ذكية حركة التيار الوطني الحر باقامة صلاة الاسبوع على أرواح ضحايا الأحد الاسود في كنيسة مار مخايل الشياح . ليس فقط للسبب الذي يتبادر أولا الى الذهن وهو تكريس الوحدة الوطنية اللبنانية من خلال صلاة كنسية على أرواح شهداء مسلمين. بل لأن هذه الكنيسة بالذات تحمل أكثر من دلالة ومن رمز . فهي أولا المكان الذي عقد فيه اتفاق التفاهم بين التيار الوطني الحر والمقاومة اللبنانية.

تفاهم لا تقتصر أهميته على كونه تحالفا سياسيا عاديا بين فصيلين من الفصائل السياسية في البلاد. بل تتعداها إلى أنه كسرّ تاريخي لمسألة الاصطفاف الطائفي في لبنان ، وتكريس الطبيعة السياسية لصراع المعسكرين الكبيرين اللذين بات كل منهما يضم مكونات من مختلف طوائف لبنان.

وبذا أصبح معسكر الممانعة المعارض للمشروع الأميركي الصهيوني يضم الغالبية المسيحية ، إلى جانب مكونات الطوائف الأخرى بدون استثناء. وبذلك تم القضاء نهائيا على إمكانية تفجير فتنة طائفية تؤدي إلى القضاء على المقاومة. فتنة من نوع تلك التي قامت عليها الحرب الاهلية ، تلك التي يحتل فيها قطاع مار مخايل الشياح موقع رمز أسود اسمه خطوط التماس. جاء قداس اليوم ليقول أن لا عودة إلى خطوط التماس مهما حاول مهندسوها السابقون إعادة رسمها. ولا فكاك للتحالف الوطني القائم بين مختلف قوى المعارضة في مواجهة أدوات أميركا وإسرائيل ، ولا مواجهة بين الجيش والمقاومة ، خاصة مع صدور تقرير فينوغراد الذي يبشر بحرب جديدة ضد لبنان.

في كنيسة الشياح امتزج اللونان الأصفر والبرتقالي ، ليقولا أن اللون الأحمر الذي سفك يوم الأحد ، لم يذهب سدى ، بل أزهر تعبيرا هو نقيض ما يريده المتآمرون وصناع التفجير. ولذلك تفجر غضب هؤلاء فراح سعد الحريري يطالب بمحاسبة من حرّض على الاضراب. وكأن هذا الرجل الذي حمله موت أبيه وماله إلى موقع أكبر منه ، لم يسمع كلام سادته الأميركيين عن الديمقراطية والحريات ، أو كلام أصدقائه الفرنسيين عن الحقوق العامة ، فأية ديمقراطية تلك التي لا يملك فيها الناس حق التظاهر احتجاجا أو مطالبة؟ الم يكن يرى خلال إقامته الطويلة في باريس المظاهرات التي لا يكاد يخلو منها يوم في العاصمة الفرنسية؟

وما الذي يمكن أن يحصل في فرنسا لو أقدمت قوى معينة على قتل المتظاهرين؟

غير أن هذا السؤال حول فرنسا يذكر (والشيء بالشيء يذكر) بما عاملت به حكومة التحرير في نهاية الأربعينات كل من تعامل مع النازي ، بل وبما ما يزال قائما في القوانين الفرنسية تجاه كل يتعاطف مع ذاك الاحتلال الذي مضى عليه ستون عاما ، أو من يتعرض لقدسية المقاومة رغم أن هذه لم تحرر فرنسا إلا بمساعدة حلفائها بعد إنزال النورماندي. أما مقاومة لبنان التي انتصرت مرتين ، وبمفردها ، على النازية الجديدة المتمثلة بإسرائيل ، فهي متاحة لمؤامرات جزء من اللبنانيين ، وبتعاونهم مع العدو ضدها ، تعاون نخشى ما نخشاه أن يستمر ويتطور في حال حصول حرب جديدة بعد تقرير فينوغراد.