مقابلة غير منشورة أجراها في دمشق: عثمان تزغارت

• لهذه الأسباب أوقفنا العمليّات الخارجيّة

• واقع الأنظمة العربيّة ضرب اليسار الفلسطيني

قبل قرابة عامين، التقى الزميل عثمان تزغارت مطوّلاً الراحل الدكتور جورج حبش في مكتبه بـ«مركز دراسات الغد الفلسطيني» في دمشق. بقي هذا الحوار مع الدكتور جورج حبش غير منشور حتى اليوم... «الأخبار» تنفرد بنشر هذه الوثيقة التي تضيء جانباً هاماً من فكر الراحل ومواقفه، وخاصة أن الحوارات الصحافية معه أصبحت نادرة جداً منذ الأزمة الصحية التي تعرّض لها في منتصف التسعينات

ـ• الآن، مع مرور أربعين عاماً على بدء الكفاح المسلح الفلسطيني في 8/1/1965، حين تلقي بنظرة إلى الوراء، ما هو تقويمك لمنجزات المقاومة الفلسطينية خلال هذه المرحلة؟ وما هي الأسباب التي عطلت مسار التحرير حتى الآن؟
 تحتاج الإجابة الموضوعية الدقيقة عن مثل هذا السؤال إلى مراجعة نقدية تحليلية لتجربة المقاومة الفلسطينية على مدار عدة عقود، بكل ما لها وما عليها، وهذا بالطبع ليس بالأمر اليسير، وخاصةً أننا كنا أحد الأطراف الفاعلة في هذه الأحداث، سواء من خلال حركة القوميين العرب، أو من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبالتالي لا بد أن يتناول النقد العامل الذاتي، إضافةً إلى العوامل الموضوعية الكثيرة، المتشابكة، والمؤثرة في لوحة الصراع على مدى تلك الفترة الزمنية المديدة.
لقد كانت انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح، بمثابة ولادة جديدة للفلسطينيين بعد عقدين على نكبة فلسطين في عام 1948، وقد سبق هذه الولادة إرهاصات وجهود سياسية كبيرة من أجل تعبئة وتنظيم كفاح الشعب الفلسطيني، وانطلاقاً من إيماننا بقومية القضية، ووحدة النضال العربي رأينا آنذاك أن النضال الفلسطيني يندرج في إطار معركة شاملة تخوضها الأمة العربية بأسرها، لكون المشروع الصهيوني مشروعاً استيطانياً توسعياً لا يستهدف الفلسطينيين فحسب، بل الوجود العربي بأسره.
إن اقتلاع الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم كانا الكارثة الكبرى التي لحقت بهم في عام 1948، ومن ثم طُرحت مشاريع كثيرة مشبوهة لتوطينهم ودمجهم في البلدان التي استضافتهم، وخاصة في الأردن حيث شكل الفلسطينيون حوالى 70% من سكانه بعدما أُلحقت الضفة الغربية به.
لقد راهن العدو الصهيوني على عامل الزمن من أجل تذويب الهوية الفلسطينية، معتقداً أن هذا العامل سوف يدفع الفلسطينيين إلى نسيان بيوتهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم التي هجِّروا منها، لكن الإنجاز الأهم الذي تحقق مع انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح، ليس فقط إثبات أن الشعب الفلسطيني متمسك بهويته الوطنية، التي لا تتناقض مع بعدها القومي، وإنما بلورة الشخصية الوطنية الفلسطينية أيضاً التي تمثلت في إنشاء م. ت. ف ككيان سياسي للفلسطينيين، له برنامج ومشروع سياسي عمّق مفهوم الوطنية الفلسطينية ملاحظاً (البرنامج) خصوصية وضعهم، مما جعل منهم عاملاً فاعلاً في الحقل السياسي الوطني الفلسطيني والقومي العربي على اعتبار أن المشروع الصهيوني يشكل عامل تهديد كما قلنا للوضع العربي برمّته، نظراً لطبيعته التوسعية العدوانية، ودعمه من قبل دوائر الإمبريالية العالمية.
