وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير قال كلاماً في بروكسل أمام (عدد محدود) من الصحفيين، اتهم فيه بالاسم سورية بأنها تعرقل انتخاب رئيس للبنان ودعا نظراءه الأوروبيين إلى معاقبة سورية.

نفسه وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير قال قبل أسبوع في باريس: إنه لا يملك أدلة حسية على دور سورية السلبي في لبنان. ولم يدع نظراءه إلى التدخل في الملف اللبناني بل أكد أن العرب تبنوا ما توصل إليه كوشنير. هنا علينا أن نعرف بحدسنا أي كلام هو الصحيح في حديثي كوشنير. لكن وزير الخارجية الفرنسي، الطبيب، الإنساني، لم يقل لهذا العدد المحدود من الصحفيين إذا ما كانت قد وصلته الأدلة الحسية على التدخل السوري المعرقل لانتخاب رئيس للبنان، ولم يسمع طلبات ورجاء دول العالم والدول العربية الشقيقة على وجه الخصوص لسورية من أجل (التدخل) و(الضغط) و(ممارسة نفوذها) الموجود في لبنان قبل غورو وبعده وقبل سلفه جورج بيكو وبعده، من الجانب الفرنسي. ولم يكلف نفسه النظر إلى تقارير وصلت إلى وزارته عن النفوذ اللبناني أيضاً في سورية وتأثير اللوبيات اللبنانية في القرار السوري.

وبالحقيقة أبعد من ذلك لم يسأل الصحفيون الذين يستصرحون كوشنير ويقوّلونه ما يودون سماعه حول إذ ما كان الوزير كوشنير يمسك فعلاً بالملف اللبناني سياسياً وإستراتيجياً أو أنه مولج فقط بإدارة الجسم الدبلوماسي والخدماتي وموظفيه في العاصمتين اللبنانية والسورية بالإضافة إلى العلاقات العامة والمراسم، رغم أن كل الدلائل الحسية تشير إلى أن الملف اللبناني في جوانبه السياسية والإستراتيجية، كما الملف السوري أيضاً، بات كلياً بيد القصر الجمهوري ورجالاته المحيطين بالرئيس ساركوزي. ولم يسألوه لماذا يتم استبعاده عن كافة الملفات الحساسة والإستراتيجية لفرنسا وهي عديدة ومثقلة بالهموم؟

لقد دعيت فرنسا لتعود إلى الملف حكماً ووسيطاً حتى ولو أن حيادها الكلي صعب، ولم تخرجها سورية من لبنان، بل من يقولون عنهم إنهم حلفاء وكل من يريد أن يقدم لبنان وسورية هدية أو قرباناً أو ضحية لراحة نفسه. ومن أخرج كوشنير ربما يكون تجاهله لهذه الحقيقة الفاقعة أو جهله بكيفية التعامل مع هذا الملف، كما اعترف هو أمام ثلة من الصحفيين، وككل فاشل بالامتحان عليه أن يجد سبباً ومسوغاً فكانت سورية وحلفاءها في لبنان. وهنا يطرح سؤال كبير على وزير الخارجية الفرنسي لماذا لا يقول ما الذي حصل مع سورية؟ أوليس هو الذي يتهمها؟ أوليس من حق اللبنانيين والسوريين أن يعرفوا؟

ليس هذا المهم على ما يبدو، فالسيد كوشنير أدرى بما يقول وما هو قادر على فعله في ظل سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها حلفاؤه في العالم قبل رحيلهم ومن ضمنها لبنان الغالي جداً على فرنسا كما يقولون.

بالطبع كل مراقب بات يعرف ما المطلوب أميركياً ولم يعد خافياً على أحد أن الإدارة الأميركية التي تبنت بالكامل المنطق الصهيوني ترى أن على كرزاي أن يقاتل الأفغان ليحمي الجنود الأميركيين والأطلسيين، وعلى العراقيين أن يقاتلوا مقاوميهم وثوارهم ليحموا الاحتلال الأميركي وعلى السلطة الفلسطينية ومحمود عباس أن يقتلا المقاومين لحماية إسرائيل وإلا اعتبرته الإدارة الأميركية متواطئاً مع الإرهاب، وفي لبنان على سورية أن تقاتل اللبنانيين وتضغط عليهم ليخضعوا لإرادة بوش وأدواته وإلا فهي دولة مارقة، وعلى سورية أن تحمي حدودها مع لبنان وفلسطين والعراق وإلا فهي دولة مارقة داعمة (للإرهاب).

وإذا كان هذا هو المنطق الأميركي، وهو منطق يمكن تفهمه، لكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يصبح مطلباً عربياً وأوروبياً ومن دعاة أصدقاء لبنان وأشقائه، فماذا يبقى للبنان إن كان التدخل السوري والضغط السوري مطلباً، أوليس هذا هو الأوتستراد الذي ستمر عليه كل التدخلات الخارجية الأميركية والصهيونية بحجج شتى من بينها ستكون حجة وقف التدخل السوري في لبنان وحجة التوازنات الإقليمية في لبنان أيضاً وحجة تحويل لبنان إلى ساحة ومختبر وحقل تجارب سياسية وأمنية؟ المستغرب أكثر أن يكون مطلب ضرورة تدخل سورية يأتي من بعض دعاة السيادة في لبنان وهم الذين اعتبروا الخروج السوري من لبنان استقلالاً يشبه خروج آباء كوشنير الشكلي منه ومن سورية.

والمستغرب أيضاً في هذا المنطق المقلوب أن يقال لسورية إن عليها أن تضغط على فريق لبناني على حين الفريق الآخر يرتع ويحظى باحتضان الولايات المتحدة بل إنه يفخر بشرعية يكتسبها ويمددها لنفسه كلما نطق الرئيس بوش لكانت الشرعية تسقط بالمظلات على الشعوب والأمم أو تباع وتشترى كما هو الحال الشاذ في لبنان.

ودون الدخول في تفاصيل تصريحات والكلام الذي تتناقله وسائل الإعلام عن قيادات لبنانية لم يتنبه اللبنانيون بعد لطلب سيرتهم الذاتية التي يمكن أن يستدلوا بها عن الوضع المأساوي الذي يعيشونه وعن العار الذي يلحق بهم لقبولهم أن يكون هؤلاء قادتهم خاصة عندما يتحدثون عن الحرية والسيادة والاستقلال ناهيك عندما يتحدثون عن الوجه الحضاري للبنان.

ففي الدول الراقية التي يود اللبنانيون السير بركابها كل شيء مكشوف ومعلن عن أي شخصية عامة سياسية أو غير سياسية بالتفاصيل الدقيقة وكل شيء موثق وبناء على هذه الحقائق يختارون قياداتهم أو يحذفونها ويعيدونها إلى الصفوف، ويمكن التساؤل لماذا لا يقدم اللبنانيون مجتمعين، متوافقين ومتحدين على وضع سيرة ذاتية لهذه القيادات وطبيعة وشكل علاقاتهم الإقليمية والدولية ويطرحون الأمر علناً ويحتذون بالشعوب الراقية التي هم منها أوليس ذلك أسهل من الجواب حول من مع لبنان ومن مع غير لبنان؟

لا جواب، لكن الآتي قريب.