مارلين خليفة

وجّه الكاتب والمفكّر الفرنسي آلان غريش رسالة قويّة الى اللبنانيين بأن يعمدوا الى الهدوء والروية والاتفاق على رئيس وحكومة، معتبرا أن هؤلاء يعيشون في خضمّ الحرب الأهلية. وأعطى تحليلاً للسياسة الخارجية الفرنسية الحالية التي ينتهجها الرئيس نيكولا ساركوزي منذ ستة أشهر واصفاً إياها بـ«غير المفهومة»، مؤكداً أن سوريا لا تريد الحوار مع فرنسا بل مع الولايات المتحدة الأميركية، وتطرّق الى علاقة «حزب الله السياسية» بإيران وورقة التفاهم بين الحزب و«التيار الوطني الحرّ».

باريس :

آلان غريـش لـ«السـفير»: لبنـان فـي حـرب أهليـة صامتـة قـد تجنـح فـي أي لحظـة

المحكمـة الدوليـة غايتهـا سياسيـة ولا حـل يتجاهـل مصالـح سوريـا علـى قاعـدة معاديـة وجّه الكاتب والمفكّر الفرنسي آلان غريش رسالة قويّة الى اللبنانيين بأن يعمدوا الى الهدوء والروية والاتفاق على رئيس وحكومة، معتبرا أن هؤلاء يعيشون في خضمّ الحرب الأهلية. وأعطى تحليلاً للسياسة الخارجية الفرنسية الحالية التي ينتهجها الرئيس نيكولا ساركوزي منذ ستة أشهر واصفاً إياها بـ«غير المفهومة»، مؤكداً أن سوريا لا تريد الحوار مع فرنسا بل مع الولايات المتحدة الأميركية، وتطرّق الى علاقة «حزب الله السياسية» بإيران وورقة التفاهم بين الحزب و«التيار الوطني الحرّ».

يعمل آلان غريش في الشهرية الفرنسية «لوموند ديبلوماتيك»، وكان رئيساً لتحريرها وهو مولود في مصر عام 1948 لأم مناضلة يسارية يهودية روسية، ووالد كان مناضلاً يسارياً مصرياً مناهضاً للصهيونية يدعى هنري كريال.

اعتنق آلان غريش الشيوعية بين عامي 1972 و1983 ودافع عن العالم الثالث ضد العولمة الليبرالية، وله مؤلفات عدة منها «الأبواب المئة لفهم الشرق الأوسط» بالاشتراك مع زميله في «لوموند ديبلوماتيك» دومينيك فيدال، «إسرائيل ـ فلسطين» (2003)، «الإسلام في قضايا وأسئلة» بالاشتراك مع طارق رمضان (2002) وكتاب «الجمهورية والإسلام والعالم» (2006)، ويتعمّق غريش حالياً بمسألة التاريخ الاستعماري لفرنسا.

ارتبط غريش بصداقات عدّة في لبنان كان أبرزها مع الزميل الراحل جوزف سماحة.

(السفير» التقته في مقرّ «لوموند ديبلوماتيك» في باريس، وكان هذا الحوار:

يستذكر آلان غريش حادثة حصلت معه منذ قرابة العام والنصف، حين استقلّ سيارة أجرة وطلب من السائق أن يقوده الى مقرّ تلفزيون «المنار» في الضاحية الجنوبية لبيروت، فخاف الأخير وحذّره من شرّ مستطير قد يلقاه الكاتب الفرنسي، لأنّ («حزب الله» الشيعي هو الذي يحكم هذه المنطقة» كما قال له. يبتسم غريش ويعلّق: «إنّ حربا أهلية صامتة بلا سلاح تدور في لبنان منذ أكثر من عام، وإذا استمرّت الأزمة بلا حلّ ستجنح الأمور وتقع الحرب الفعليّة. هذا لا يعني أن قيادتي 8 و14 آذار تريدان حرباً أهلية، لكنّ الأمر قد يفلت من الزمام كما حصل أثناء تظاهرة يوم الأحد الفائت ما يؤجج الأمور فجأة».