حينما نقف أمام الأسباب التي عطّلت مسار التحرير حتى الآن، لا بد لنا أن نلاحظ شبكة العلاقات المعقدة التي أحاطت ولا تزال بالقضية الفلسطينية على المستويات المحلية والإقليمية والعربية والدولية، وهناك دون شك أسباب موضوعية وأخرى ذاتية حالت دون وصولنا إلى هدف التحرير، ولا سيما مع تغير موازين القوى الإقليمية والدولية التي لم تصب في مصلحتنا كحركة تحرر وطني وقومي، فالتجارب الوحدوية فشلت وبالتالي لم يتحقق شعارنا «الوحدة طريق تحرير فلسطين»، كذلك كان انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، خسارة لحلفائنا على الصعيد العالمي، مما جعل الباب مفتوحاً أمام هيمنة القطب الواحد للولايات المتحدة. كذلك لا بد أن نلاحظ انهيار وتراجع الأنظمة العربية الوطنية، ومسيرة السادات ومضامينها منذ كامب ديفيد التي أخرجت مصر بكل ثقلها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي هي دليل بارز على هذا الانهيار، وكذلك الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها الثورة الفلسطينية في أيلول 1970 في الأردن وفي لبنان عام 1982... ضربات ومخططات استهدفت اقتلاعها من الجذور، وكذلك معاهدة أوسلو وما كان لها من تبعات. وفي السنوات الأخيرة كان الاحتلال الأميركي للعراق دليلاً آخر على هذا المنحى السلبي.
أما على صعيد العامل الذاتي، فلا بد أن نعترف أن الوحدة الوطنية الفلسطينية كائتلاف عريض للفصائل والقوى الفلسطينية المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية لم تتحقق فاعليتها بالشكل المطلوب. فالمسألة ليست وجود هياكل شكلية ومؤسسات للمنظمة (على أهمية وجودها) غير فاعلة، أو تتعطل فاعليتها وتتهمّش، ولا سيما في الظروف المفصلية التي مرت بها القضية الفلسطينية. لقد كانت النزعة الفردية التي تحكمت في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أحد العوامل السلبية التي أثرت على مسيرة المنظمة، وهمشت فاعليتها في محطات مهمة من تاريخنا النضالي، كذلك ليس بالإمكان أن نغفل ضعف اليسار الفلسطيني، وعدم تمكنه من أخذ زمام المبادرة في العديد من المحطات الهامة كعامل من العوامل. وبالتالي، كل هذه الأسباب بتفاعلاتها كانت من الأسباب التي عطلت مسار التحرير حتى الآن.

• منذ نشأة المقاومة الفلسطينية اتخذت غالبية الفصائل طابع التنظيمات السرية، مما جعل أعمال المقاومة تتخذ شكل عمليات «كوماندوس» في الغالب، بينما غاب خيار التأسيس لحرب تحرير شعبية على غرار ما شهدته حركات التحرر عبر العالم. ما هي أسباب هذه الخصوصية الفلسطينية؟ وهل تعتقدون اليوم حين تنظرون إلى الأمور بأثر رجعي أن خيار تغليب عمليات «الكوماندوس» كان صائباً؟ وهل أدّى ذلك دوراً في تغييب خيار الانخراط الشعبي في المقاومة داخل الأراضي المحتلة الذي لم يتبلور سوى مع انفجار الانتفاضة الأولى، عام 1987؟
 إن وضعية التشتت هذه التي فرضت على الفلسطينيين الخضوع لظروف موضوعية متباينة من منطقة إلى أخرى، وبالتالي التعامل مع أنظمة حكم عربية متباينة، وتجاذبات دولية عديدة. هذه الوضعية خلقت صعوبات في التواصل بين التجمعات الفلسطينية، وخلقت إشكالية في العلاقة بين الداخل والخارج، وفرضت على الفصائل الفلسطينية شكل العمل السري في البدايات قبل أن تنتقل إلى العمل العلني. ولعل نكسة عام 1967 وما فرضته من متغيرات هي التي دفعت إلى تغير استراتيجية التفكير. فقبل ذلك كان التصور السائد أن مهمة تحرير فلسطين لا تقع فقط على عاتق الفلسطينيين وحدهم بل هي من واجب الشعب الفلسطيني والقوى القومية العربية. وكان الحوار المحتدم بين فصائل العمل الوطني والأحزاب القومية العربية يجري حول البحث عن قاعدة إسناد قوية ترتبط في البعد القومي التقدمي العربي، وبالتالي يرتبط تحرير فلسطين بالوحدة العربية. إلا أن أحداث الـ1967وتداعياتها لعبت الدور الأساسي في تغيير استراتيجية التفكير هذه، وبالتالي أصبح الشعب الفلسطيني هو المسؤول بالدرجة الأولى عن مهمة التحرير، مستنداً إلى العمق العربي بشكل عام. بيد أن هذه النقلة الفكرية التي حدثت في حينه لم تطَل مرتكزات أساسية في فكرنا السياسي، أقصد المسألة المتعلقة بخصوصياتنا الوطنية والقومية. وعلى الرغم من تبنّينا للفكر الماركسي في حينه، إلا أن هذا لم يدفعنا إلى ضرب تلك الفرادة التي تشمل رؤيتنا للصراع ضد العدو الصهيوني وأساليب مواجهة هذا العدو، والوحدة العربية، وترابط الوطني والقومي، دون تغليب أحدها على الآخر.
