ربما يدعو للدهشة والتساؤل الزيارة المتوقعة لـ"زيغنيو بريجنسكي" إلى سورية، على الأخص أن هذا الشخص الذي كان مستشارا للأمن القومي في إدارة كارتر خلال الثمانينات، له إيقاع خاص في سياسة الشرق الأوسط، ومن المعروف أنه العقل الذي أسس لحركة المجاهدين في أفغانستان، ونتائجها التي باتت اليوم المعروفة فيما يعرف بـ"تنظيم القاعدة".

إن رسم "صورة" لبريجنسكي على سياق ما تقوم به الصحف تضع أي حركة له في إطار قاتم، فرغم تصريحاته خلال مرحلة إدارة بوش الابن وعلى الأخص بعد احتلال العراق توحي بأنه يقف خارج إطار ما يعرف بالمحافظين الجدد، لكن تعامله مع "ملفات" الشرق الأوسط هو بمجمله يحمل سياقا "مخفيا" إن صح التعبير، لكنه يُعرف بنتائجه كما حصل في أفغانستان على سبيل المثال.

ووفق بعض المصادر فإن الملف الأساسي الذي يحمله بريجنسكي اليوم مرتبط بعنوانين أساسيين:

 الأول مسألة اللاجئين، فهو من قادة مؤسسة "راند" التي تعمل في هذا الموضوع، وكانت تقاريرها في مؤتمر باريس الأخير للدول المانحة مرجعا واضحا للتعامل مع مسألة اللاجئين الفلسطينين على الأخص في قطاع غزة. وزيارته اليوم للشرق الأوسط تدخل في صلب هذه المهمة، وبمعنى آخر فإنها مرتبطة بعدد من القضايا المطروحة على هامش "التسوية" وعلى الأخص حق العودة. فهناك على ما يبدو رغبة دولية في إثارة مسألة "حق العودة" عبر "تشكيلات مدنية" داعمة للمشروع السياسي الأساسي في إعطاء المسألة الفلسطينية أبعادا خارج عن نطاق "الصراع" كما هو موجود في أدبياتنا السياسية

 الثاني موضوع المعارضة، سواء في سورية أو غيرها من دول المشرق العربي عموما، فهو أيضا أحد أهم العاملين في Freedom House المعروفة بدعمها لنشاطات المعارضة السياسية إجمالا. وبغض النظر عن التقارير التي تتحدث عن إمداد هذه المؤسسة بالمال للمعارضة السياسية في الشرق الأوسط، لكن المعروف أيضا أن أجندة "التبدل الديمقراطي" تراجعت في الإدارة الأمريكية، لكنها ربما تستعيد نشاطها مجددا عبر المرشحين الأساسيين للرئاسة وعلى الأخص "باراك أوباما" الذي يعتبر بريجنسكي من أحد "المهندسين" لحملته الانتخابية... فهل يمكن إستعادة هذه الأجندة على سياق ما جرى في أفغانستان في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، على الأخص أن بريجنسكي لم يكن ضالعا فقط في رسم "حرب المجاهدين" بل قدم لها أهم رجالاتها مثل "أسامة بن لادن"!!!

أسئلة كثيرة ستظهر خلال زيارة بريجنسكي، لكنها بمجملها مرتبطة بطبيعة الاستراتيجية الأمريكية التي تشكلها قاعدة معقدة من مراكز الأبحاث وأجهزة الاستخبارات، ومن المستبعد في ظل الصراعات السياسية المحتدمة في المنطقة أن تعمد الاستراتجية الأمريكية إلى تحقيق قفزة سريعة في نوعية تعاملها مع المنطقة، لذلك فهي بحاجة إلى شخصيات مثل بريجنسكي قادرة على الاطلاع من موقع مدني، والتفكير بناء على خبرات سابقة في "هندسة" المعارضة والشخصيات والبرامج السياسية طويلة الأمد,