بقي تقرير فينوغراد حبيس السياسة الإسرائيلية، فهو عمليا قراءة ومراجعة لما حدث في لأداء الجيش والسياسة، لكنه في نفس الوقت يشكل انعكاس المرحلة التي بقيت آثارها حتى اليوم. فالطابع الإقليمي كان واضحا سواء في المواقف الرسمية أو حتى في التحرك الأمريكي.

حسب التقرير فإن القرار 1701 كان الإنجاز السياسي الأول للحرب، فهو سعى لمحاصرة نتائج "الإخفاق" الإسرائيلي، وإعطاء سمة سياسية يمكن ان تكون وسطا ما بين "الشرق الأوسط الجديد" الذي تحدثت عنه رايس خلال الحرب، والواقع العسكري على الأرض الذي لم يحقق نتائج سياسية او عسكرية ضد حزب الله.

لكن التحول الاستراتيجي الذي حدث أثناء الحرب وبعدها مباشرة بقي في إطار "الممكن" رغم أن التعامل السياسي لم يقدم دعما حقيقيا لحزب الله، ومع صدور تقرير فينوغراد يمكن إعادة صياغة الحدث من جديد.

إن تقرير فينوغراد الذي يمس السياسة الإسرائيلية تحديدا، إلا أنه يوضح أن الحرب التي جرت كان لها طابع إقليمي رغم "جغرافيتها" العسكرية المحدودة، فالمعارك على مستوى العمليات القتالية كما ينقلها وزير الدفاع السوري في كتابه "الحرب السادسة بيئة استراتيجية جديدة"، توضح أنه بالإمكان إعادة النظر إلى مفهوم القوة في التوازن مع العدو. هذا الأمر يمتد أيضا إلى السياسة التي أوضحت أن "النظام العربي" لم يكن عاجزا فقط عن التحرك، بل مارس دورا سلبيا في مراحل الحرب الأولى!!!

في التقرير أيضا حديث عن "عدم استعداد الجيش" لخوض حرب برية، والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو طبيعة الاستعداد المطلوب لمواجهة بضع مئات من قوات حزب الله، فيوميات المعارك كما نقلها كتاب "الحرب السادسة" تبين أن كثافة العمليات الجوية وانتشارها في كل لبنان لم تحد من قدرة الحزب حتى في مواجهة عمليات الكومندوس.

وتبدو المشكلة اليوم أن "البيئة الاستراتيجية الجديدة" ليست "جاهزة" سياسيا، لكن ما حدث في صيف عام 2006 أعاد جزءا من التوازن للمنطقة، أو على أقل تقدير كسر حلقة في تفكيرنا بالصراع القائم، وصدور تقرير فينوغراد يتيح "المراجعة" السياسية لما حدث وربما إعادة قراءة الحدث بتفاصيله، لأننا نحتاج لمراجعة على سياق التقرير الإسرائيلي ولكن من زاوية سياسية حتى نعرف أين بقيت هذه "البيئة الاستراتيجية الجديدة"....