فجر مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، خلافه مع الأمين العام للرئاسة كلود غيان حول لبنان وسورية وأخرجه الى العلن.

وكانت الدوائر الأجنبية من أميركية وعربية في فرنسا على إدراك بهذا الخلاف، لكنه بقي حتى الآن بعيداً عن الإعلام. فالإدارة الأميركية تساءلت أكثر من مرة عما يفعله غيان مع سورية، والوزراء العرب تطرقوا الى الخلاف بين وزير الخارجية والأمين العام للرئاسة. وهذا الوضع لا يمثل تطوراً جديداً في فرنسا، فمنذ العهود السابقة كانت الرئاسة تسعى أحياناً الى إدارة الديبلوماسية، وكانت الخارجية تتبعها باستثناء فترات كانت شخصيات وزراء الخارجية تتصدى لذلك.

وفي أواخر عهد شيراك، ولدى تولي فيليب دوست بلازي وزارة الخارجية، فإن وزير الخارجية الفعلي في تلك الفترة كان المستشار الديبلوماسي لرئيس الجمهورية موريس غوردو مونتانيه الذي يعمل حالياً سفيراً لفرنسا في بريطانيا. وكانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تفاوضه حول الأمور المهمة وتتصل به علماً أنه لم يكن نظيرها لكن الادارة الاميركية كانت تعرف تماماً مكمن النفوذ الفعلي.

اما الآن في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، فإن كوشنير ليس دوست بلازي، وهو صاحب شخصية قوية تحظى بتأييد شعبي كبير، وافق على المشاركة في الحكومة على رغم انه طرد من حزبه الاشتراكي.

بالمقابل فإن غيان هو الشخصية الأقرب من الرئيس وهو الذي ساهم في تشكيل الفريق المعاون لساركوزي في الرئاسة، وفي اختيار مستشاريه. وطبيعي اذن أن يكون هناك نوع من التنافس بين شخصيتي كوشنير وغيان، خصوصاً إذا عملا على الملف الخارجي نفسه وهو من أدق الملفات الديبلوماسية وهو العلاقة الفرنسية بلبنان وسورية.

ويعتبر كوشنير ان خبرته بسورية وسياستها في لبنان قديمة وتجعله مدركاً لمناوراتها. فهو كان يزور لبنان ويعمل في المجال الانساني خلال الحرب اللبنانية، وله في هذا البلد صداقات كبرى. اما غيان فإنه رغب في تحقيق نجاح ديبلوماسي لرئيسه مع سورية في لبنان على غرار ما فعله مع ليبيا. وقد حاول غيان وفريقه لملمة الأمور مع سورية واصطدما بالتعقيدات. وكثيرا ما تبدي دمشق ليونة ظاهرة وجهوزية للتعاون وتعتمد على حلفائها في لبنان للتشدد والتعنت.

وفي كل الأحوال جاء اعلان ساركوزي حاسما في القاهرة عندما أعلن عن قطع الاتصالات مع سورية لأنها لم تستجب للدعوات الفرنسية. وأكثر من ذلك فإن ساركوزي قال في السعودية ان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان على حق بشأن سورية، في اشارة الى عدم جدوى التحدث اليها سعياً لإقناعها بتغيير نهجها في لبنان. ثم عاد ساركوزي وأبدى الملاحظة نفسها لصديقه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

وحتى المسعى الاخير لرئيس الحكومة القطري حمد بن جاسم مع صديقه ساركوزي اصطدم بالفشل. فجاء المسؤول القطري يبلغ الرئاسة الفرنسية أن سورية وضعت فيتو على ترشيح العماد ميشال سليمان للرئاسة محاولا طرح اسم آخر، الا ان ساركوزي حسم الأمر عندما سأل اطرافاً لبنانية صديقة عن موقفها من ذلك، فأجابت انها متمسكة بترشيح سليمان. وتبنى ساركوزي وغيان هذا الموقف، لأن الرئاسة الفرنسية قالت منذ البداية انها تؤيد مرشحا توافقيا للرئاسة اللبنانية.

وأعرب كوشنير عن استيائه من هذا الطرح أمام رئيس الحكومة القطري في دافوس حين قال له ان طرحه يتعارض مع المبادرة العربية التي أيدتها فرنسا ولا تريد التراجع عنها.

فالاختلاف في وجهات النظر غير مستغرب بين مسؤولين من توجه سياسي مختلف. لكن المرجو ان تستمر جهود فرنسا لاخراج لبنان من أزمته علما أنها البلد الذي يمكنه التحدث مع كل الأطراف.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)