على إثر الاقتحام الشعبي للفلسطينيين في قطاع غزة للحدود المصرية، شهد الأسبوع الماضي ولا يزال حملة تحريض واسعة وكبيرة ضد الفلسطينيين، قادتها وسائل الإعلام المصرية خاصة تلك التي تملكها الدولة، وأفرد رؤساء التحرير في الصحف القومية الرئيسة صفحات للتحريض المهين والمشين ضد للفلسطينيين جميعا من دون تمييز الأمر الذي ترك أثاراً سلبية ومرارة في نفوس الفلسطينيين.

التحريض المصري السياسي والإعلامي ضد الفلسطينيين لم يتوقف، وبرغم من الترحيب الذي أبداه الرئيس المصري حسني مبارك بالفلسطينيين على الأراضي المصرية، إلا ان الموقف الرسمي تغير ضد الفلسطينيين الذين وجهت لهم اتهامات بالاعتداء على السيادة المصرية وانتهاك كل الخطوط الحمر من قبل الفلسطينيين الذين خرقوا الحصار الظالم المفروض عليهم من قبل دولة الاحتلال، وتوجهوا للتزود بالوقود والمواد الأساسية.

الاقتحام الشعبي للحدود كان هدفه الأساس كسر الحصار المفروض على القطاع، ولم يخطر في بال الفلسطينيين الاعتداء على السيادة المصرية، ولا بالانفصال بغزة عن الضفة أو إسرائيل. وكان وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط حمل إسرائيل المسؤولية عندما قال: "إن إسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية الأساسية والإنسانية لما آلت إليه الأوضاع في غزة، وما نتج عنه انفجار بشري تجاه مصر".

وبرغم بعض الإساءات الفردية التي صدرت من عدد محدود من بعض الفلسطينيين، الا ان ذلك لا ينطبق على عموم الفلسطينيين الذين اجتازوا الحدود للتزود بحاجاتهم الأساسية، ولم يخطر ببال أولئك الذين يشنون حملة التحريض الشرسة ان هناك حالات إنسانية وعلاقات اجتماعية بين الفلسطينيين، والمصريين منذ عشرات السنين.

كل ذلك والحصار لا يزال مفروضاً على الفلسطينيين في القطاع، والمرضى محرمون من السفر لتلقي العلاج، وعدد الوفيات منهم وصل الى أكثر من تسعين ضحية، وتزامن أيضاً مع قيام فدائيان فلسطينيان بتفجير نفسيهما في مركز تجاري في مدينة ديمونة الإسرائيلية، اختلفت أجهزة الأمن الإسرائيلية على مكان خروجهما لتنفيذ العملية الفدائية، وقلوب الفلسطينيين كانت تتوجه للسماء بالدعاء ان يكون الفدائيان خرجا من الضفة الغربية وليس من غزة.

تزامن ذلك مع غياب ملحوظ للفلسطينيين من الشوارع في القطاع على غير العادة إذ ان الطقس كان لطيفاً، ولم يلتفت الفلسطينيون إلى التهديدات الإسرائيلية رداً على العملية الفدائية. وأنا كنت على موعد مع أحد جيراني الساعة الثامنة مساءا، فإذا به يتصل ليؤجل الموعد.

الموعد الذي تم تأجيله عرفت لاحقاً من احد الأصدقاء عندما طلبت منه ان نخرج فاخبرني انه موجود مع مجموعة من الأصدقاء يشاهدون مباراة كرة القدم بين منتخب مصر ومنتخب انغولا في بطولة كأس الأمم الأفريقية. ومعروف عن الفلسطينيين في القطاع عشقهم للكرة والأندية والمنتخب المصري، فالغياب الملحوظ من شوارع غزة، وكذلك تأجيل الموعد كانا بسبب متابعة الفلسطينيين مباراة مصر وتشجيعهم المنتخب المصري عبر شاشات التلفزيون، وهذا يذكرنا باجتياح مدينة رفح من قبل قوات الاحتلال في العام 2004، عندما فوجئ الفلسطينيين في مدينة رفح بتقدم الآليات الإسرائيلية الى وسط رفح، إذ كان معظم المقاومين يشاهدون مباراة للنادي الأهلي.

كل ذلك يجري والساحة الفلسطينية تشهد مزيداً من تعميق ألازمة وزيادة هوتها، والانقسام مستمر والتحريض الداخلي والخارجي على أوجه، وفي التاريخ ذاته من العام الماضي نفذ فدائي فلسطيني من قطاع غزة عملية فدائية في إيلات، وتبنتها كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس، والعملية التي نفذت في الرابع من شباط الجاري نفذتها ثلاث فصائل فلسطينية.

أحد الاستشهاديين في وصيته للفلسطينيين طالبهم بالوحدة أكثر من مرة، والعملية جاءت ردا على استمرار الاحتلال والحصار وحال الانقسام، ورغم اختلاف الفلسطينيين عليها، إلا أنهم انصرفوا عنها للبحث في لملمة جراحهم جراء استمرار الحصار والانقسام وقسوته، وحملة التحريض ضدهم من قبل اقرب الناس الى قلوبهم، وانصرفوا ليجدوا فسحة من الفرح لمشاهدة مباريات كرة القدم خاصة منتخب مصر التي يعشقونها.

ويبقى سؤال سيظل غصة في حلوقهم: لمصلحة من يجري كل هذا التحريض والتشويه؟

أركان الدولة العبرية في الحكومة والجيش، اليسار واليمين والذين يعانون من ردة فينوغراد أجمعوا على الرد وبقسوة على الجهة التي خططت ونفذت العملية الفدائية في ديمونة، ووجهت اتهامات لحركة حماس بأنها تتحمل المسؤولية. وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يجب ان لا نفرق بين حمساوي بلباس عسكري أو دبلوماسي.

العمليات الفدائية التي تنفذها فصائل المقاومة سواء كانت عمليات استشهادية، أو هجوم مسلح كعملية الوهم المتبدد، أو عمليات إطلاق الصواريخ محلية الصنع، تزيد من حدة الخلاف والانقسام بينهم، ويدور جدل دائم بينهم على آليات المقاومة، ويختلفون على نوعية العمليات وتوقيتها ومدى جدواها، وينسى بعضهم ان الاحتلال مستمر، والحصار وتجويع الفلسطينيين وضياع حقوقهم، وهم يحتجون مرة على التوقيت ومرة على الآلية، ومستمرون في المفاوضات العبثية والفصل والانقسام والتحريض على المقاومة.

على أولئك المحتجين والمنتقدين والمحرضين والذين يتهمون المقاومة بالعبثية ويطربون على سقوط الصواريخ محلية الصنع على المدن الإسرائيلية للاستمرار في التحريض وشرعية بقائهم في السلطة، ان يحترموا دماء الشهداء وعذابات المحاصرين والمحرومين من الحدود الدنيا للعيش بحرية وامن، ويتوقفوا عن المفاوضات العبثية التي تتخذها دولة الاحتلال وسيلة للاستمرار في الاحتلال والحصار.

وعليهم ان يعملوا على ردم الهوة وليس توسيعها، فالفلسطينيون في القطاع مصممون على العيش وهم قادرون على إيجاد مساحة للفرح ومشاهدة مباريات كرة القدم، وتشجيع المنتخب المصري الذي يسوقهم بعض المغيبين عن الوعي حملة تحريض شرسة ضدهم لن تثنيهم عن تعميق العلاقة العربية الإنسانية والأخلاقية، وحبهم وعشقهم للشقيقة مصر.