أيضاً لعبت ثورة الجزائر وانتصارها، وكذلك ثورة اليمن الجنوبي وانتصارها، تأثيراً قوياً في اتجاه تفكيرنا حول مسؤولية الشعب الفلسطيني الطليعية بالدرجة الأولى في عملية التحرير. وبالتالي، أسهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل فاعل في توسيع وتطوير العمل الفدائي والكفاح المسلح حيث بدأت ظاهرة الكفاح المسلح في الستينات، وكان دور غيفارا غزة في العمل الفدائي داخل غزة والمواجهات اليومية المباشرة مع العدو الصهيوني من العلامات المضيئة في تاريخ الكفاح الفلسطيني المسلح. ولكن لم يكن هناك مواجهة شعبية شاملة إلى أن نضجت الظروف داخل الأراضي المحتلة، وتبلورت مع انفجار الانتفاضة الأولى عام 1987 لينتقل ثقل العمل الفلسطيني إلى داخل الأراضي المحتلة مع الانخراط الشعبي في المقاومة والانتفاضة الثانية عام 2000. وعند استعراضنا لمسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقها وحتى الآن، أستطيع أن أسجل بأن الانتفاضة المجيدة الأولى والثانية مثلتا أعلى مرحلة في هذه المسيرة، دون أن نغفل عن صمود المقاومة دفاعاً عن نفسها في عدة مواقع وخاصة أمام الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982. وباختصار، يمكن القول: إن جدل الداخل والخارج في العمل الفلسطيني فرض علنية العمل الفدائي في الخارج، وسريته في الداخل إلى أن تبلورت الظروف في عام 1987 مع انطلاقة الانتفاضة المجيدة.
• لقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي السباقة تاريخياً، من خلال «شعبة العمل الخارجي»، التي كان يشرف عليها الشهيد وديع حداد (أبو هاني)، في رفع شعار «وراء العدو في كل مكان»، والقيام بجملة من العمليات الفدائية الخارجية التي لعبت دوراً هاماً في التعريف بالقضية الفلسطينية وفرضها على «الأجندة السياسية الدولية». لكنك لاحقاً أصدرت قراراً بوقف هذه العمليات الخارجية. هل لك أن تشرح لنا ضمن أيّ استراتيجية تم التفكير والتخطيط لهذه العمليات الخارجية؟ وما أسباب قرارك وقفها لاحقاً؟
 إن أشكال وأساليب النضال لا تحدّد اعتباطاً، وإنما هي استجابة محددة لصراع محدد، يتحكم بها وبصياغتها على المستوى الاستراتيجي أو التكتيكي، الأهداف المنوي تحقيقها وطبيعة العدو الذي نواجهه. وعلى هذا الأساس كان العمل الخارجي الذي أشرف عليه الشهيد وديع حداد «أبو هاني»، ورفعه لشعار «وراء العدو في كل مكان» في تلك الفترة الزمنية يأتي استجابة لمجموعة من الظروف والأهداف المنوي تحقيقها، ومنها كما أشرت في السؤال: التعريف بالقضية الفلسطينية وفرضها على الأجندة السياسية الدولية. ولكن، وعلى ضوء التطورات التي حدثت لاحقاً، وبعد أن أصبحت القضية الفلسطينية في مركز الصدارة عالمياً، وبما أن نضال شعبنا الفلسطيني هدفه تحقيق الحرية والاستقلال الوطني من خلال دحر الاحتلال عن أرضنا، فقد ظلّت استراتيجية المقاومة والكفاح المسلح قائمة، إضافة إلى كل أشكال النضال الأخرى السياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية هي