يدخل غريش في صلب السياسة المحلية اللبنانية، معتبراً أنّ المعارضة والموالاة في لبنان ليستا ديموقراطيتين، «الكفاح الذي يقوده كل طرف ليس بين خيارين: الديموقراطية والديكتاتورية، إنه كفاح إقليمي له أسبابه في فلسطين والعراق، والحلّ الوحيد الذي قد ينجح في لبنان يكون عبر عدم تغلب فريق على آخر. والتفاهم لن يكون إذا لم يأخذ لبنان في عين الاعتبار مصالح سوريا، لأنه لا يمكن أن يكون لبنان قاعدة معادية لسوريا».

زار آلان غريش لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري (14 شباط 2005) واستغرب أنه بعد التظاهرات الكبرى التي حدثت «لم يكن لدى القيادات السياسية أي فكرة عن ماهية التغيير الداخلي وأي مشروع لبناء الدولة. فالطائفية التي يعاني منها اللبنانيون والتي تقف وراء مشاكلهم لا تلغى إذا لم تنوجد إصلاحات حقيقية وواضحة لدى القيادات السياسية التي لا تكافح في لبنان إلا من أجل الاحتفاظ بالسلطة».

فرنسا شيراك وفرنسا ساركوزي

في قراءة متأنية لسياسة فرنسا الحالية تجاه لبنان يقول الكاتب الفرنسي: «تاريخياً اهتمّت فرنسا بلبنان. الرئيس السابق جاك شيراك انتهج سياسة لامعقولة مبنية على العلاقات الشخصية مع الرئيس الراحل رفيق الحريري وعائلته، ثمّ بعد انتهاء ولايته عاش في شقّة يدفع إيجارها أحد أبناء الحريري. هذا التعاطي خلق مناخاً من علاقات المصالح. حاول الرئيس نيكولا ساركوزي الابتعاد عن الشخصنة في العلاقات. أشير الى أن العامين الأخيرين من عهد الرئيس السابق شيراك شهدا تقارباً مع الولايات المتحدة الأميركية ومع إسرائيل، لكن الرئيس الحالي ذهب أبعد في هذه العلاقة وعمّقها. وجهة نظر ساركوزي قريبة أكثر من الأميركيين ومن إسرائيل. المشكلة في سلوكه أنه أرسل في محاولاته حل القضية اللبنانية أشخاصاً الى سوريا ليس لديهم أدنى خبرة عن النظام السوري، حتى أن هؤلاء وهم ضمن فريق عمل الرئيس لم يستشيروا وزارة الخارجية الفرنسية. ظنّ ساركوزي أنه سيحل المشكلة اللبنانية كما حلّ قضية الممرضات البلغاريات مع ليبيا. لم يدرك أن الحوار مع سوريا ليس سهلاً ويحتاج الى نظرة عميقة. أضف الى ذلك أن السياسة الفرنسية هي في مأزق اليوم بسبب ما يحدث في المنطقة من صراعات متعددة: ثمة صراع سوري وإيراني وأميركي وكل طرف يعتقد أن للآخر خططه المعادية وهذا لا يسهّل وجود اتفاق على مسألة الرئيس اللبناني والحكومة. تعتقد الحكومة الفرنسية بأنّ المسؤولية تقع على عاتق سوريا، لكن أعتقد أن سوريا قادرة على تقديم تنازلات في مفاوضات تجريها مع الأميركيين وليس مع الفرنسيين. فليس من المفيد أن تتقرب السياسة الفرنسية من الأميركية بل المفيد أن يتم تعاون مباشر مع الأميركيين. يدرك السوريون جيداً ما يفعلون. بعد الاعتداء على لبنان عام 1996 وبعد تفاهم نيسان من الواضح بأن السوريين كانوا يستخدمون فرنسا للموازنة مع الأميركيين، لكنّ الوضع يختلف اليوم، إذ يعتبر السوريون أنّ أي تنازلات سيقدمونها يجب أن تكون أمام الأميركيين مباشرة وعلى مواضيع عدّة منها لبنان والجولان والعراق».

ما يساعد النظام السوري على التمسّك بموقفه هو بحسب غريش: «الخوف في إسرائيل مما قد يحدث إذا انتهى نظام الرئيس بشار الأسد، وهذا الخوف طبيعي لأن ثمة اتجاهاً يبرز جلياً في مناطق عدة ومنها في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين نحو تفكيك الدول، لكنّ الإسرائيليين يفضلون فعلياً بقاء النظام السوري.. المشكلة الرئيسية لإسرائيل هي مع الأنشطة النووية الإيرانية وليس مع سوريا».

