مصائر مجهولة لا تزال تتربص بأكثر من 151 مقاتلا سعوديا، توجه غالبيتهم إلى العراق في غضون العامين الماضيين، وفقا لما وضحته وثائق حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تضم أسماء وصور المقاتلين السعوديين الذين توجهوا إلى القتال هناك، وطرق ذهابهم إلى هناك، وأسماء الأشخاص الذين قاموا بمساعدتهم.

ويشكل الطلاب، صغار السن، الغالبية العظمى من المقاتلين السعوديين في العراق، فيما أن 3 منهم على الأقل يعملون كمؤذنين لمساجد في السعودية، أحدهم في الرياض، والآخر في أملج، والثالث في بريدة، في حين أن المتبقي منهم إما عاطلون أو على وظائف حكومية.

وتكشف الوثائق تلك عن أن 3 سعوديين على الأقل نفذوا عمليات انتحارية، اثنتان منها في الأنبار، وواحدة في الموصل. ورجحت عائلة الحميمص أن يكون ابنها حميدي الذي لقب نفسه بـ«أبو خطاب الجوفي»، قد لقي حتفه. وقال شقيقه نايف لـ«الشرق الأوسط»: «يرجح أن يكون شقيقي قد قتل في العراق، ولكننا لا نملك معلومات أكيدة حول هذا الأمر».

ولفتت الوثائق إلى أن 3 سعوديين من منطقة الجوف (شمال السعودية) أحدهم على أعتاب العقد الأربعين من عمره، منهم الحميمص، دخلوا العراق في 19 سبتمبر (أيلول) 2006.

وأُدرجت أسماء لسعوديين خرجوا من محافظة الطائف غرب البلاد، للمشاركة في القتال داخل الأراضي العراقية، غير أن والد أحدهم نفى في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن يكون ابنه سعود الشلوي قد توجه إلى العراق، بالرغم من وجود اسمه في تلك الوثائق. وتمكنت السلطات السعودية من اعتقال واحد على الأقل ممن أدرجت أسماؤهم على قاعدة البيانات الخاصة بمعلومات من سموا بـ«المهاجرين» بعد عودته، طبقا للمعلومات التي توافرت لـ«الشرق الأوسط» من عائلته.

وحصلت عائلة خلف الشرعان، وهو أحد السعوديين الذين توجهوا إلى العراق للقتال هناك، على معلومات عن أن ابنهم معتقل في السجون السورية. وقال شقيقه محمد لـ«الشرق الأوسط»: «تردد إلينا أن خلف تم اعتقاله في سورية، ولم يتمكن من العبور إلى العراق».

وتشكل العاصمة السورية، إحدى المحطات الهامة في مسيرة توقف المقاتلين السعوديين والأجانب، بحسب ما كشفت عنه الوثائق، والتي بينت بدورها أن غالبية المقاتلين انتقلوا إلى العراق عبر الحدود سورية وتحديدا من منطقة دير الزور الحدودية، بمساعدة مجموعة من المهربين.

ويحرص المهربون على أخذ جزء من المال الذي يكون بحوزة المقاتلين، نظير تهريبهم إلى الأراضي العراقية، حيث يجردون ـ بعد تسليمهم لجماعات عراقية ـ من كافة الأموال التي بحوزتهم، والتي شكلت في مجموعها ملايين الليرات السورية، وفقا للوثائق، كما يعمد قيادات تلك الجماعات على أخذ كافة وسائل الاتصال، لقطع المقاتلين من التواصل مع المجتمع الخارجي.

وظل وليد الخضيري أحد المقاتلين السعوديين، الذي سمى نفسه بـ«أبو الزبير»، على اتصال بعائلته منذ وصوله إلى نقطة التهريب في 8 سبتمبر (أيلول) 2006، ولمدة شهر، انقطعت بعدها اتصالاته منذ ذلك الحين، كما يقول شقيقه محمد. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» محمد الخضيري أن عائلته لم تكن على علم بنية ابنها بالتوجه إلى هناك، حتى جاءهم اتصال منه يخبرهم فيه بأنه عازم للذهاب إلى العراق، وكان قد غادر فعلا. وتابع محمد «لم نتصور ولا 1 في المليون، أن يقدم أخي على الذهاب إلى هناك. فهو رجل مستقيم ويحفظ القرآن كاملا. كما أنه مشرف على حلقة تحفيظ للقرآن الكريم. وكان يعمل مؤذنا لمسجد يقع غرب المعهد العلمي في بريدة. ودرس بشكل قصير في جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم قبل أن يتوجه إلى العراق».

بدوره، حمَل الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي بوزارة العدل السعودية، الفتاوى الصادرة من «متعاملين»، مسؤولية الزج بالسعوديين للقتال في العراق، حيث اعتبر الغالبية العظمى من مواطني بلاده «مغررا بهم». وقال العبيكان لـ«الشرق الأوسط» إن السعوديين استخدموا من حيث لا يعلمون في «الفخ العراقي»، حيث زادوا من اشتعال الفتنة القائمة هناك، واستقطبوا لنشر الفوضى وعدم الاستقرار، في ذلك البلد المضطرب، محملا الجهل والتعالم، وإصدار الفتاوى عن جهل بأحكام وضوابط الجهاد، مسؤولية ذلك.

ويعتبر العبيكان، أحد العلماء القائمين على مناصحة عناصر تنظيم «القاعدة» في السجون السعودية، بمن فيهم أولئك العائدون من العراق.

وكشف في حديثه عن أن مجموعة من العائدين من العراق، والمعتقلين في السجون حاليا، صرحوا بأن ذهابهم إلى هناك كان استنادا إلى فتوى صدرت عن أحد أعضاء هيئة كبار العلماء وتراجع عنها فيما بعد. وقال «ما الفائدة من التراجع الآن، بعدما قُتل من قُتل، واعتقل من اعتقل».

وأكد أن الفتوى بمشروعية الجهاد «لا يجب أن تصدر لا من صغير ولا كبير، ولا عالم أو متعالم». ودعا في السياق نفسه بربط إصدار الفتوى بمشروعية الجهاد بولي الأمر دون غيره.

وقال قريب لأحد السعوديين الذين أدرجوا ضمن قائمة المقاتلين السعوديين في العراق «إن الاستقراء التأريخي لدعوات الجهاد، كشف عن أن هناك أهدافا سياسية خلف الدفع بالسعوديين لمناطق النزاع المضطربة»، فيما حذر من مغبة عدم فرض رقابة كافية على تجمعات شباب الداخل، معتبرا أن بعضها ساهم بأن يكون من أسباب تعبئة الشباب، وجرهم للقتال.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)