قبيل نشر تقرير فينوغراد ظهرت المفارقة صارخة بصوت عالٍ واضح: فجهاز سياسي كامل ينتظر ان تزوده لجنة، مهما تكن جليلة، بما ينقصه من استقامة، ومسؤولية عامة وبأقل قدر من المنطق الاساس.

ينتظر حزب معارضة أيد بحماسة قرار الخروج لحرب لبنان الثانية ان تبين اللجنة ألم يُتخذ هذا القرار بتسرع؟ ومنتخبو جمهور ذوو خبرة (وفيهم ثلاثة من وزراء الدفاع السابقين)، مكثوا في الحكومة قبل حرب لبنان الثانية وفي اثنائها، ولم يستقل احدٌ منهم من عمله الوزاري بسبب الحرب بعد انقضائها ايضا، يحتاجون الي اللجنة لتقرير هل القرارات التي كانوا مشاركين في اتخاذها او وافقوا عليها بغير استخلاص استنتاجات شخصية تلزم الان رئيس الحكومة؟

يُعلن وزير الدفاع باراك، المزود بخبرة رئيس امان (شعبة الاستخبارات) ورئيس هيئة الاركان ورئيس حكومة سابق، والخبير بالتجربة في تقديرات الوضع، الذي لم يجد من العيب الانضمام الي حكومة اولمرت بعد سنة من الحرب وكان يفترض ان يدرس منذ ذلك الحين ما الذي حدث في الحرب وكيف اديرت (اذا لم يعلم ذلك من قبل) انه لن يستطيع ان يقرر بماذا تلزمه مصلحة الدولة ما لم تقل اللجنة ذلك.

باختصار، الناس الذين ندفع اليهم اجورا للفحص عن الواقع السياسي في تشكله، ولمراقبة من يقف علي رأس الهرم في الوقت المناسب واجازة افكاره او رفضها باسم المصلحة العامة ـ كل هذه الجماعة لا تعلم ما الذي تفعله حتي تقول لها المربية. وأسوأ من ذلك، والي ان يتبين لها مبلغ شدة المربية في صياغتها، استعملت عدة مرات تصريفات الجذر ف.ش.ل.

ولم نذكر الي الان الاحتمال العالي جداً ـ الي حد اليقين تقريباً ـ لأن تعجل العاصفة حول (يستقيل) او لا (يستقيل) دفع الاستنتاجات غير الشخصية لعمل اللجنة الي ضمة الارشيفات. ولم نتحدث ايضاً عن التسريبات التي لا تنقطع من اللجنة، التي يوصف جميع اعضائها في وسائل الاعلام بالمحافظة الحريصة علي السر، سطران او ثلاثة اسطر قبل ان يُقال بتفصيل ما الذي قاله كل واحد من الخمسة في الغرف المغلقة.

المفارقة موضوعة امامنا، وفي الوضع الحالي لم يعد يوجد امكان لتقويمها. لكن من المحقق انه ليس من المتأخر ان نحذر من احدي نتائجها الممكنة. حتي من تلك التي يوصي بعض المحللين بها بحماسة، وقد يقدمها سياسيون قصيرو النظر بيقين في الأيام القريبة. اذا استقر رأي باراك علي ان خطابة فينوغراد قوية بقدر كافٍ لربط مصلحة الدولة بعزل اولمرت، فإنه يصعب ان نري كيف لن يقدم موعد الانتخابات للكنيست الـ 18، وقبيل هذا التطور الواقعي يقترح علينا الحكماء ـ وفي هذه المرة ولسبب ما بغير انتظار اوامر فينوغراد ـ وصفة عجيبة ألا وهي موعد متفق عليه لتحديد الانتخابات.

لكن الكلمة الحبيبة متفق عليه مضللة وعن عمد. انه ما ظلت توجد ديمقراطية ههنا وملازمة للقانون المكتوب بالمستوي الوطني الجلي، فإنه لا يمكن تقديم موعد انتخابات للكنيست القادمة من غير ان تجيز الكنيست الحالية بأغلبية الاصوات قانون فضها، وفيه، من جملة ما فيه، تحديد صريح بتاريخ الانتخابات المعجل.

سيكون كل تاريخ يحدد اذاً متفقاً عليه، حتي لو لم يعلن انه كذلك، اما الاعلان الحالي فمخصص لحاجة سياسية واضحة، ألا وهي تأجيل الانتخابات المبكرة عدة اشهر ـ ثمة من يقولون الي نهاية السنة الحالية ـ من اجل تربيع الدائرة. اي عزل رئيس الحكومة كما يأمر الضمير بأمر من اللجنة وإبقائه في عمله ايضاً، وليمض الضمير الي الجحيم، الي ان تتغير استطلاعات الرأي ربما. والحديث الفصيح عن مصلحة الدولة والقاء الدولة ايضاً في معركة انتخابات متصلة. بخلاف الألعاب النارية التي انطلقت، لا تزال هذه الحيلة المعيبة ليست قضاءً من السماء. ولا يزال في الامكان منعها.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)