش، مشيرين إلى أن الحسم الديمقراطي في إسرائيل يتخذه الجمهور امام صناديق الاقتراع، ونوه الموقعون على الرسالة بان رسالتهم لا تحمل في ثناياها دعما لاولمرت وانما تعبر عن الاحتجاج على الضباط والجنود الذين دعوا اولمرت إلى تقديم استقالته.

ودرءا لأية شبهات، سارع مكتب اولمرت للتأكيد بان لا علاقة له بالرسالة الجديدة، ولكن الصحافة كانت بالمرصاد، حيث ذكرت بعض الصحف الإسرائيلية الصادرة صباح اليوم أن أحد الموقعين على العريضة هو نشيط في شبيبة حزب كاديما الذي يتزعمه اولمرت.

ولكن هناك في داخل حزب كاديما، أيضا، من يستعد لصدور التقرير المنتظر، مثل وزيرة الخارجية تيسبي ليفني، التي عقدت اجتماعا في منزلها مع وفد من عائلات قتلى الحرب وجنود الاحتياط، وسارعت ليفني إلى القول بان الاجتماع يندرج ضمن سياق تعاطفها مع عائلات القتلى والجنود وضمن مسؤوليتها كوزيرة في الحكومة، وانه لا علاقة له بالحملة التي تشنها العائلات والجنود ضد اولمرت.
وقال دافيد انغورد، وهو والد أحد قتلى الحرب واحد الذين التقوا ليفني، بان الوزيرة تدرك أهمية الموقف، وان الآراء التي طرحت خلال الاجتماع تحمل في طياتها دلائل عديدة، وان ليفني كوزيرة في الحكومة ستضطر في نهاية المطاف لاتخذت قرار مستقل، مشيرا إلى ليفني تتمتع بذكاء كاف لتتخذ ما اسماه بموقف حازم كذلك الذي اتخذته بعد نشر التقرير المرحلي للجنة فينوغراد، يصب في مصلحة اختيار قيادة ملائمة لدولة إسرائيل.

أما النقيب احتياط تومر بوهانا الذي كان من أعضاء الوفد الذي التقى ليفني فقال بان "الوفد لا يعتزم الكشف عن تفاصيل الاجتماع" ولكنه أشار إلى أن الوزيرة "أبدت موقفا مسؤولا وقياديا وأنا متأكد بأنها ستتخذ موقفا واضحا بعد نشر التقرير".

وفي خطوة مماثلة اجتمع الوزير بنيامين بن اليعازر وهو أحد أقطاب حزب العمل المشارك في الحكومة، مع ممثلين عن جنود الاحتياط الغاضبين وعائلات القتلى وقال بن اليعارز "في حالة اتخذت لجنة فينوغراد قرارا صارما بشان اولمرت، فان حزب العمل سيدعوه للاستقالة، وإذا لم يستجب اولمرت لذلك، فان حزب العمل سيبادر إلى تبكير موعد الانتخابات بالاتفاق مع الكتل البرلمانية الأخرى".

ويبقى موقف رئيس حزب العمل ووزير الدفاع ايهود باراك غامضا، وهو الذي وعد بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا أدان التقرير اولمرت، واكتفى المقربون من باراك بالقول بأنه سيتخذ قراره وفقا لما تقتضيه مصلحة الدولة.

وداخل حزب العمل يوجد تيار يدافع عن بقاء الحزب في الحكومة، وعقد نشطاء هذا التيار اجتماعا اعتبروا فيه البقاء في الحكومة هو تعبيرا عن مسؤولية وطنية. ويطالب هؤلاء بالتروي قبل اتخاذ أي قرار بشان الانسحاب من الحكومة، ولكن يوجد تيار أخر يطالب باراك بالإيفاء بالوعود التي قطعها على نفسه قبل دخول الحكومة، والتي تتعلق بالانسحاب منها إذا أدان تقرير اللجنة اولمرت والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

والخطر على حكومة اولمرت لا يأتي فقط من جهة حزب العمل، ولكن أيضا من حزب شاس الديني، حيث قرر مجلس الحاخامات التابع للحركة الانسحاب من الحكومة متى بدأت الحكومة المفاوضات مع الفلسطينيين حول القدس.

وقال أعضاء المجلس انه لا مجال لإجراء مفاوضات أو التحدث عن اتفاقيات سلام قبل أن يتم القضاء على ما أسموه الإرهاب نهائيا، وكلف مجلس الحاخامات رئيس حركة شاس الوزير ايلي يشاي متابعة سير المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين وابلاغ أعضاء المجلس بما يجري فيها من تطورات.

وأفادت صحيفة هارتس في عددها الصادر الاثنين أن اولمرت يميل إلى أرجاء المفاوضات حول قضية القدس نظرا لكون هذا الموضوع معقدا للغاية، ورغبة منه في تجنب وقوع أزمة ائتلافية بسبب انسحاب حركة شاس من الحكومة.

وفي انتظار العاصفة الثلجية، واعلان السلطات المحلية الطوارء لمواجهتها، فان اسرائيل كلها تعيش حالة طواريء مع اقتراب (يوم الحساب).