الأساس في تفكيرنا. ولذلك كان القرار بإيقاف العمليات الخارجية لأن الهدف المرحلي من تلك العمليات كان قد تحقق. وكان لا بد أن يتجه تفكيرنا إلى العمل والنضال داخل فلسطين، فتغيير أدوات النضال حسب كل مرحلة لا ينفي الأساس في استراتيجية المقاومة والكفاح المسلح، فحق العودة والنضال من أجل تحقيق هذا الهدف بالنسبة إلى فلسطينيّي الشتات لا يزال هدفاً ومحرضاً أساسياً للنضال في الخارج. وفي سياق صراعنا المرير مع العدو الصهيوني، يمكن إبداع أشكال مختلفة من النضال تتلاءم والظروف والتطورات التي تواجه قضيتنا.
أخيراً، يتيح السؤال فرصة لتقويم دور الشهيد وديع حداد في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني. فنحن نقدر عالياً الدور الذي قام به الشهيد وديع حداد في تنظيم الخلايا السرية المسلحة للعمل داخل فلسطين من خلال موقعه القيادي في حركة القوميين العرب، وكذلك دوره كأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على أثر هزيمة حزيران 1967. وأبرز ما في حياة وديع وكفاحه من دروس، هو أنه قلب المعادلة بين الثائر والعدو رأساً على عقب، فتحول الثائر من مطارَد، يلاحقه العدو في كل مكان إلى مطارِد لذلك العدو في كل مكان. إنها ذروة الثقة بإمكانات الشعب والثورة على استمرار النضال حتى تحقيق أهدافنا المشروعة بالتحرر والانتصار.

• لقد كان لليسار الفلسطيني، ومن ضمنه «الجبهة الشعبية»، دور مركزي في تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي تكثيف العمليات النضالية والفدائية على الأرض. لكن هذا اليسار لم يستطع لاحقاً تشكيل قطب سياسي بديل لما هو مطروح، بحيث تلتف حوله الجماهير الشعبية الفلسطينية. ما هي أسباب ذلك؟
 إن عدم إعطاء عملية التجديد داخل القوى اليسارية الفلسطينية حقها من الاهتمام بالمعنى التاريخي، أي على مدار السنوات السابقة، هي من الأسباب الذاتية التي أوصلت اليسار إلى الوضع المأزوم الذي يعيشه اليوم، وبالتالي عدم قدرته على أن يصبح قطباً سياسياً بديلاً لما هو مطروح حالياً. وهذا، بدوره، يشكّل سبباً مهمّاً في أزمة العمل الوطني الراهن ككل. لكن هذا السبب ليس هو السبب الحاسم أو الوحيد لمظاهر هذه الأزمة العامة والشاملة، فهناك أسباب أخرى كثيرة لهذه الأزمة منها الواقع الموضوعي الصعب الذي تعيش في ظله القوى اليسارية والديموقراطية عموماً ومنها «الجبهة الشعبية»، وذلك بسبب طبيعة الأنظمة العربية عموماً، وواقع حركة التحرر العربي العاجز والمأزوم وعدم قدرة هذه الحركة بالتالي على تقديم نفسها بصورة فعالة وطنياً وقومياً.
إن المظهر السائد في الواقع الرسمي العربي، الذي توّج بالانخراط الكامل في مشروع الحل الأميركي ـ الصهيوني منذ مسيرة مدريد، ومن ثم أوسلو وحتى اليوم قد انعكس بصورة سلبية ليس علينا فقط كقوى يسارية وديموقراطية فلسطينية، بل أيضاً على واقع الأنظمة العربية الوطنية التي تعاني أشكالاً مختلفة من الأزمات الداخلية الطاحنة والحصار الدولي الذي لا يسمح لها بلعب دور مؤثر قومياً.