يضيف في شأن السياسة الخارجية لفرنسا: «منذ ستّة أشهر يصعب تحديد ماهية سياسة ساركوزي. فهي غير مفهومة ووزارة الخارجية الفرنسية لا تلعب أيّ دور رئيسي، فساركوزي رجل يفكر بأنّ الإرادة هي الــتي تبدّل الأوضاع وهذا أمر يصـعب تحقـيقه واقعياً».

يرى غريش أن فرنسا ذات موقف واضح: «إنها أقرب إلى فريق 14 آذار، لكنها منفتحة على جميع الأطراف».

«حزب الله» وعلاقته بإيران

يشبّه غريش «حزب الله» وعلاقته بإيران بوضع الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية وعلاقاتها مع موسكو عاصمة الاتحاد السوفياتي آنذاك «كان هؤلاء الشيوعيون يعتبرون أن كفاحهم ضد الولايات المتحدة الأميركية يمرّ حكماً بعلاقة جيدة مع موسكو، لكنّ هذه الأحزاب كانت لديها برامج خاصة داخل بلدانها لا تتدخل بها موسكو، وبالتالي إن هذا الحلف يفيدها كواجهة عالمية في نضالها ضدّ الأميركيين». يضيف غريش: »من الواضح أنّه بعد عام 1992 اتخذ «حزب الله» خياراً جديداً فدخل الحلبة السياسية في لبنان وهذا لا يعني أن قراره كان إيرانياً، لأن في إيران اتجاهات عدّة ولبنان يشكّل جبهة من جبهاتها».

يعتبر غريش أن الرهان على حل إقليمي لا يجدي نفعاً: «السياسة الأميركية في مأزق في هذه المنطقة بدءاً بأفغانستان مروراً بالعراق وفلسطين ولبنان. الواضح أن لا حلول في هذه المناطق كلّها وبعد عام ستحصل الانتخابات الأميركية وبالتالي الأمر معلّق. أذكر أنه في حرب تموز عام 2006 صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس أن هذه الحرب تشكّل جبهة ثالثة في الحرب العالمية على الإرهاب، وهذه وجهة نظر قد تؤدّي الى مأزق أكبر في المنطقة كلّها. لا مناص من أن القاعدة موجودة في المنطقة وفي لبنان، لكنّ التطرّف الأميركي يسهم في تأجيج المنطقة وزيادة التطرّف».

بالتالي إن الحل الوحيد المتاح أمام اللبنانيين هو بنظر غريش: «الاتفاق على رئيس وعلى حكومة، ولكن أيضاً الاتجاه نحو ضمانات مكتوبة في الدستور وعلى ضمانات على أرض الواقع».

ورقة التفاهم

عن ورقة التفاهم التي وقعها «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ» والتي تصادف ذكراها الثانية بعد أيام، قال: «إنّ أحد أسباب تفاهم «حزب الله» وعون هو أن الحزب لم يدخل يوماً في حرب أهلية. فإذا تكتل الدروز والموارنة والسنة ضد الشيعة علام سنحصل؟ على الأقل أن الموارنة منقسمون، وبالتالي إن الحرب ليست طائفية. أحد اسباب قوة عون أنه ينظر إليه كمستعيد لحقوق المسيحيين وتفاهمه مع «حزب الله» منحه دفعاً في توازن القوة، فيما كان معزولاً عام 2005».

ويتساءل غريش رداً على سؤال: «لماذا قيام محكمة دولية من أجل الرئيس الحريري فحسب؟ لماذا لم تنشأ محكمة دولية بعد اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو مثلاً؟ للمحكمة بشأن الحريري أسباب سياسية، وليس هدفها كشف القتلة. المشكلة هي في قيام التوازن بين السياسة والعدالة. عندما يتكلم الغرب عن العدالة ونرى ما يحدث في غزّة، فهذا يبرهن أنه لا يكافح من أجل العدالة بل من أجل غايات سياسية والناس ضدّ الغرب لأسباب سياسية وليست إيديولوجية».

عن الدور الذي يجب أن تلعبه النّخب اللبنانية في الأزمة السياسية المتصاعدة قال غريش: «الجرائد والتلفزيونات في لبنان هي وسائل حرب أهلية، وهذا التطرّف من جانب الإعلام غير مقبول ويؤدي الى تطرّف أكبر».

مصادر
السفير (لبنان)