انقضى عام واسبوع على آخر عملية استشهادية شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، في مدينة أم الرشراش "ايلات" يوم 29 /1 /2007. المفاجأة الجديدة لقادة الكيان الصهيوني من عسكريين وسياسيين، كانت في المكان المستهدف هذه المرة، مدينة "ديمونا" مركز المفاعل النووي الصهيوني، المُقفَلة عسكرياًً، والمراقبة أمنياً. في صباح يوم الاثنين، في الرابع من الشهر الجاري، ضربت المقاومة الفلسطينية بعملية استشهادية مركزاً تجارياً في قلب المدينة. أحد الاستشهاديين تمكن من تفجير حزامه الناسف، أما الفدائي الآخر فلم يستطع تفجير مايحمله، لأسباب عديدة مازالت خاضعة في تفسيراتها للناطق الحربي الصهيوني، والماكينة الاعلامية التضليلية لحكومة العدو. لكن ماهو مؤكد _ كما رصده وعممه تلفزيون العدو_ أن أحد ضباط الأمن الصهيوني قام بإعدام الفدائي الآخر الجريح أمام عدسة التصوير، في منظر تكرر أكثر من مرة في عمليات جيش العدو الوحشية ضد المقاومين. إن وصول المقاتلين إلى المدينة أسقط مجدداً " نظرية الأمن " التي ترتكز عليها السياسة الداخلية لحكومات العدو، وكشف هشاشة الاجراءات والادعاءات التي لاتصمد امام إرادة المقاومة، مما دفع بقادة العدو إلى ربط تنفيذ العملية بالتواجد الفلسطيني على أرض سيناء، بهدف رمي كرة الاتهامات المتدحرجة نحو الموقف المصري، الذي ساهم _لاعتبارات عديدة_ بتسهيل دخول الفلسطينيين إلى " رفح و العريش " المصريتان. والعدو قبل الصديق يعرف تماماً أن تنفيذ تلك العملية يحتاج لبضعة شهور من العمل الاستطلاعي الدقيق لتحديد الهدف ورصده وتجهيز المقاتلين وتأمين وصولهم للهدف.

جاءت العملية الاستشهادية مترافقة مع الهبة الجماهيرية، التواقة للحرية والكرامة في معبر رفح، ولتعكسان سوية وبإشارات واضحة قدرة الحالة الشعبية المحتقنة والغاضبة على الاحتلال والحصار وادواتهما المحلية والاقليمية والدولية على انتزاع المبادرة في فك العزلة القاتلة والمميتة المفروضة على قطاع غزة، وعلى اعادة توجيه البوصلة والبندقية نحو المستهدف بالسلاح الوطني. إن أهمية السلاح ودوره لاتنبع من تواجده النوعي والكمي في أيدي "المسلحين"، بل بوظيفة هذا السلاح في مواجهته للعدو في أرض فلسطين التاريخية المحتلة، وهو ماتؤكده يومياً عمليات الكتائب والسرايا واللجان المقاتلة . إن العملية الجديدة تأتي في سياق المواجهة الوطنية الكبرى الممتدة من جنين وحتى رفح وخان يونس، خاصة وأن نذر الانتفاضة _ الثالثة _ الشعبية الواسعة بدأت منذ أشهر تتجمع في الأفق. واطلالة سريعة على العمليات والصدامات التي تحصل في أكثر من مدينة وبلدة في الضفة الفلسطينية المحتلة تنبىء بذلك .

موقف سلطة رام الله المحتلة من العملية لم يكن مفاجئاً، لكونه يأتي منسجماً مع موقفها من الكفاح الوطني المسلح. فقد أعاد الرئيس والوزراء والناطقين الرسميين _ وماأكثرهم _ ! تكرار موقفهم المعروفة حول النضال المسلح ( عبثي وضار ولافائدة منه، والعملية لن تؤثر على المفاوضات!) في ظل التصعيد الهمجي لجيش الاحتلال وفرق الموت التابعة له في استهداف المقاتلين، كما حصل في " قباطية " قرب جنين وفي قطاع غزة، وهو ماأسفر عن استشهاد أربعة عشر مقاوماً، ناهيك عن عدد الجرحى، خلال هذا اليوم " الثلاثاء ". في الجانب الآخر كان موقف القوى الوطنية مؤيداً للعملية، لكونها جزء من الرد المشروع على عدوانية المحتل ووحشيته.

إن النتائج الأولية لعملية ديمونا تتطلب من القوى المقاتلة تطوير التنسيق بين فصائلها، بهدف وضع برنامج عمل كفاحي مشترك، تتوزع مهماته الأذرع المسلحة الخاضعة لقيادة ميدانية مشتركة، خاصة وأن الموقف السياسي الوطني في مواجهة سياسيات العدو يحظى بتوافق واسع بين هذه القوى، مما يفرض عليها ضرورة الاسراع في تمتين علاقاتها، كخطوة ضرورية من أجل تصليب البنية المجتمعية الفلسطينية