هذه الصورة، وإن كانت قاتمة، لا تعني أنها ستستمر على ما هي عليه، فالجماهير الفلسطينية والعربية تواقة إلى التمرد والنهوض والديموقراطية، وثمة حراك سياسي وفكري ونضالي مقاوم يعمل على التصدي للاحتلال الأميركي في العراق، والصهيوني في فلسطين ودحره. وفي هذا السياق، تتحمل القوى اليسارية والديموقراطية ومن ضمنها «الجبهة الشعبية»، مسؤولية تاريخية تتطلب منها التجديد في بنيتها الداخلية وأدواتها الكفاحية، حتى تكون في مستوى المهمات الجسيمة التي تواجه حركة التحرر الوطني الفلسطيني والقومي العربي.

• ما هي تصوّراتك لمستقبل القضية الفلسطينية في ظل الحلول المطروحة الآن في الجانب الإسرائيلي؟ وما تقويمك لأداء السلطة الوطنية الفلسطينية على هذا الصعيد؟
 كما أشرت في إجابتي عن السؤال السابق، إن استمرار خيار المقاومة هو الخيار الوحيد الممكن أمامنا، ولا يمكن المراهنة على الحلول المطروحة الآن في الجانب الإسرائيلي، ونضالنا يرتبط مرحلياً بالبرنامج المتفق عليه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية على أساس إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحق العودة. لكن تحرير فلسطين يرتبط بدحر المشروع الصهيوني المرتبط بالإمبريالية الأميركية ومشاريعها في المنطقة، وإقامة دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية التي تحفظ حق المواطنة لسكانها دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. وتقويمنا لأداء دور كل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ينطلق من مدى تمسكها بالثوابت الوطنية المتفق عليها، وإذا كانت الظروف الموضوعية السائدة في هذه الفترة بما في ذلك اختلال ميزان القوى على الصعيدين العربي والعالمي يميل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية نتيجة سيطرة القطب الواحد للولايات المتحدة على العالم، فهذا لا يعني أن نسلّم بالحلول المطروحة على حساب حقوقنا التاريخية بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بل على ضوء الظروف القائمة تصبح المهمة الأساسية حالياً هي الصمود وعدم الرضوخ والسير مع المخطط الأميركي ـ الصهيوني المرسوم من قبل هذه القوى لتصفية القضية الفلسطينية.
وهذه المسألة من مسؤولية السلطة التي يجب أن لا تفرط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني أمام أية ضغوط، أو حلول تسووية ممكنة. وفي هذا السياق، يجب أن يتّجه تفكيرنا كقوى ديموقراطية ويسارية فلسطينية إلى العمل الجاد من أجل تجديد بنيتنا الداخلية، وآليات عملنا وأدواتنا الكفاحية على كل المستويات الفكرية والتنظيمية حتى نكون على مستوى المهمات الجسيمة والاستحقاقات القادمة. من جهة أخرى، لا بد أن نحافظ على المكتسبات التي تحققت لشعبنا عبر نضالات طويلة، وأهمها: الحفاظ على وحدة شعبنا في مختلف أماكن وجوده، واستثمار جميع طاقاته، بوصفه شعباً له حقوق سياسية معترف بها دولياً، وعلى رأسها حقه في الحرية والاستقلال والعودة.
كذلك، علينا العمل من الآن على تجميع شروط قيام دولة ومجتمع فلسطيني حديثين. وعلى صعيد هذه المهمة بالتحديد، على القوى الديموقراطية والعلمانية الفلسطينية أن تبذل جهوداً كبيرة، وتبادر إلى طرح وبلورة مشروعها المجتمعي الذي يؤسس لنظام سياسي فلسطيني ديموقراطي ينهض على أسس وقوانين عصرية ناظمة لحياة المجتمع. ومن هنا، يكون التحالف مع السلطة الفلسطينية وكل الفصائل الفلسطينية على أساس الثوابت الوطنية الفلسطينية التي يجب أن تكون القاسم المشترك بين جميع التنظيمات والمؤسسات الرسمية الفلسطينية.